الفريق "حسين عبد الله جبريل" في حديث لـ(المجهر)
أتمنى أن يكون لدينا حزبان فقط في المستقبل حتى يشتد التنافس بين الحكومة والمعارضة
التمرد انحسر بنسبة (99%) في ولايات دارفور وسينتهي بنهاية العام!!
الصراع القبلي في دارفور أصبح مخيفاً وأخطر من التمرد..!!
{ مقدمة
رسم الفريق “حسين عبد الله جبريل”، الخبير والقيادي بالمؤتمر الوطني، صورة قاتمة للصراع القبلي بولاية دارفور، إذ وصفه بأنه أخطر من التمرد، وناشد قادة الإدارة الأهلية العمل على رتق النسيج الاجتماعي، وأكد انتهاء التمرد بنهاية العام الجاري في كل ولايات دارفور.
الفريق “حسين عبد الله جبريل” من مواليد محلية (كتم) ولاية شمال دارفور، في العام 1947م درس بها وامتحن الشهادة الثانوية من مدرسة الفاشر الثانوية، ومنها التحق بالكلية الحربية، ثم عمل في المؤسسة العسكرية، وتدرج في الرتب إلى أن وصل رتبة الفريق. وعمل في عدد من الوحدات العسكرية، منها (بحر الغزال، سلاح المهندسين والقاعدة الجوية).. حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية من جامعة الزعيم الأزهري، وعقب تقاعده للمعاش عمل رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني في العام 2001م ورئيس للجنة الشؤون الاجتماعية أيضاً.. عضو المكتب القيادي السابق وعضو هيئة شورى المؤتمر الوطني ورئيس الهيئة البرلمانية لنواب ولاية شمال دارفور.. التقته (المجهر) وأجرت معه الحوار التالي بشأن تطورات الأوضاع في دارفور.
حوار- وليد النور
{ كيف تنظر إلى الساحة السياسية عقب الانتخابات التي حصد فيها المؤتمر الوطني (323) مقعداً في البرلمان من أصل (426) مقعداً.. وهل يستطيع البرلمان القادم المساهمة في حل المشكلات الرئيسية التي تواجه البلاد؟
_ ابدأ حديثي بتهنئة رئيس الجمهورية ونواب البرلمان من أعضاء حزب المؤتمر الوطني وبقية الأحزاب التي شاركت في العملية الانتخابية ودخلت قبة البرلمان بثقة الشعب فيها. وفي رأيي أن الانتخابات كان لابد من إجرائها، وفقاً للدستور والقانون، نسبة لتحديد أجل الحكومة وشرعيتها بخمس سنوات. فكان لابد من إجراء الانتخابات حتى لا يحدث فراغ دستوري.. وأتمنى أن يواصل نواب البرلمان الجديد متابعة وتنفيذ السياسات والقرارات التي تم تبنيها في الدورات السابقة، بما في ذلك استكمال القوانين التي طرحت مشروعاتها، بجانب مراقبة أداء الجهاز التنفيذي والمشاريع القومية.
{ بلغ عدد الأحزاب التي شاركت في العملية الانتخابية (45) حزباً والتي حصدت مقاعد في البرلمان (17) حزباً.. ألا ترى أن هذا العدد أكبر من مساحة الساحة السياسية في بلادنا مقارنة مع دول أخرى؟
_ أتمنى أن يكون لنا في المستقبل حزبان فقط، حتى تكون هنالك حكومة ومعارضة. لأن الدول المتقدمة تتكون برلماناتها من الحكومة والمعارضة، التي تنتقد أداء الحكومة نقداً هادفاً وبناء. والمنافسة بين الحزبين تكون– عادة- قوية جداً.. وذلك أفضل من وجود حزب صاحب أغلبية في السلطة، بجانب أحزاب كثيرة في المعارضة، ومقاعدها قليلة في البرلمان.
{ كيف ترى وضع المستقلين في البرلمان.. وهل باستطاعتهم الإيفاء بالوعود التي أطلقوها خلال حملاتهم الإعلامية؟
_ وجود المستقلين ظاهرة إيجابية، على الرغم من أنهم انسلخوا من المؤتمر الوطني، لكن الخدمات التي يقدمها النائب ليست للمنطقة وإنما للمواطنين عامة، ولا أعتقد أنهم سيواجهون مشكلة في ذلك. ويجب أن لا ننظر إلى الموضوع نظرة سلبية، لأن المؤتمر الوطني على لسان رئيسه رئيس الجمهورية المنتخب أكد على حقوق المستقلين، وهنأهم بالفوز، وقال إن أي حزب سيأخذ حقه، وإن صوته سيكون مسموعاً داخل البرلمان.. ورغم حصاد المؤتمر الوطني لغالبية الأصوات ولكن هذا ليس معناه أنه سيمنع الآخرين من الإدلاء بآرائهم.
{ ولكن الخدمات التي يعد بها المرشح البرلماني مواطني دائرته هي من اختصاص الحكومات الولائية بينما النائب مهمته قومية.. رقابية وتشريعية؟
_ نعم هنالك فهم خاطئ في هذه النقطة. فالخدمات هي مسؤولية الولايات، بمستوياتها التشريعية والتنفيذية، والبرلمان القومي مسؤوليته الرقابة والتشريع ومتابعة المشاريع القومية الكبيرة، مثلاً: السكة الحديد، طريق الإنقاذ الغربي، الطرق القارية وغيرها، ولا يستطيع النائب تصديق مشاريع أو تنفيذها ولو كانت صغيرة مثل الآبار الجوفية، لأنه ليس تنفيذياً، لكن يستطيع إذا شغل النائب البرلماني موقعاً تنفيذياً، وفي هذه الحالة يمكنه أن يجد فرصاً أوسع لتقديم الخدمات لمنطقته.
{ لكن الدعاية الانتخابية للمرشحين ومن قديم الزمان تقوم على الوعود بتقديم الخدمات؟
_ يجب أن تكون الدعاية لأي نائب واضحة، وتحدد أن مهمته هي الرقابة والتخطيط للمشاريع بالبلاد كافة بما فيها دائرته القومية، بالتضامن مع زملائه الآخرين في البرلمان، وعلى المواطنين منحه أصواتهم أو الامتناع عن منحها له بناء على ذلك. فلا يصح أن يقحم البرلماني أو المرشح لعضوية البرلمان نفسه في أشياء لا يستطيع تنفيذها، لأن الذي يقدم ويطرح تلك المشاريع هو الحزب.
{ تشظت الحركات المسلحة بدارفور وتضاعف عددها ولم تحل القضية رغم مرور اثني عشرة عاماً.. كما لم تستطع الحكومة القضاء عليها تماماً.. كيف ترى الطريق إلى سلام دارفور؟
_ هناك حقيقة لابد من تأكيدها ابتداءً، وهي أن الحركات المسلحة في تناقص مستمر، وانحسار شديد وبسرعة، وآخر مراحل انهيارها تمثلت في الضربة التي تلقتها حركة العدل والمساواة في (قوز دنقو). وباعتباري واحداً من أبناء دارفور استطيع الجزم بأن التمرد انتهى بنسبة (99%) وما تبقى منه مجر جيوب فقط توجد هنا وهناك، في جبل مرة وأقصى شمال دارفور، وبعض المتفلتين. لكن هذه (الشلة) المتبقية يمكن أن تكون مصدر إزعاج لأنها ولو بعربة واحدة يمكن أن تدخل أية منطقة وتخلق حالة رعب وسط المواطنين.. وأستطيع القول إنه بنهاية العام الحالي سينتهي التمرد نهائياً في ولايات دارفور، بإذن الله تعالى.
{ طريق (الإنقاذ الغربي) كان واحداً من الأسباب التي قام التمرد من أجلها بجانب انعدام التنمية.. أين وصل الطريق الآن؟
_ طريق (الإنقاذ الغربي) أنا أسميه الطريق باسم بعمرالفريق، لأن التخطيط له بدأ في العام 1947م، ورغم ظروف الحرب وطول المدة، وصل الآن الفاشر. وإذا كان التمرد يدعي أنه قام من أجل التنمية فهو قد أخطأ الهدف، وتسبب في تعطيل التنمية.. والطريق الآن في طريقه إلى (الفاشر- نيالا)، ومن نيالا إلى زالنجي.. الطريق كان من المطالب التي ابتدرها نواب دارفور في البرلمان السابق “بنمرة أربعة”، وبلغة حادة جداً مع الجهاز التنفيذي، (وافتكر إنو المطالبة جابت حقها).
{ مع انحسار التمرد بدارفور كما ذكرت.. ألا ترى أن وجود المعسكرات وقادة الحركات “جبريل- عبد الواحد- مناوي” بالخارج له أثر سلبي على جهود السلام وإنهاء الحرب؟
_ صحيح وجودهم له أثر، لكن سنسعى معهم من أجل العودة إلى البلاد، وتحقيق السلام عبر الحوار لا عبر حمل السلاح.
{ أين دور لجنة الاتصال بالحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاقية الدوحة؟
_ لجنة الاتصال بذلت جهوداً مقدرة، لكن مهمتها كانت تنحصر في إقناع الحركات المسلحة بقبول التفاوض مع الحكومة، خاصة الحركات الرئيسية لأنها جهة مسهلة وليست مفاوضة.. وذهبنا إلى الخارج في أكثر من ثلاث جولات، والتقينا قادة الحركات واستطعنا أن نقودهم للتفاوض مع الحكومة في أديس أبابا، ووصلوا إلى تفاهمات سياسية وتم تأجيل التفاوض.
{ كيف كان حواركم مع قادة الحركات المسلحة.. وهل التمستم منهم جدية في قبول التفاوض أم كان لقاءً استكشافياً؟
_ أذكر أن أحدهم خاطبني قائلاً: أنتم أبناء دارفور من يشاهدكم في الخرطوم وينظر إلى الواقع في دارفور يستغرب فيكم لأن أفعالكم متناقضة.. لكن ما أؤكده أننا قيادات وليس بيننا اختلاف في السياسات.. وقضية دارفور ليست ملكاً للحركات ولا للموجودين بالداخل، بل قضية قومية، قضية تنمية متراكمة منذ الاستقلال، وتختلف القناعات لدى البعض في تحقيقها.. فنجد من حمل السلاح، ومن يناضل من داخل المؤسسات التشريعية.. وفي النهاية فإن المصلحة العامة هي المعيار والمرجعية، وأبناء الحركات الذين نعرف جلهم عندما جلسنا معهم وجدنا لديهم رغبة في تحقيق السلام.. ومن هنا نناشدهم قبول الحوار، ولا أخفي أنهم قابلونا بحميمية.. “جبريل” أنا سبقته في الدراسة لكني أعرفه.. وكذلك “مني أركو مناوي”، لأننا أبناء منطقة.. الذي لم أعرفه معرفة شخصية هو “عبد الواحد محمد نور”، وهو الوحيد الذي امتنع عن مقابلتنا.. إنه يختلف عن “جبريل” و”مني”، وأعتقد أن الحرب لم تحقق تنمية، وإذا كان هدفهم تنمية ورفاهية إنسان دارفور فإننا ندعوهم للسلام،ونناشدهم عبر هذا المنبر العودة إلى الحوار كطري للسلام.
وما أبشر به أن الحوار الوطني عبر لجنة (7+7) سيتوسع عقب الانتخابات حتى يشمل أكبر عدد من القوى السياسية.. ونتوقع مشاركة كبيرة للحركات، لا سيما أننا لا نقبل لبلدنا الذل والهوان، ويجب أن لا تدخل بلادنا في متاهات جديدة، ولأن السودان كبير ويسعنا جميعاً ونتساوى فيه (مافي زول عندو وطنية أكبر من الآخر).
{ الصراع القبلي في دارفور انتشر بصورة مخيفة.. ما هي أسبابه؟
_ في حقيقة الأمر أن الصراع القبلي قد ارتفعت وتيرته بدرجة مخيفة في دارفور، وانتقل الآن إلى مرحلة صراع الأفخاذ (خشوم البيوت) في القبيلة الواحدة، وهذا أخطر من التمرد، وسبب ذلك يعود إلى عدم الفهم والحضارة.. ومن المفترض أن ينشغل الناس بالتفكير في مستقبل آمن لأبنائهم، مع نشر وإشاعة البعد القومي للقضايا، وأن تتم الاستفادة من القبيلة في الأشياء المفيدة لا المدمرة، لأننا خلقنا لنتعايش لا لنتقاتل.
{ أين دور الإدارة الأهلية؟
_ من هنا، أيضاً، أناشد الإدارة الأهلية أن ترسل رسائل إيجابية لأبناء دارفور، لأن الذي يحدث الآن لا يشبه تاريخ السودان ولا أجدادنا كانوا يفعلون مثل الذي يحدث الآن.. القبائل كانت متصالحة ومتداخلة في السودان بجانب المصاهرة، ولو جلس أي شخصين سيكتشفان وجود علاقة ما بينهما.. وأنا من هنا أناشد د. “جبريل” العودة للحوار لأن الحرب لن تحل قضية، بل ستكون دماراً ووبالاً على دارفور.. والدمار الأكبر هو خسران الدنيا والآخرة، فيجب أن لا نخسر الاثنين معاً.. يجب أن تنعم أجيالنا القادمة بالسلام، لأنه لا يوجد غالب ولا مغلوب في هذه المعارك، المغلوب هو الوطن، ونحن كلنا أبناء لهذا الوطن، ويجب على كل إنسان مراجعة إيمانياته.
وتحضرني في هذا السياق مقولة مشهورة للإمام “عبد الرحمن المهدي” ظل يرددها السيد “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة نصها: (الفشّ غبينتو خرب مدينتو).. فهلموا إلى كلمة سواء ونترك الانتصار لذواتنا.
{ اتفاقية الدوحة لم تأت بجديد إذ ما زالت المعسكرات باقية ومع ذلك اختلف موقعو الاتفاقية؟
_ اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وكل إنسان له طموح.. “أبو قردة” و”السيسى” يتركز خلافهما حول أن (كل واحد عاوز يبقى رئيس حزب).. هذا شيء مشروع.. والآن شكل كل منهما حزباً وخاض الانتخابات، وحصل على مقاعد في البرلمان.. كل ذلك شيء إيجابي.. صحيح أن الوحدة مطلوبة، لكن التنوع ضروري ومطلوب التعبير عنه.. الآن انتهى الخلاف بين الطرفين تماماً، وكنت أحد الأجاويد، وقلت لهما.. (اختلفا في الآراء لكن لا تختلفا حول دارفور).. لأن الاتفاقية ضمنت في الدستور وأصبحت ملكاً لكل السودان.. وهنالك مشاريع تفتتح خلال هذا الشهر وهي معلومة وظاهرة للعيان، والحكومة صرفت فيها مبالغ كبيرة جداً، لكن المانحين تأخروا في سداد ما عليهم، بينما الحكومة سددت ما عليها.. وبعض الدول تريد استمرار الحرب وفقاً لمصالحها، من ذلك نجد أن “الترويكا” (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة والنرويج) قد رفضت نتائج الانتخابات قبل بدايتها.