الديوان

(سكراب) بسيط يخلق أجواءً جميلة من الديكور المنزلي

في منزل السيد “عبد الغني كرم الله” بـ(الخرطوم)
ليت معمار المدينة يصغى لتراثنا المعماري بدلاً من العك الأسمنتي
إلتقته – آيات مبارك
(قالت حليمة بائعة اللبن لآمنة، وقد جاءت كعادتها قبل شروق الشمس، وهي تكيل لها لبناً بقرش: سمعت بالخبر؟ الزين مو داير يعرس..
وكاد الوعاء أن يسقط من يدي آمنة، واستغلت “حليمة” انشغالها بالنبأ، فغشتها في اللبن..
عرس الزين…
(تمنة اللبن).. تحايل آخر، في دارنا.. وكم وش باااسم
براد أمي الأخضر،
ومفرمتها، آآآآه من تضحيات الطماطم، بين الفرم والضروس.. (ولكن تنتمي للجسد البشري، وتنفعل بإشراقاته”.. وغطايات كور، جلبتها من قرية المكنية، منسية ومرمية في ركن.
وقرعة من سوق ماااايو “كم أحب هذه السوق، فن، وبساطة، وعبقرية وأنامل كالمسيح، تصنع من الطين طيراً، وفناً، وألقاً..
 (فندك)، أمي…
طبعاً ضرباته، ترن في بالي بأعراس، وسمايات، وطهارة..
كم طحنت أحشاؤه بامية جافة، وطماطما مجففة، وبهارات كثر، رائحة الروائح تنسل منه، كل يوم وتستل مني حيوات أقرب للأفلام، على سينما الخواطر.
هذا الحديث بعض من فلسفة القاص المبدع “عبد الغني كرم الله” وهو ينفخ الحياة في أواني المنزل القديمة.. من (قرية العسيلات) بلد أمه أو (فتوار) قرية أبيه ومن شوارع الخرطوم وأسواقها العكرة ورب مكان آخر سبى رؤاه البعيدة.. لتعيش أعماراً أخرى بفضل عبقريته ورؤيته المختلفة.. و”كرم الله” يرى الأشياء بأعين ممسوسة.. ماكرة.. تجول يمنة ويسرى.. لا تبقى على شيء.. سوى لمعة من ضفتها الأخرى – غير مرئية –  فسألناه عن ردود الأفعال وهو يستقطب كل (مركون) و(مرمي) حتى يأخذ موقعاً آخر فقال: طبعاً في البداية، لابد من (شجاعة)، فأنت ترى رجلاً يدنقر في الشارع ويحمل “كرور”، لاشك هناك همس ولمز، وغمز، كشأن بعض الناس، ده شنو عليك الله شايل ليهو عود مرق، وحديدة قديمة من الكوشة؟ مثل هذه الأشياء قد تحارب من بعض الناس، ولكني تعودت.. وأي شارع هو متحف مصغر، لأشياء عزيزة.
 موقف الأسرة
في البداية، وفي عتب الباب تضحك الأسرة، أو تسخر، وبعد حين تصفق “للكرور”، حين يتخذ موقعه المناسب في الدار، مع بعض مكر فني، ووضعه في المكان المناسب واللون المناسب والركن المناسب.
خيانة الجمال
وما هذه الغزالة؟ هل حقيقية: نعم أحضرت (غزالة للدار)، مجرد عود شجرة مرمي، ولكني رأيت فيه رأس غزالة، بقرونها وفمها أو قولي فكها المسحوب للأمام، وكل ما فعلته هو وضع نقاط مكان عينيها، فبدت غزالة، كل من حضر الدار لفتت نظره، ومدحها، وهو عود وجدته بالضبط في ركن شارعنا له شهور، (تصوري غزالة؟ لم تأكل أو يلتفت لها زول شهور)، هذه خيانة للجمال، ولمعدتها الجائعة للرؤية…
هل تصدقي؟ هسي أنا أحضرت معي “نملية”؟ يا رب بتعريفها؟ هي دولاب قديم للأواني، مجرد باب نملية وجدته مرمياً، فأحضرته معي، كان خلفي تسير (إمرأتان)، ولا أدري ماذا كان تعليقهما.
أي عمل صادق، يجب أن لا يلتفت للرأي العام، الرأي العام في بلادي محتاج لعمل كبيييييييييير، وأنا متأكد الكثير من الناس تركوا أموراً جميلة، محاباة له، أو خوف منه، أن تجلس في رملة؟ أو تشير للسحب بروعه الله الله، نصف الشارع، الشارع يقسرك أن لا تعجب السحب، (دكتاتور مش؟)…
ما خفي أبدع
–     الناس لو ما بتخاف من بعض كانت طلعت حاجات كتيرة وما خفي أبدع؟؟ حدث وأن وجدت (بيت نوبي، بالتمام والكمال)، في فلينة – نعم رأيته فيها – هل تصدقي سرح بالي في أهله، والمشربية، والزخارف، والصحن..
وأحضرتها معي، وكل ما فعلته للبيت النوبي، وضعت “قرع”، على رأسه، وصندوق “دواء”، كدكة له.. تحايل بسيط يصنع عالم (من التأويل، والحنين)، لأيام البيت النوبي، وليت معمار المدينة يصغى لتراثنا المعماري هنا، وهناك، بدلاً من العك الأسمنتي، الذي أفسد الذوق، ولا يشعر من باب (ولا يشعرون).. أي شارع، هو متحف يومي، شعبي، يرمي الناس أشياءً جميلة فيه، بسوء ظن بها، وهي أحوج ما تكون لحسن الظن.. في مكتبتي مثلاً، أستخدم صحناً صغيراً للأقلام والألوان… مكوة قديمة عليها بعض الريش للرسم.
مبخر صغير وضعت عليه ألواناً زيتية.. بل الجمر “الحاااااار”، قلنا ننصفها بألوان.. وهي كم ضحت، ودعكت “المكرفس”، وسوته…
طبعاً عجباني القدود الكتيرة أسفلها.. زي “الطابية”… شفتي قدود الطابية؟
توظيف الفولكلور
أنا من أنصار، تحويل البيت (لمتحف، وجاليري، وبيت)، معاً.. وبأمور في متناول اليد و(سكراب) بسيط يخلق أجواءً من الديكور المنزلي، الشعبي… فندك أمي، مثلاً، لا تتصوري بما يوحيه لي.
ذكريات بيتنا في القرية
بالمناسبة أنا شيدت بيتنا في القرية، في البيت، مصغر، بنيته من الطين، هو هو، على تربيزة في الدار، والله لمن أعاين له من كل زوايا بتذكر قريتي، مثلاً أنا مقبل من المشروع الزراعي، يبدو البيت من الجنوب، أو من المدرسة، يبدو البيت من الشمال الغربي
أجلس أتأمله، وأحس بأني طفل، يجري نحو الدار، من جهة المشروع، أو المدرسة، أو مقبل من ناس خالي دفع الله، وهنا يبدو البيت من الخلف..
عبد الغني كرم الله
وختاماً قال لي “عبد الغني كرم الله” أي فراغ، يعني لي تحدي “ماذا تفعل فيني؟ وإلا سأقهرك بالملل، هكذا يقول لي الفراغ دوما “صنع أو ملل”، فاختر لي مصيرا…؟؟
حاولت إعطاء المبدع والقاص “عبد الغني كرم الله” توصيل تجربته بطريقته هو.. ورغم أن هذه الفكرة قد تكون موجودة.. لكنه أفرد لها مساحة وقام بتوجيه جميع إمكانياته لطريقة عرض (بتشرح النفس وبتعمل تماسك داخلي.. وكمان بتثبت كتير من القيم والمضامين القديمة الجوانا).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية