"عمر سليمان".. معلم الرياضيات الذي هجر (الفصل) وعشق السياسة
بروفايل – عقيل أحمد ناعم
من قبل كتب أحد أساتذة الرياضيات سفراً يرسم للساسة طريقهم نحو ساحات تمثيل الشعب، فكان (الطريق إلى البرلمان) الذي خطه الزعيم الراحل “إسماعيل الأزهري” معلم الرياضيات في المدارس الثانوية.. وها هي الأقدار تقود أحد معلمي الرياضيات وخريج معهد المعلمين العالي الذي بدأ حياته معلماً بمدرسة (محمد حسين الثانوية) بمدينة أم درمان، تقوده لتسنم رئاسة إحدى غرفتي البرلمان “مجلس الولايات”، فقد أدى بالأمس ابن قرية “الدبكر” الواقعة بغرب كردفان “عمر سليمان آدم” القسم رئيساً لما كان يعرف سابقاً بـ”مجلس الشيوخ”.
{ بين (خور طقت) ومقاومة (مايو)
الرجل الذي نشأ بتلك القرية الوادعة تشبعت روحه بتفاصيل بوادي كردفان، ليصبح باكراً ومنذ صباه جزءاً من نسيجها السياسي والاجتماعي، فالصبي الذي حمل “شنطة الحديد” مودعاً أهله ليلتحق بأحد صروح العلم في السودان “مدرسة خور طقت الثانوية” لم يكن يدري أن الأقدار ستجعل منه يوماً أحد الرموز لحركة سياسية ملأت الدنيا وشغلت الناس بين قادح ومادح، هي الحركة الإسلامية السودانية، فالفتى “عمر” الأسمر كسمرة أرض المسيرية التي ينتمي إليها ومذ وطئت قدماه “خور طقت” سخر كل تفاصيل حياته للتوجه الذي اختاره والطريق الذي ارتضاه في وقت كان فيه الانتماء للأحزاب التقليدية هو السائد في تلك الأصقاع، بل وفي كل السودان، إلا أنه وطن نفسه على سلوك الدرب الوعر بالتزام صف “الإسلاميين”، فأضحى أحد رموزهم في كردفان.
ويحكي أحد قادة الحركة الإسلامية بجنوب كردفان والقيادي بالمؤتمر الشعبي “أحمد الشين الوالي” لـ(المجهر) أن الرجل بعد هجرانه الوظيفة العامة في عهد نظام (مايو) هاجر بكلياته لتنظيم الحركة الإسلامية وتفرغ تماماً للعمل التنظيمي ولمقاومة نظام “نميري” الذي كانت تنشط الحركة في معارضته والسعي لاقتلاعه. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بين (مايو) و(الإسلاميين) إبان ما عُرف بـ”المصالحة” في 1977م تولى “عمر سليمان” منصب الأمين العام للحركة الإسلامية في جنوب كردفان، ثم أميناً عامّاً للجبهة الإسلامية القومية التي تشكلت عقب الانتفاضة على نظام “نميري” في 1985م في الإقليم الذي يضم حالياً (جنوب وغرب كردفان).
{ الدفاع الشعبي
بعدها بعامين رسمت أحداث البلاد وتقلباتها لزعيم الإسلاميين بجنوب كردفان ذلك الرجل الهادئ والمسالم دوراً جديداً في مواجهة تمرد الحركة الشعبية الذي اشتعل في الإقليم لأول مرة، فانخرط في الحراك المقاوم للتمرد المتمثل في تشكيلات “الدفاع الشعبي”- وهي ذات التشكيلات التي أحيتها من بعد حكومة الإنقاذ لمواجهة ذات الخصم- فكان أحد قادة المقاومة حينها.
{ مهمة خاصة
في تلك الفترة والرجل أحد الرموز السياسية في جنوب كردفان وعاصمتها كادوقلي كان الضابط “عمر البشير” يعمل في تلك البقاع، فتحدث الناس عن نشوء علاقة بين الرجلين، وتناسل الحديث من بعد وقوف “البشير” على رأس انقلاب الإسلاميين على السلطة في 1989م وأنتج همساً- لم نجد له تأكيداً من بعض العارفين بالرجل- مفاده أن “عمر سليمان” كان مكلفاً من “التنظيم” باصطحاب قائد الانقلاب القادم من “ميوم” إلى الخرطوم قبيل ساعة الصفر. لتبقى الرواية معلقة بين أرض التأكيد وسماء النفي.
{ اعتياد المناصب
بعد استتباب أمر الحكم للحركة الإسلامية وفي أول عهده، تولى “سليمان” موقع مساعد والي كردفان حينها اللواء “الحسيني عبد الكريم”، ثم مشرفاً على مؤسسة السلام والتنمية بجنوب كردفان، التي كان يقودها على مستوى المركز الراحل “فضل السيد أبو قصيصة”، وبعدها غادر مكلفاً بمهام الوزارة في غرب دارفور، ليعود إلى الخرطوم وزيراً للدولة بديوان الحكم الاتحادي. ولعل كردفان لا تريد أن تفارقه فأعادته إليها والياً في جنوبها.
{ المفاصلة
والحركة الإسلامية تتشظى وتنقسم في عام رمادتها 1999م، لم يتردد “سليمان” في اختيار جانب شيخه “الترابي”، فبقي عضواً في الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي زهاء أربع سنوات هي من أمرّ وأقسى سنوات الحزب الذي كان من أعنف معارضي الإنقاذ، ولـ”ظروف تخصه” ولم نسأله عنها- كما يقول “أحمد الشين”- غادر “عمر سليمان” الشعبي إلى الضفة الأخرى في 2004م ملتحقاً بالحزب الحاكم في أوج الخصام والعداء بين الحزبين، ليعود مرة أخرى إلى دنياوات المناصب “الميري” وزيراً للدولة بالنقل، ثم وزيراً للطرق، لتستدعيه جنوب كردفان كرّةً أخرى والياً لها في أعقاب اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية.
ولم يخف “الشين” الأثر البالغ لانسلاخ “سليمان” وعدد من أبناء كردفان، لكنه لفت إلى أن الانسلاخ من الشعبي كان “ظاهرة” في تلك السنوات. وأكد أن “عمر” رغم الانسلاخ ظلت صلته قائمة مع إخوانه في الشعبي. ورغم تاريخية الرجل في التنظيم الإسلامي إلا أن علاقته بالعراب “الترابي” لم تكن ذات خصوصية، بل ظلت في “إطار” العادي كحال غالب العضوية.
ظل مجلس الولايات يمارس الجأر بالشكوى من تهميش دوره وعجزه عن القيام بما ينفع الولايات.. فهل يفلح معلم الرياضيات الذي كابد آلام مخاض الحكم الاتحادي وعرف معاناة أهل الولايات في وزن معادلة الأدوار المختلة، ورسم شخصية جديدة ونافذة للمجلس في ظل الدور المرسوم له وفق الدستور والقانون؟ أم يوقع عند مغادرته غرفة “مجلس الشيوخ” قائلاً: (يبقى الحال على ما هو عليه وهذا هو المطلوب)؟؟