أخبار

نقل العاصمة

قصة طريفة أبطالها ثلاثة رجال د.”علي الحاج” و”الترابي” و”جون قرنق” حدثت القصة في تسعينيات القرن الماضي وحينها كان د.”علي الحاج” قابضاً بملف التفاوض مثل قبضة بروفيسور “غندور” بمفاصل الحزب والشأن السياسي.. وكان الرجل قصير القامة ذو البشرة السمراء والابتسامات الساحرة هو صندوق أسرار الإنقاذ.. مؤتمناً على كل شيء.. مفوضاً من الزعيم الروحي للسلطة ومفوضاً من القائد السياسي والعسكري للثورة.. وما بين “الترابي” و”البشير” حينذاك الود والاحترام والتقدير والثقة المطلقة.
عاد د.”علي الحاج” من نيروبي بعد مفاوضات فاشلة مع متمردي الحركة الشعبية بسبب طلب اعتبر استفزازياً ومرفوضاً ألا وهو مطالبة رئيس وفد الحركة الشعبية حينذاك “سلفاكير ميارديت” بنقل العاصمة من الخرطوم إلى جوبا.. حتى تصبح عاصمة علمانية يجد فيها الجنوبيون وغيرهم حريتهم الشخصية.. الطلب كان سبباً مباشراً في انهيار المفاوضات وعودة الوفد الحكومي للخرطوم.. طاف د.”علي الحاج” على الرئيس “عمر البشير” ثم الشهيد “الزبير محمد صالح”.. والفريق “حسان عبد الرحمن” رئيس هيئة الأركان وقادة التنظيم المعلنين في الحكومة والمتخذين من بيوتهم مراكز سلطة غير معلنة.. الجميع اتفقوا على رفض مطلب الحركة واعتبروه مدعاة لخوض حرب مائة عام بدلاً من الذل والهوان ونقل العاصمة إلى جوبا ولكن المفاجأة أن “الترابي” حينما التقى د.”علي الحاج” ابتسم وقال لماذا لم تقبل بمطلب نقل العاصمة لجوبا.. أبعث إليهم موافقة الحكومة على الطلب الآن.
في الجزء الآخر من المشهد كان “سلفاكير” فرحاً بانهيار المفاوضات وعبقريته في طرح مطلب وضع الخرطوم في حرج بالغ وحملها على الرفض المطلق.. بعد أن احتسى كوب القهوة الذي وضعه النادل أمامه قال لـ”قرنق” طالبت د.”علي الحاج” بنقل العاصمة من الخرطوم إلى جوبا؟؟ ورفض الطلب وانهارت المفاوضات.. اشتاط د.”جون قرنق” غضباً وقال كيف تطرح مثل هذا الطلب؟؟ إذا وافقت الحكومة ونقلت العاصمة إلى جوبا.. وأصبح “البشير” حاكماً من قلب الجنوب فإن (قضيتنا انتهت)!! لا تطلب منهم مرة أخرى نقل العاصمة!!
الآن طرحت قضية العاصمة مجدداً هل الخرطوم الحالية تصلح عاصمة للسودان بعد (20) عاماً من الآن.. وقد تضاعف سكانها وبلغوا السبعة ملايين من البشر.. ضاقت الأرض.. وبات التنفس صعباً.. والمصانع تبعث بمخلفاتها في الفضاء.. والغبار العالق يخنق المدينة وهناك رؤية لتقسيم الخرطوم لثلاثة ولايات بحري وأم درمان والخرطوم.. ولكن لا يجرؤ أحد على الجهر بالحقيقة أن الخرطوم كمدينة ما عادت صالحة كعاصمة للسودان وثمة ضرورة لنقلها لمدينة أخرى!!
من تكون العاصمة الجديدة البديلة للخرطوم؟؟ البعض يفكر بمنطق الوسطية أي أن تقع العاصمة في قلب البلاد.. وهي فكرة بائسة وغير عملية وتستبطن عقلية التقسيم والموازنات.. فهل القاهرة مثلاً تقع في قلب مصر؟؟ وهل طرابلس هي قلب ليبيا وهل وهل؟؟
إن العاصمة هي بنيات تحتية.. وطرق وشبكة اتصالات.. ومناخ.. وفي السودان الآن لا مدني مؤهلة لأن تصبح عاصمة ولا بالأبيض مياه تجعلها تغسل ملابسها.. ولا الفاشر تختلف كثيراً عن الخرطوم.. الشيء الذي يعزز فرص نقل العاصمة من الخرطوم إلى مروي ،التي بها أحدث مطار في السودان.. وترتبط بطرق حديثة منها إلى بقية أنحاء السودان وللحكومة مقار لا توجد في الخرطوم وعدد سكان قليل.. ومناخ شتوي دافئ ولا أمطار تهطل في فصل الخريف وتتسبب في الكوارث والآفات.. والوسط الاجتماعي متصالح مع الآخر.. لا تطرف أو تعصب وهي مدينة تاريخية ولكن من يجرؤ على اتخاذ القرار الصعب؟؟ ومتى؟؟ وكيف؟؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية