تعيين الولاة من العسكريين خيار مع وقف التنفيذ
ما بين داعمين ومتحفظين
تقرير ــ سعدية الياس
يتجه المؤتمر الوطني حسب ما تواتر من إرهاصات لتعيين ولاة من العسكريين، أو من أصحاب الخلفيات العسكرية، ويبدو أنه يريد أن يعود للتجربة السابقة التي انتهجها في بداية الإنقاذ، في تعيين ولاة عسكريين في المناطق الملتهبة. والسؤال الذي يفرض نفسه ماهي الدواعي التي دعت إلى الاتجاه لهذا الخيار.. وما هي الجدوى في ذلك .. وهل يجد المقترح تأييداً من قبل القطاعات السياسية والشعبية؟؟. (المجهر) بحثت في الأسباب والدوافع وفرص تطبيق المقترح في الحكومة المرتقبة وتعيين ولاة من العسكريين من أصحاب الخلفيات العسكرية.
تعيين يسبق الانتخاب
نظام الحكم اللامركزي هو النظام الذي يتم فيه تنزيل السلطات إلى المستويات الدنيا من الولايات والمحليات وبالضرورة هو أن تدير كل ولاية شأنها ويكون أبناؤها هم أصحاب القرار سواء في إدارة الولاية أو المحليات ولكن واقع الحال كان غير ذلك، إذ أن الولاة كانوا يأتون عن طريق التعيين إلى أن جاءت اتفاقية نيفاشا للسلام، حيث أقر الدستور الانتقالي بأن الولاة يأتون بالانتخاب وليس بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية. ويكون الوالي مسؤولاً أمام المجلس التشريعي للولاية ولذلك أتى ولاة منتخبون في انتخابات 2010 وقد كانت أول انتخابات في حقبة الإنقاذ. الآن وقد أكمل هؤلاء الولاة خمسة أعوام، أي أن أجلهم اقترب، وهذا بالتأكيد يعني التهيؤلانتخابات جديدة، وقبل موعد انتخابات 2015، طرأت بعض الإخفاقات والسلبيات في عدم انصياع بعض الولاة لتعليمات المركز، لاعتبارات أنهم منتخبون، ولا يستطيع رئيس الجمهورية عزلهم. وأشهر ما سرى في هذا الخصوص ما نسب إلى والي ولاية سنار “أحمد عباس” بأنه رفض تقديم استقالته في أعقاب طلب المركز منه الاستقالة، ومعروف أن رئيس الجمهورية بموجب الدستور 2005 لا يملك سلطة إعفاء الوالي المنتخب، يكون الخيار أن يقدم استقالته بنفسه أو يعزله المجلس التشريعي، فكان كلما أراد المؤتمر الوطني إحداث تغيير في موقع الوالي لا يكون أمامه إلا عبر الحزب حيث يطلب من الوالي تقديم استقالته. ويحدث ذلك ومن ثم يعين الرئيس والياً إلى حين إجراء انتخابات بخصوص المنصب .
انتكاسة التجربة
عندما اقتربت انتخابات العام 2015 سارع المؤتمر الوطني لاختيار ولاة عبر الكليات الشورية للحزب في كل ولاية، توطئة للدفع بأكثر الشخصيات حظاً عبر هذه الكليات الشورية للحزب، ليكون مرشح المؤتمر الوطني في الانتخابات. بالفعل بدأت الانطلاقة من الولايات عبر مجلس الشورى والمكتب القيادي للحزب في الولاية، إلا أن ثمة ممارسات سالبة طرأت ومن بينها مسألة الولاء القبلي والتكتلات الجهوية في الاختيار، بجانب ظهور شبهات شراء أصوات بعض أعضاء الشورى، الأمر الذي جعل المؤتمر الوطني يقف عند هذه التجربة وما خلفته من إفرازات سالبة. وبالفعل حقق في الأمر واهتدى بحسب التقارير التي رفعت إليه إلى إجراء تعديل جزئي في الدستور في 2014 .
ولاة سابقون وخلفيات عسكرية
في فترة الخمس سنوات التي بدأت من العام 2010 كان الولاة على النحو التالي: النيل الأزرق كان الوالي “الهادي بشرى”، جنوب كردفان “أحمد هارون”، وهو ذو خلفية عسكرية. وفي شمال كردفان “ميرغني حسين زاكي الدين”، غرب كردفان اللواء “أحمد خميس” قادم من صفوف القوات المسلحة، وجنوب دارفور “عبد الحميد كاشا” وفي الجزيرة بروفسور “الزبير بشير طه” وهو مجاهد وذو خلفيات عسكرية. ونهر النيل الفريق “الهادي عبد الله” وهو قادم- أيضاً- من صفوف القوات المسلحة. وفي الشمالية الراحل “فتحي خليل” وفي سنار “أحمد عباس”. والنيل الأبيض “محمد نور الله التجاني” وغرب دارفور “حيدر قالوكوما” وهو ذو خلفية عسكرية وهو قادم من الميدان.
تعديلات جزئية
من الملاحظ أن هناك بعض الولاة العسكريين حافظوا على مكانهم في شغل الموقع عقب إجراء تعديلات جزئية، مثال لذلك انتقل “أحمد هارون” إلى شمال كردفان، وظل اللواء “أحمد خميس” في غرب كردفان. وفي جنوب كردفان المهندس “آدم الفكي”، وفي شمال دارفور “عثمان يوسف كبر”، وجنوب دارفور اللواء “جار النبي”، وغرب دارفور “قالوكوما”، وسط دارفور الشرتاي “جعفر عبد الحكم”، نهر النيل الفريق “الهادي عبدالله”، والشمالية “إبراهيم الخضر”، بعد وفاة الراحل “فتحي خليل” ، سنار أحمد عباس والنيل الأزرق سروال، والنيل الأبيض “أحمد يوسف الشنبلي”، الخرطوم “عبد الرحمن الخضر” .
آراء متباينة
ويرى الوزير السابق القيادي بالحزب الاتحادي، “السماني الوسيلة”، إن الولاة العسكريين هم في الأساس مواطنون يتميزون بالروح والانضباط العالي وخبرات إدارية، إضافة للمهنة الأساسية الأمنية. ولكن هذا لا يعني أنهم الوحيدون الذين يصلحون لشغل هذه المناصب والمواقع الأخرى، ويضيف (متى ما توفرت الميزات في شخص من غير العسكريين كالخبرة الإدارية والعملية والسيرة الذاتية يمكن أن يدفع به)، ولكن الأهم من ذلك أن هناك بعد تنموي يجب أن يتوفر في من يتولى منصب الوالي، وهي مطلوبة بشدة حتى لا تضيع الموارد هدراً، ويحسن استخدامها لتعود للمواطن بالنفع، ولأن التجربة الماضية أثبتت أن هناك خللاً ما يستدعي المراجعة، فالوالي رأس الرمح وتجربة الحكم الفدرالي تحتاج لمراجعة الكثير من القضايا.
وجهة نظر مختلفة
أمين الحزب الشعبي “كمال عمر” يرى في حديثه لـ(المجهر) أن معايير اختيار الوالي ينبغي أن تخضع إلى إجراءات، فوضع السودان يحتاج إلى الشخص المرغوب والمحبوب، وفي ذات الوقت يكون لديه قدرات في قيادة الولاية بمنهج سياسي، وبه شورى وحرية وديمقراطية، وهذا الأنسب ويكون قوياً وأميناً.
ويقول “عمر” إن الأصل في الشورى أن يختار الجمهور الوالي من الناحية الدينية، إلا في حالة الاستثناء بمعايير الاعتبارية منها الكفاءة والقيادة والحكمة ومدى استيعابه لخدمة الإقليم، ويرى أن العسكرة ليست مفيدة. ويجب أن يكون الاختيار شورياً ديمقراطياً مقدماً على الأمن، لأن تعيين الولاة بالانتخاب هو الأنسب.
ولكن نائب رئيس حزب الأمة القومي اللواء “فضل الله برمة ناصر” يرى بعكس رأي “كمال عمر”، حينما قال إن رئاسة الجمهورية اتخذت القرار الصائب لأن الجيش هو السند الوحيد للشعب والقوات المسلحة، هي المسؤولة من حقوق المواطن وأي مدني.
“بخاري الجعلي” : إدارة العسكر أفضل
وفي حديث مقتضب قال المحامي المعروف والقيادي بالحزب الاتحادي بروفيسور “بخاري الجعلي”، إن أوضاع السودان تحتاج للحكم العسكري، وهو مرتبط بأسس وقواعد، وإن امتد هذا الحكم حتى المدارس لا مانع، ولأن الديمقراطية لا تنفع في السودان.
أما المحلل السياسي “حسن الساعوري” فقد قال إن تعيين الولاة العسكريين في مناطق النزاع كدارفور وجنوب دارفور والنيل الأزرق، يمكن أن يكون مبرراً، أما المناطق التي تخلو من النزاع ،فإن أصبح الحكم فيها عسكرياً، تكون هنالك علامة استفهام حول المدنيين. أما يكون هناك خلل في قدرات المدنيين أو أن ولاءهم للرئيس مشكوك فيه!.