شهادتي لله

رحلتي إلى الهند (2)

{ حب العمل.. بل تقديسه، ونظام العمل (السستم) وما يشمل من ضوابط جودة وإجراءات وقوانين ولوائح صارمة، هو ما يجعل العالم من حولنا يتقدم وبلادنا (محلك سر)، حيث لا تشفع عمليات التجميل في تحسين البنية المتآكلة.
{ أراقب وأتأمل طريقة ونظام العمل بين مستشفى خاص في الهند  (ميوت إنترناشونال) بمدينة ” تشيناي “- “مدراس” سابقاً، وواقع الحال في مستشفيات الخرطوم الخاصة (الفندقية) وغير الفندقية والحكومية البائسة، فأجد أن الفرق شاسع جداً.
{ والسبب بالتأكيد ليس الإمكانيات، فعندنا من أنفقوا (ملايين الدولارات) على بناء مستشفيات خاصة فارهة، مبانيها لا تقل فخامة عن بعض رصيفاتها في القاهرة أو عمان أو حتى بعض المشافي الأوروبية، ولكنها للأسف في الغالب مستشفيات فاشلة، تحتشد يومياً بالأخطاء الطبية، والعبث واللا مبالاة يرسمان ملامح العمل فيها، فلا إدارة ولا نظام ولا ضبط للأطقم الطبية ومراقبتها.  
{ وقبل الاتفاق أو الاختلاف معي، مواطنين وأطباء وإدارات طبية ووزارات صحة على امتداد السودان، أجيبوا عن الأسئلة التالية بـ(نعم) أو (لا) ولا خيار ثالث لأنني أرى- ويفترض كل الناس-  أن ما يتعلق بصحة الإنسان لا يحتمل إجابات من شاكلة (أحياناً، احتمال، نوعاً ما):
} السؤال الأول: هل سمعتم أو رأيتم مدير مستشفى في السودان  يحمل درجة “البروفيسور” في الطب يقوم بـ(مرور) صباحي يبدأ عند الخامسة أو السادسة صباحاً يشمل كل العنابر والغرف، ثم يقوم بـ(مرور) آخر في نهاية دوامه عند العصر يرافقه النواب والسسترات؟!
احتفظوا بإجاباتكم لأنفسكم، غير أنني لم أر ولم أسمع بذلك في السودان، بينما رأيت ذلك خلال الأيام الفائتة في الهند.
} السؤال الثاني: هل رأيتم أو سمعتم بإدارة مستشفى أو أي مرفق (خدمي) عام يتعامل مع الجمهور في السودان يحظر على العاملين، الكوادر الطبية من أطباء عموميين، وسسترات، وممرضات، وسكرتيرات وفنيي أشعة.. وموجات.. ورنين مغناطيسي، وعمال نظافة وغيرهم، يحظر عليهم استخدام (الموبايل)، وبالضرورة (الفيس والواتس)، وتتسلّم منهم الأجهزة عند الاستقبال، ولا تعاد إليهم إلا عند مغادرتهم المستشفى بنهاية الدوام، بينما تتم التعاملات بين أقسام ووحدات المؤسسة بالهواتف الثابتة أو نقالة عبر شبكة خاصة بالمستشفى للعمل فقط.. هل سمعتم أو رأيتم؟!
{ نعم، لا شك أنكم رأيتم.. كيف يتعامل الموظفون والموظفات مع الموبايل وكمبيوترات الحكومة والشركات باستغلال واستهتار في (لعب الكوتشينة) والتواصل من خلال (فيسبوك) مع الأصدقاء والأحباب داخل وخارج السودان في مواقع الخدمة المباشرة مع الجمهور أو غير المباشرة في جميع وزارات ومؤسسات وشركات القطاع العام والخاص في بلادنا!!
{ لا.. بل إنني رأيت في أحد صالونات الحلاقة بالخرطوم (زبوناً) شاباً يتحدث بالموبايل لمدة (نصف ساعة) لا تنقص وقد تزيد.. والحلاق ينتظر بتأفف فقد بدأ بالفعل قص الشعر، لكن (الواد المهم جداً) أوقفه وظل يزعجنا جميعاً بمكالمة فارغة ولا تبدو عليها أية أهمية وفي النهاية قال للحلاق: (معليش يا معلم.. دي مكالمة مهمة من دبي)!! إذن (بتاع دبي) عطل العامل، وعطل الزبون التالي والذي يلي الذي يليه، كلهم لنصف ساعة دون ذنب جنوه!!
{ أعود وأقول: نعم، أنا رأيت.. في مستشفى (ميوت) بالهند، يمنع بتاتاً.. دخول الهواتف النقالة داخل المستشفى لجميع العاملين.. المرافقون والمرضى مسموح لهم!!
{ سسترات في عمر الزهور من سن (20) إلى (25)، ينتشرن في غرف المرضى على مدار الساعة كالفراشات، لا موبايل، ولا مواعيد مع “فلان”، ولا ثرثرة و(شمارات)، ولا (فيس) ولا (واتس) ولا مضيعة زمن بين (الفطور) والصلاة والتسكع قبلهما وبعدهما بين المكاتب و(ستات الشاي) في (بلد المليون ست شاي)!!
{ هل رأيتم… في السودان؟!
{ أنا واثق من إجاباتكم: لم تسمعوا.. ولم تروا.
نواصل

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية