بكل الوضوح
عامر باشاب
“الحصاحيصا”.. المدينة التحفة!!
مزيج رائع من التمدن والتريف.. هكذا دائماً هي مدينة “الحصاحيصا” تلك الحسناء السودانية التي تقع في أرض المحنة.. وبالتحديد شمال قلب الجزيرة النابض، ترقد هذه المدينة التحفة على مساحة مطلة على النيل الأزرق الهادئ، تنظر عبر الشاطئ الآخر في حسن ودلال إلى أختها الكبرى “رفاعة” وتتطلع بعيون ثاقبة نحو الغد وتتجاوز بها أمواج الحنين إلى ماضيها العريق وتاريخها التليد.
“الحصاحيصا” مثل أختها الكبرى “مدني السني” تميزت بالتنوع والتعدد في كل شيء، وظل هذا التنوع وذاك التعدد فيها منذ أن وجدت على الأرض، كما ظل أهلها يتعايشون تعايشاً حميماً في انصهار كامل وكأنهم أسرة أو قبيلة واحدة.
ومن هذا النسل الحسن ظلت “الحصاحيصا” تدفع بأرتال من الرجال علماء ومفكرين ومبدعين في المجالات كافة.
وإذا كانت هناك مدينة وحيدة في الجزيرة الخضراء تنافس (مدني الجمال) في إنجاب المبدعين فهي بالتأكيد (الحصاحيصا التحفة) باتساعها الذي يضم القرى والحلال من حولها.. لقد أنجبت أعداداً من خيرة المبدعين، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الكاتب المسرحي الكبير “حمدنا الله عبد القادر” الذي احتفت به الخرطوم قبل أيام شخصية العام في الدورة الرابعة لـ(جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي).
ومن مبدعيها أيضاً الفنان الراحل “عبد المنعم حسيب”، وملك الإحساس في الغناء الشعبي الراحل “أحمد الطيب”، وساحر الحقيبة الراحل “بادي محمد الطيب”، وأسطورة الغناء الراحل “مصطفى سيد أحمد”، والفنان الأصيل الراحل “الأمين عبد الغفار”، والفنانة المبدعة “سمية حسن”، والموسيقار “سعد الدين الطيب” وغيرهم كثر.
الشيء المحزن والمؤسف حقاً أن هذه المدينة رغم مكانتها الفنية والإبداعية وعراقتها في كل المجالات، إلا أنها في الفترة الأخيرة عانت الإهمال والتهميش في كل مناحي الحياة. ومثلما هرمت شوارعها وغرقت في الظلام، كذلك نجدها وقد انطفأ نور الفن فيها.
ومنذ سنوات ليست ببعيدة كانت “الحصاحيصا” مسرحاً يضج بالإبداع وكل ألوان الفنون، حيث كانت هناك رابطة للآداب والفنون تفوق الاتحادات والكيانات الفنية الكبرى في الحراك والنشاط الثقافي. وكان التنافس الغنائي في أوجه بين مجموعات من المطربين الذين ساروا على طريق الفن الأصيل، أذكر منهم “الشيخ الطيب”، و”محمد كمال الدين”، والراحل “حافظ إبراهيم”، و”النذير السر”، و”مهدي الأمين”، و”أحمد طابت”، و”مهدي بكش”، و”علاء الدين عبد المجيد”، و”نجم الدين” (زيدان الصغير)، و”أمير السمع” وغيرهم من المطربين المجيدين والموسيقيين المتميزين الذين انحسرت عنهم الأضواء لأسباب مختلفة، منهم من غادر البلاد، ومنهم من هجر الفن، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.