مركز الفيصل والأهلية يحتفيان بـأم الكل "جمعية" (ست الشاي)
أبناؤها: لم نشعر بفارق في الجامعة.. والطلاب يساعدوننا في غسل (الكبابي)
أم درمان ـ نهلة مجذوب
على ضفاف الوفاء والإنسانية اجتمع أصحاب المبادرات الإنسانية ليختاروا “الخالة جمعية” أماً مثالية للجميع ليحتفوا بها وتكرّم في (عيد الأم) تقديراً لدورها الإنساني وعطائها اللا محدود في تعاملها مع الكل فضلاً عن تفانيها في تربية أبنائها وتعليمهم عبر رحلة تحدٍ وصمود.
{ أكثر من ربع قرن على نار (المنقد)
مركز الفيصل الثقافي قائد المبادرات الإنسانية والبرامج الهادفة، وجامعة أم درمان الأهلية رائدة التعليم الأهلي في السودان ورابطة خريجي الجامعة وطلابها، اختاروا الأم “جمعية صالح” لتكرم وسط حضور أنيق ضم أهلها وعشيرتها وأبناء جامعة الأهلية طلاب الإنسانية والوفاء كونها الأم المكافحة وهي تبيع الشاي لأكثر من ربع قرن، (26) عاماً، (صابرة على نار المنقد.. لا كلت ولا ملت)، بجانب المشروبات الساخنة الأخرى (القهوة، الكركديه، النعناع، الحلبة وغيرها).. وكرمت من قبل المركز بمبلغ مالي (5) آلاف جنيه، مع تعديل شكلي لمكان عملها حتى يكون جديداً ومواكباً ومريحاً بجانب شهادات تقديرية من الجامعة وطلابها.
يقول المدير الإداري لمركز الفيصل “سالم المكي” إن اختيار “جمعية” لتكريمها أتى تقديراً وعرفاناً بجهودها وعطائها في تربية أبنائها بالرزق الحلال.
ويضيف مدير جامعة أم درمان الأهلية البروفيسور “مكي مدني” إن “جمعية” نثرت قيماً فاضلة بين طلاب الجامعة واحتفظت بصلة طيبة وقوية معهم، بجانب تعاملها الراقي والإنساني مع الطلاب والعمال الذين يستدينون منها كلما ضاق بهم الحال و(تاقت رؤوسهم للشاي الأحمر)، إضافة إلى ذلك فقد رفدت الجامعة بزمرة خيرة من أبنائها وبناتها وتخرجوا في الأهلية بدرجات رفيعة مع السلوك القويم، وقال: (كانت أنموذجاً للأم الصالحة التي واصلت الكفاح بتربية أبنائها بجانب أفراد من أسرتها بعد أن تقدم زوجها في العمر.
{ أحب واديك في هذا (الحوش)
شعار الاحتفائية كان جزءاً من كلمات أغنية (ست البيت) لشاعر الشعب والإنسانية محجوب شريف:
أحب واديك في هذا الحوش
أحب الشاي مع القرقوش
أحب المستك الفواح
أهيم في غمرة النعناع
بن ومدق وجمرة تسخن الإيقاع
سلاماً يا نساء الأرض قاطبة في كل مكان..
واتسق هذا الشعار مع أحاسيس صادقة عبّر بها الطلاب عن الخالة “جمعية” عبر فيلم وثائقي يحكي عن الكثير من صمودها وحبها لعملها منذ الصباح الباكر وتهيئتها لمكان الشاي للأساتذة والطلاب والزوار، وأكدوا أنها وطيلة فترة عملها لم تكتب لافتة صغيرة على شاكلة (يمنع الدين ولو كان بعدين).. ويوضحون أن مكانها يمنحهم دفء المؤانسة، كما أنها تدير معهم مؤانسات أكاديمية، وتعلمت من خلالهم الكثير من العبارات الإنجليزية التي يتداولها الطلاب، بجانب الأكاديمية والعلمية والإدارية والهندسية منها (الكريدد)، (الدسكاوند)، (سوسيتي)، حتى لقبت بالخالة (سوسيتي)، وحتى مفردات مهنتها من (سكر) و(شاي) لم تنجُ من إنجليزيتها.
وتقول “جمعية” إنها كانت تتمنى أن تدرس العلوم البيئية وتعجبها الدراسات المتعلقة بالأمطار، كالحمضي وأثره في الهواء والتربة والأشياء المحيطة بالحياة، لكنها- والحمد لله- بعد أن تخرج آخر أبنائها في الجامعة الأهلية أيضاً ستتجه لتتعلم من الأساس عازمة على دخول جامعة الأهلية طالبة. وقالت إن إدارة الجامعة منحت أبناءها فرصاً كغيرهم من أبناء العاملين فيها وقد درسوا الكهرباء والإدارة والفيزياء والآداب والهندسة. وأكدت تواصلها مع خريجي الجامعة الذين يزورونها ويغمرونها بالهدايا دائماً.
{ أبناؤها: زملاؤنا يساعدونا في غسيل (الكبابي) وبيع الشاي
تقول ابنتها “ليلى كباشي” خريجة فيزياء من جامعة أم درمان الأهلية بكل فخر عن والدتها إن تكريمها جزء من رد الجميل لها، فقد ربتهم أحسن تربية وبقيت في الجامعة (26) عاماً من أجلهم حتى كبروا ونالوا فرصاً للالتحاق بها، وتؤكد أن مجتمع جامعة أم درمان الأهلية من أساتذة وطلاب وعمال تسوده الإنسانية ويتمتع بالطيبة والإخاء. وتضيف إنها لم تشعر يوماً بأنها أقل من زملائها وزميلاتها وأردفت: (احتمال لو كنا في جامعة غير الأهلية كان حسينا بالفرق كون أمنا شغالة بتبيع الشاي).. وتمضي بالقول إن زملاءها يأتون معها لمحل أمها ويساعدونها في (غسل الكبابي)، وقد كان عادياً بالنسبة لها كما قالت (لم أحس بحرج أو جرح من الوسط وإلا لما تفوقت في دراستي وتخرجت الثالثة على الدفعة) وأكدت أنها سعيدة للغاية بجامعة الأهلية وتفخر بأن والدتها تبيع الشاي في صرح علم وثقافة وتكافح من أجلهم وتساعد الآخرين الأكثر حاجة منهم من الطلاب والأهل والجيران. وأوضحت أن طلاب الجامعة هم من كانوا يشرحون لها الدروس عندما كانت في المدرسة فكانوا خير الأخوة لها.
أما “خالد كباشي” (آخر العنقود) الذي تخرج هذا العام فقال إنه لم يجد جامعة أجمل من الأهلية وعمل والدته فيها كبائعة شاي كان أمراً عادياً، وهو سعيد كونها بقربه، وقال إنه يحضر أصحابه عندها بكل فخر كما يساعدها في البيع، وإنها ليست أمه هو فقط بل أم للجميع هنا.