تقارير

الوطني يقاطع (ملتقى أديس) التحضيري .. عودة القطار لمحطة الاحتقان

الخرطوم: عقيل أحمد ناعم

أخيراً حسمت (جُهيْزة) المؤتمر الوطني الأمر، وأعلن الحزب الحاكم رفضه المشاركة في (ملتقى أديس أبابا) التحضيري الذي كان مزمعاً عقده أمس (الأحد) بين الحكومة وقوى (برلين) ممثلة في حزب الأمة القومي والجبهة الثورية بدعوة من الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، ليعود قطار التفاهم بين الحكومة والمعارضة الرافضة للحوار للمحطة الأولى، بعد أن ظن البعض أنه غادر نحو ما يمكن أن يقود إلى محطات وسطى بين الفرقاء، وإن كان موقف الوطني الرافض للمشاركة غير مستبعد بالنظر لإصرار (الأمة والثورية) دخول الملتقى متأبطين شرط تأجيل الانتخابات التي تبقى لوصولها لنقطة النهاية أسبوعان فقط، وهو الأمر الذي لا تتوقع المعارضة نفسها أن يستجيب له الوطني. إلا أن عدداً من المراقبين كانوا يصفون انعقاد (ملتقى أديس) بأنه أشبه بـ(الفرصة الأخيرة) لإيجاد حلول سلمية للأزمة السودانية. ورغم أن رئيس القطاع السياسي للوطني د.”مصطفى عثمان إسماعيل”  دفع خلال مؤتمر صحفي أمس الأحد  بثلاثة أسباب رئيسية لاتخاذ قرار المقاطعة، ليس من بينها مسببات خارجية، إلا أنه لا يمكن تجاهل تأثير التطور اللافت الذي طرأ على علاقات السودان الخارجية وخاصة بمحيطها العربي وثيق الصلة بالمجتمع الدولي؛ ما دفع برياح جديدة في أشرعة علاقة السودان بدول الخليج ومصر خاصة بعد مشاركته في حرب (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين في اليمن؛ الأمر الذي خلّص الحكومة من أثقال كثيرة كانت على ظهرها، تجعل يدها مغلولة وظهرها مكشوفاً فلا تجد أمامها سوى التنازل والجلوس للحوار مع المعارضة، كما يعتقد الصف المعارض بل ويعول عليه كثيراً.
 المعارضة.. اتهام الوطني برفض السلام
(الحوار يعني الوصول لحلول سلمية ورفضه يعني الانحياز لخيار الحرب) هكذا لخص نائب رئيس حزب الأمة القومي اللواء م. “فضل الله برمة ناصر” إعلان المؤتمر الوطني مقاطعة (ملتقى أديس أبابا) التحضيري. وقال لـ(المجهر) أمس:(الوطني بهذا القرار رفض الحوار واختار الحرب)، لافتاً إلى أن (ملتقى أديس) كان مقرراً أن تشارك فيه الجبهة الثورية التي تقاتل الحكومة في عدة جبهات، معتبراً أن قرار المقاطعة سيصب فقط في خانة استمرار القتال. وبدا “ناصر” غير متفاجئ بمقاطعة الوطني للملتقى. وقال: (الوطني أصلاً لم يكن في يوم من الأيام صادقاً في وعوده أو في أي كلمة قالها).
بُعد الشقة بين الفرقاء
لم يكن خافياً على أحد منذ إعلان الوسيط الأفريقي عن النية لعقد ملتقى تشاوري بين الحكومة والمعارضة، وإعلاء الأخيرة من التمسك بشرط تأجيل الانتخابات والمطالبة بحكومة انتقالية وغيرها من اشتراطاتها المعلنة ، وإصرارها على طرحها على طاولة الملتقى كشروط أساسية للوصول لتفاهمات مع الجانب الحكومي، لم يكن خافياً أنها مطالب ستجد الرفض القاطع من الحكومة وحزبها الحاكم؛ لذلك بدا واضحاً بُعد الشقة بين الطرفين، وهو ما أكده المحلل السياسي د.”حمد عمر الحاوي”، لافتاً إلى أن المؤتمر الوطني قطع شوطاً بعيداً في الإجراءات الانتخابية، وأنه أصبح يعول عليها أكثر من أي شيء آخر.
الشعبي و(7+7) الأسعد بقرار الوطني
موقف الوطني جاء متسقاً مع مواقف أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار والتي أبدت تحفظها منذ البداية على الملتقى معترضة على عدم تقديم الدعوة لآلية الحوار (7+7) للمشاركة في الملتقى وحصرها على المؤتمر الوطني، وهو ما أكده عضو الآلية وزير الإعلام د.”أحمد بلال عثمان”، مشيراً إلى أن هذا السلوك يمنع الحكومة من المشاركة في الملتقى باعتبار أن الدعوة مقدمة لحزب واحد فقط. ووصف عدم مشاركة آلية الحوار بأنه (ابتسار للحوار الوطني الداخلي الذي انطلقت إجراءاته).وقال: (اتفقنا أن تذهب الآلية وليس الوطني). بدوره نسج المؤتمر الشعبي على ذات المنوال رغم تلقيه دعوة للمشاركة، إلا أن أمين العلاقات الخارجية بالشعبي د.”بشير آدم رحمة”عبر عن موقف الشعبي الذي ظل يردده منذ انحيازه لخيار محاورة النظام بعدم قبول نقل الحوار للخارج. في حين اعتبر بيان صادر عن (7+7) الملتقى بأنه نقل للحوار خارج السودان؛ الأمر الذي تعلن رفضها القاطع له.
مبررات المقاطعة
بالنظر لمواقف (7+7) والشعبي أعلاه، بدا الطريق ممهداً أمام الوطني لاتخاذ قرار المقاطعة، رغم أنه قد تكون له مبررات مختلفة عن ما ساقته أحزاب الحوار. رئيس القطاع السياسي للوطني د.”مصطفى عثمان إسماعيل” ساق ثلاثة مبررات أساسية دفعت حزبه للمقاطعة متمثلة في رأيه بأن دعوة الوسيط الأفريقي من المفترض أن توجه لآلية الحوار الوطني (7+7) وليس لرئيس القطاع السياسي للوطني، مشيراً إلى أن الآلية أضحت هي المسؤول الوحيد عن كل ما يتعلق بالحوار الوطني، وبالنظر إلى أن الدعوة للوطني جاءت في الثالث والعشرين من مارس الحالي فدكتور “إسماعيل” رأى أن الوقت كان ضيقاً باعتبار أن غالب أعضاء (7+7) المنوط بهم المشاركة في الملتقى مترشحون في الانتخابات ومشغولون بحملاتهم الانتخابية. ومبرر أخير دفع به “إسماعيل” متعلق بإجراءات انعقاد الملتقى نفسه وهو الجهات والأشخاص المدعوون للمشاركة في الملتقى. وكشف عن تقديم الوسيط الأفريقي عشرات الدعوات لمنظمات مجتمع مدني وشخصيات وطنية. ونبه إلى أن الاتفاق بين الآلية الأفريقية ومساعد الرئيس “إبراهيم غندور” كان على دعوة أحزاب المعارضة والحركات المسلحة فقط. وأشار إلى إن هذه المبررات دفعت الوطني لعقد اجتماع مع آلية الحوار، وأجمعت على عدم المشاركة في الملتقى. ووصف “إسماعيل” المشاركة في ظل تصريحات حزب الأمة والجبهة الثورية بالتمسك بتأجيل الانتخابات بأنه (فخ) منصوب للحكومة في “أديس أبابا”.
ارتخاء قبضة الضغوط الخارجية
المعارضة كانت تعول كثيراً على حالة الاحتقان الكبيرة التي تعانيها الحكومة في علاقاتها الخارجية والتضييق والضغوط التي تواجهها خاصة عقب توتر علاقاتها مع دول الخليج؛ لذلك كانت ترى المعارضة أن الحكومة مجبرة على تقديم تنازلات في أي جولة حوار معها، إلا أنه بلا شك قد حدث انقلاب كبير في علاقات الحكومة مع المحيط العربي المرتبط مباشرة بالقوى الغربية وهو محور الخليج (السعودية والإمارات) وبالتالي ارتخاء القبضة الخارجية عن عنق النظام السوداني. وتجلت حالة الانفراج في العلاقات الخارجية عقب مشاركة السودان في التحالف الإقليمي العربي ضد الحوثيين في اليمن، الأمر الذي قد يكون أفقد المعارضة السودانية أهم كروت ضغطها على النظام، وهو ذات الأمر الذي أشار إليه المحلل السياسي د. “حمد الحاوي” بأن مشاركة السودان في الحرب ضد الحوثيين أحدثت انفراجة كبيرة في علاقاته الخارجية خاصة مع دول الخليج. وتوقع أن يكون السودان قد حصل على وعود كبيرة تفضي إلى تحسن علاقاته بالمجتمع الدولي، وتوفر له دعماً اقتصادياً مقدراً؛ الأمر الذي لا يجعل الحكومة السودانية تتحرك تحت أي نوع من أنواع الضغوط، إلا أن د.”الحاوي” أكد أن تحسن العلاقات الخارجية ليس بديلاً عن ترتيب البيت الخارجي، مشيراً إلى أن المعارضة المسلحة ستكون لها ردة فعل عنيفة تتمثل في زيادة التصعيد العسكري، بجانب تصعيد المعارضة المدنية حراكها في الشارع مستغلة حملة مقاطعة الانتخابات التي ابتدرتها قبل فترة.  بالمقابل  لا يرى الناطق باسم المعارضة “أبوبكر يوسف” أن النظام يمكن له الاستفادة من الانفتاح الخارجي الحادث الآن في ظل ما يرى أنها غربة داخلية كبيرة يعيشها بسبب استمرار الحرب والاحتقان السياسي والتردي الاقتصادي الذي تعيشه البلد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية