رأي

النشوف آخرتــــا

ماذا دهانا؟

سعد الدين إبراهيم

حقيقة تفكرت في عدة أمور وأنا ماشي.. مثلاً  لاحظت أكشاك حمراء عليها إعلان مشروب غازي عريق .. وهي ذات هدف خير لا شك لكن كتب عليه (هذا المقر يديره أحد أصحاب الإعاقة).. لا أدري ما الداعي إلى كتابة هذه العبارة الجارحة.. والتي تكرس لتمييز المعاق عن غيره.. كما يلوح أنها دعوة إلى التعامل معه معاملة خاصة.. لاحظت في المواصلات رجلاً كفيفاً يقود أسرته زوجته وأولاده وهو يتصرف بطريقة طبيعية واضح أنه اكتسب خبرات ومهارات جعلته مثل المبصرين تقريباً.. ما لفت نظري وتسبب في استيائه تطوع الآخرين لمساعدته مساعدة لا يحتاج إليها.. كأن يمسكون بيده عند النزول أو يشيرون عليه بملاحظات لا تفيده.. لاشك إنهم أخيار لكن بالغوا في الرقة والعون حتى انقلب إلى ضده..
ماذا يهدف أصحاب تلك المؤسسة بهذه العبارة التي قصدوا منها المساعدة ولكنها بدت جارحة وصادمة في ذات الوقت.. مع أن هدفها نبيل.. أمام التلفزيون حضرت برنامج مساء (الجمعة) فقرة الأخبار الفنية التي استضافت الأستاذ “السر السيد” ويعدها الأستاذ “الفرزدق المعتصم” وهو معد جيد لكنه يصر على كتابة ما يسمى (عمود) اليوم.. وهو لا يملك التأهيل لذلك في هذا اليوم جاء عموده مرتبكاً..محشوداً بعبارات قصد منها الإعلان عن ثقافته وحشر فيها عبارة المستشرقين وكانت عبارة شاذة أقحمها في غير محلها زاد ذلك ادعاء المذيعة “إسراء” التي كان ينقصها الإحماء اللازم لمناقشة الأمر فقد أخذتها العزة بالاستسهال فطاشت كلماتها.. وأشفقت على صديقنا “السر السيد” من هذه الركاكة النشطة.. بعدها ثم بث إعلان عن كريم  تفتيح للتجميل صعقتني عبارة تقول للمرأة حتى تكوني (بيضاء) فبدت العبارة عنصرية تمجد اللون الأبيض وتدعو إلى تبييض البشرة في حين يجب الاعتزاز بالبشرة  السمراء وتجميلها لا تغيرها إلى اللون الأبيض..
وأنا ماشي سألت بائع بطيخ عن الأسعار فوجدتها مبالغة.. قلت له:- سيبقى بطيخك حتى يفسد فقال:- أيوة.. والله لو أرميهو في الكوشة ما ببيعو بالخسارة .. قلت له: حين ترميه في الكوشة تصبح الخسارة فادحة وأهلنا يقولون المال تلتو ولا كتلتو.. ثم سألته:- عندئذ هل ستتحمل الخسارة أنت.. أم المصدر الذي اشتريته منها فقال:- طبعاً أنا.. انصرفت عنه وأنا اتأمل أفكار الرجل الاقتصادية غير الرشيدة..
كنت أجلس مع صديق لديه مكتب تجاري.. وحضر إلينا شاب في مقتبل العمر.. وطلب من صديقي أن يعمل معه.. فهو يبحث عن عمل.. حتى لو كان القيام بنظافة ومتابعة أمور المكتب.. وكانت ملامح الشاب تدل على صدقه فتأثر صديقي واعتذر له عن إيجاد عمل.. لكنه بادر ودس يده في جيبه وأعطاه مبلغ مائة جنيه.. فرفض الشاب وقال: إنني لست شحاداً أنا طالب عمل.. فألح عليه صديقي حتى أخذ المبلغ على استحياء وخرج.. زجرت صديقي وقلت له: إنك بهذا ستحيل الشاب إلى متسول بطريقة جريئة.. ما كان يجب أن تعطيه مالاً.. لأنك بذلك كسرت حاجز عزة النفس لديه وسيمارس  الأسلوب مع غيرك ويتحول بحسن نية إلى متسول.. في البدء دافع صديقي عن فكرته ثم اقتنع بما جعلني أهتف: ماذا دهى الناس؟ بل ماذا دهانا؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية