إني أعتذر
بكل شجاعة ومسؤولية اعترف وزير الخارجية “علي كرتي” بأخطاء منسوبي القنصلية العامة في جدة.. وامتلك الوزير القدرة على الجهر بالحق.. وتحمل المسؤولية والاعتراف بقصور أداء موظف عام وهي حالة نادرة جداً من شخص أثبت أنه جدير بتولي المسؤولية.. وإدارة وزارة مثل الخارجية.. و”علي كرتي” وزير شجاع جدا ًويثق في نفسه وإلا لما صرح العام الماضي جهراً بأن البواخر الإيرانية التي وصلت ميناء بور تسودان من غير علم وزارته.. ووجه “كرتي”رسالته حينذاك لمن هم أرفع منه مكانة وأمضى نفوذاً.. وقرباً من القيادة العليا .. ولم يبالِ “كرتي” بعواقب وتبعات تصريحاته.. واليوم يقف الرجل مرة أخرى ويأخذ بتقرير لجنة التحقيق، ولا يجعل نفسه في موضع رجل العلاقات العامة الذي يدافع عن (حاكورته).
لجنة التحقيق التي شكلها الوزير أثبتت هي الأخرى أن الدنيا لا زالت بخير.. وهناك ضمائر حية.. وأخلاق وقيم ومهنية.. ودين ونزاهة في أداء الأمانة وقول كلمة الحق.. وبعد تشكيل اللجنة لم أهتم كثيراً بأسماء أعضائها ولا الجهات التي يمثلونها، حتى فاجأتني الدكتورة “رحاب محمد عثمان” السفيرة بوزارة الخارجية والمستشارة القانونية السابقة لمجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية باتصال هاتفي، وحينها كنت جالساً على (بنبر) في سوق أبو شرا بمدينة الأبيض أحتسي الشاي بعد مغيب الشمس بقليل.. الدكتورة “رحاب” كانت عاتبة على ما كتبت في هذه الزاوية وتبدى الحزن العميق من نبرات صوتها وأنا اتهم جهراً لجنة التحقيق بأنها المستفيد الوحيد من الحادث، لأنها ستذهب إلى المملكة العربية السعودية وتتبضع من أسواق باب شريف في جدة.. وتؤدي العمرة وتقبض النثرية وتعود للخرطوم وتكتب تقريرها.. الذي غالباً ما يدين جثة المقتول ويبرئ خنجر القاتل.. ولن يضطلع الرأي العام على التقرير ويموت بالتجاهل، لكن الدكتورة”رحاب” كانت واثقة جداً من نفسها ومن لجنتها ومن قدرة الوزير “علي كرتي” على الجهر بمضمون التقرير مهما كانت تبعات ذلك.
من جانبي قلت لها إذا كان تقرير سقوط طائرة الشهيد “الزبير” لم يعلن حتى الآن؟؟ وتقرير أحداث أم درمان لا يعلم عنه الرأي العام شيئاً؟؟ فكيف تعلن الحكومة نتائج تحقيق عن سوداني تعرض للضرب في مبنى قنصلية السودان في “جدة”..وقد تعرضت طالبات جامعة الخرطوم للضرب في وطنهن ولم تشكل حتى لجنة تحقيق لمعرفة دواعي وأسباب تعرضهن للضرب. قالت د. “رحاب”: نحن (أدينا واجبنا).. وفعلاً أدت اللجنة واجبها.. ومن هذا المنبر وبأعلى الصوت وكل عبارات الاعتذار نتقدم للجنة التحقيق باعتذار علني عن إساءة الظن بها.. وقد فعلتها اللجنة فأعلت من ضميرها على حساب مصالحها وقالت كلمة الحق في وجه السلطان.. ولم تأخذها حمية الوظيفة للتحيز ضد مواطن عادي مثل كاتب هذه السطور لا سلطة تحميه ولا نفوذ و(ضهر) يمثل له ترياقاً من شرور السلطان ما ظهر منها وما بطن.
قالت اللجنة كلمتها .. ولم (يدفن) الوزير “علي كرتي” التقرير في أضابير مكتبه ويسكت على تجاوزات موظفيه. أعلن محتويات التقرير جهراً للرأي العام .. ووعد بمحاسبة هؤلاء الموظفين.. ومجرد إعلان نتائج لجنة التحقيق فإن ذلك يجعل المواطنين يثقون في الخارجية ووزيرها “علي كرتي”.. ولو كنت في مقام المواطن “التاي” الذي تعرض للضرب في القنصلية لذهبت اليوم وأعلنت عفوي عن الذين ظلموني جهراً.. وطالبت الوزير بتخفيف العقوبات التي تنتظرهم إرساءً لمبدأ التسامح وتشجيعاً لفضيلة العفو والتنازل عن الحقوق من أجل تربية وأدب ينبغي أن يسود.
شكراً “علي كرتي” على الشجاعة والسمو في الأخلاق وشكراً للجنة التحقيق على النزاهة والضمير الحي، والجهر بالحق بعيداً عن التدليس وخيانة الضمير.