إيقاف تصاديق عمل الركشات.. جدل القرار والأضرار!!
ما بين مؤيد ورافض
خبراء يحذرون من نتائجه السلبية الاقتصادية والاجتماعية
تقرير – محمد جمال قندول
بعد يوم من الإرهاق الذهني والجسدي يعبر “مصطفى” كوبري الحرية بعربة هايس ( 14 راكب) تقلهم إلى الكلاكلة بــ(5) جنيهات للراكب، بعد الثانية عشرة منتصف الليل، رغم أن ذات العربة تقله صباحاً بــ(3 جنيهات).. ولأن الخرطوم بلد الهموم، وكما يقولون (كلام الليل براهو)، يصل “مصطفى” سوق اللفة لينتظر في موقف المواصلات قرابة نصف الساعة ولا تأتي أية عربة، ولا يجد مفراً من استقلال الركشة بــ(5 جنياته).. وعلى هذا المنوال تكون مشاوير “مصطفى” اليومية، من عسر إلى عسر. وبالأمس، كالعادة، وهو يطالع الصحف وجد خبراً مفاده أن مجلس وزراء حكومة ولاية الخرطوم، قد قرر (في اجتماعه برئاسة د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم إيقاف التصاديق الجديدة للركشات وإصدار لائحة، وذلك حسب لجان شكلت خلصت إلى الآثار البيئية والفنية والاقتصادية السالبة، بجانب منع الأجانب من قيادة وامتلاك الركشات والتشديد في جميع المخالفات التي يرتكبها سائقو الركشات وإصدار لائحة لتقنن عملهم)، فصمت “مصطفى” برهة، وقال: (يعني لو ما الركشات نصل بشنو لأهلنا بالليل؟).. هذا كان رد فعله، ورد فعل الغالبية من الشباب تجاه القرار الذي أثار جدلاً كثيفاً بالأوساط مجتمعة.
{ قرار مرتجل رغم التبرير!!
في ظل الأزمة الطاحنة في المواصلات، اكتسبت “الركشة” أهمية خاصة، لدورها في تخفيف حدة تلك الأزمة، وأصبحت وسيلة تنقل رئيسية بين الأحياء في الكثير من مناطق العاصمة ووفرت للعديد من الشبان فرص العمل في ظل البطالة المتفشية، وأصبحت الكثير من الأسر تعتمد على الدخل الذي توفره “الركشة” التي تملكها، ويعمل عليها، غالباً، أحد أفرادها. وقد أدى نجاح عمل “الركشة” إلى أن يتطلع الكثير من الأفراد إلى الدخول في مجال عملها، الأمر الذي قاد إلى ارتفاع سعر “الركشة”، بما يعني زيادة الطلب عليها.. لذلك فإن القرار الصادر عن سلطات الولاية بوقف التصديقات الجديدة، وغيره من إجراءات تضمنها القرار، لابد أن يثير موجة من ردود الأفعال من عديد الجهات ذات المصلحة بعمل “الركشات”.
وقد تراوحت ردود الأفعال التي رصدتها (المجهر) خلال هذا التقرير، ما بين القبول والرفض. فقد وصفه البعض بالمرتجل والفاقد للمنطقية خاصة وأن “الركشات” باتت الوسيلة الوحيدة للعائدين إلى ذويهم في أوقات متأخرة من الليل في ظل أزمة المواصلات الخانقة التي تضرب أوصال العاصمة منذ العاشرة مساء، إن لم تكن أبكر من ذلك في بعض أنحاء العاصمة، بالإضافة إلى أنها باتت الوسيلة الأكثر سهولة للتنقل في المسافات القريبة، بين الأحياء وداخل الحي الواحد.
القرار في حيثياته استند إلى دراسة لجنة مختصة برئاسة وزير البنى التحتية والمواصلات بالولاية، تناولت الأثر الفني والبيئي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والسلامة المرورية، بالإضافة إلى رفع الوعي والتثقيف لدى سائقيها.
{ سائقو الركشات يترافعون
“على صالح” سائق ركشة عقب على القرار وقال لــ(المجهر) إن القرار ظالم، وستكون له عواقب وخيمة تقع على المواطنين، نظراً إلى أنها وسيلة المواصلات الوحيدة التي ليست بها ندرة، ويجدها المواطن في أي زمان ومكان، وأضاف إنها كمهنة ووسيلة لكسب العيش وفرت الكثير من فرص العمل للكثير من الشباب، بمن فيهم الخريجون. وحسب عمله بالركشة لمدة قاربت الــ(8) سنوات، جزم بأن أغلب من يقودون الركشات هم من الخريجين الجامعيين، والذين أغلقت أمامهم أبواب التوظيف والتشغيل ولم يجدوا أمامهم خياراً متاحاً غيرها.
وعلى ضوء الجدل المثار حول الركشة فإنهم هم المتهمون، في حقيقة الأمر، بالتسبب في ما يسمى بالظواهر السالبة وأبرزها الإزعاج، بجانب عدم الالتزام بالمسير في الشوارع المخصصة لهم، ما جعل من الركشة طرفاً في العديد من الحوادث المرورية داخل العاصمة.. أضف إلى ذلك بعض الظواهر الأخلاقية السالبة واستغلالها في بعض الجرائم مثل ترويج الخمور البلدية. وقد رصدت مضابط الشرطة العديد من الحالات، وأغلبها ركشات (بدون لوحات).. هذه كلها عوامل تشكلت لاستخراج القرار، على ما يبدو.. وترافع عنهم “أيمن حسين”، من سكان الكلاكلة صنقعت الذي تحدث لـ(المجهر) قائلاً إنه خريج جامعي وله قرابة الــ(5) أعوام منذ تخرجه في جامعة السودان (محاسبة) ولم يجد عملاً، فاتخذ من هذه المهنة ملاذاً له، وتساءل: كيف يتهموننا بمثل هذه الاتهامات؟ واسترسل قائلاً: (صحيح أن هناك البعض من سائقي الركشات يستغلون المهنة استغلالاً سيئاً، لكن الحكم على كل سائقي الركشات أو شملهم بالاتهام فيه ظلم كبير).. وأردف: (مثل هذا القرار سيظل يشكل عقبة، وستكون له آثار سلبية كبيرة على المجتمع خاصة، فنحن نساهم في ردم هوة العطالة وهوة إشكالية المواصلات ليلاً في حالة عدم وجود المواصلات العامة، وتخفيف أزمات المواصلات في كل الأحوال).
{ آثار اقتصادية
الخبير الاقتصادي د. “يوسف خميس” ذكر أن القرار ستكون له آثار اقتصادية واجتماعية سالبة، نظراً إلى أن الكثير من الأسر تعتمد في مصدر رزقها على الركشات، مشيراً إلى أن القرار غير موفق.. لكنه عاد وقال: (كان يقتضي على حكومة ولاية الخرطوم تنظيمها فقط وفق جدولة مساراتها، وعدم تحركها بالشوارع الرئيسية حفظاً لسلامتها وسلامة العربات).
د. “يوسف” عدد إيجابيات الركشات كوسيلة نقل، وقال إنها تقطع مسافات لا تقطع بالأرجل في أماكن ليس بها مواصلات، وإن وجدت وسيلة نقل تكون ذات تكلفة عالية، وبالتالي هي توفر بحساب التكلفة بجانب أية وسيلة نقل أخرى، بالإضافة إلى أنها وفرت فرص عمل كبيرة لشباب، جزء كبير منهم من حملة الشهادات الجامعية.
{ آثار اجتماعية
وعد الباحث الاجتماعي د. “علي آدم” اتجاه ولاية الخرطوم لاتخاذ مثل هذا القرار يمثل نكسة كبيرة ، وله آثار اجتماعية وخيمة على المواطنين في ظل اعتمادهم عليها بشكل أساسي في الآونة الأخيرة كوسيلة نقل في ظل تفاقم أزمة المواصلات التي باتت عقبة كأداء في ولاية الخرطوم. وأضاف في حديثه لـ(المجهر) إن “سائقي الركشات” أفرزوا بعض الظواهر السالبة بحكم أن أغلب سائقيها، قبل خمسة أعوام، كانوا صغاراً في السن ومراهقين، لكن في الفترة الأخيرة باتت نسبة كبيرة من سائقي الركشات تتشكل من طلبة الجامعات، بجانب أنها وسيلة نقل لا غنى عنها في كثير من الأوقات والأمكنة، وهي وسيلة لكسب العيش للعديد من الأسر، إذ إنها توفر فرص العمل لبعض أفرادها.
واستطرد مستهجناً قرار الولاية: (كان الأحرى بالولاية أن تنظم المواصلات وتعيد صياغتها وتعالج الإشكالية وتزيل الآثار السالبة بالقانون، سواء في تنتظم عمل الركشات أو ضوابط الترخيص، قبل اللجوء لمثل هذا القرار).
ومثلما هناك مخالفون للقرار، يوجد مؤيدون له منهم المواطن “الحاج السر”، الذي عدّ قرار إيقاف التصاديق جيداً، مشيراً إلى أنه تأخر في الصدور، وهو يستند في ذلك إلى أن الركشات باتت أداة للجريمة أكثر من كونها وسيلة مواصلات، على حد قوله، ووصف من يقودونها بأنهم شبان متهورون ويتسببون في الحوادث المرورية.. لكنه عاد وقال إنه كان بالإمكان معالجة هذه الإخفاقات بإيقاع الجزاءات على كل متجاوز.