شهادتي لله

الحكم الفيدرالي . . لاندكروزرات وبيارق !

 الزحام المستمر وعلى مدار الأسبوع بما في ذلك أيام (الجمعة)، منذ الصباح الباكر وإلى ما بعد منتصف الليل في شوارع العاصمة المثلثة (الخرطوم، أم درمان وبحري)، صار سمة أساسية من سمات عاصمتنا الحضارية التي يتركز فيها نحو (ثلث) سكان السودان !
لم يعد لزحمة المرور نطاق محدد يمكن ترسيمه في أواسط المدن أو محيط الأسواق والمستشفيات والجامعات، بل صارت كل مناطق الخرطوم وإلى الأطراف متكدسة بالبشر والسيارات!! أليس “سوق ليبيا” و”الحاج يوسف” و”الكلاكلات”  من الأطراف؟!
المشكلة الكبرى أنه لم يعد هناك بشر بالملايين في الولايات! غالبية السكان اتجهت إلى الخرطوم، استقراراً دائماً بحثاً عن حياة أفضل وخدمات أيسر، أو ذهاباً وإياباً من أجل العلاج والتعليم و(البزنس) وأمور حياتية أخرى.
فشل الحكم الاتحادي فشلاً يرى بالعيون، ولا يحتاج  إلى (مجهر) أو دراسات أو بحوث، وإلا لما فرغت الولايات من الناس وامتلأت العاصمة حتى ضاقت شوارعها وانفجرت أحياؤها من ضغط القادمين من كل حدب وصوب.
في “ألمانيا” أغنى دول أوربا، يتضح توازن التنمية والخدمات بمستوى متقارب بين المدن، فتجد أن سكان العاصمة “برلين” لا يزيدون عن (أربعة ملايين ونصف المليون نسمة)، بينما يتراوح سكان المدن الكبرى الأخرى بين (ثلاثة ملايين) إلى (مليون نسمة).
مطار “فرانكفورت” وهي بمثابة العاصمة التجارية – مثلاً – أكبر وأحدث من مطاري برلين.. أحدهما كان يتبع لبرلين الغربية والثاني للشرقية في عقود (الانفصال) قبل أن تتوحد الألمانيتان مرة أخرى قبل خمسة وعشرين عاماً !!
(عقبال عودة الوحدة بين شمال السودان وجنوبه).
مدن أصغر من “برلين” في الغرب والشمال يتوفر في مستشفياتها العلاج بجودة أفضل وأسعار أدنى من مشافي العاصمة.
مناطق الجذب السياحي في ألمانيا التي يرتادها السياح من كل بقاع العالم بعيدة عن “برلين” مثل “ميونيخ” و”فيس بادن” و”كولن”.
توازن التنمية والخدمات على امتداد أرجاء الدولة، أحدث توزيعاً (مريحاً) للسكان بين الحواضر والأرياف، دون حاجة لتكدس شائه في عاصمة البلاد.
تلك هي عين الفيدرالية المقصودة، وهي الغاية من تقسيم السلطات والثروات بين الأقاليم والولايات في أي بلد، وليس الهدف (توظيف) أبناء طبقات سياسية و(قبلية) محددة، وإرضاء (عشائر) و(جهات) كما هو الحال في السودان، بإنشاء ولايات ومحليات لا تخدم سوى بضع عشرات من السياسيين المستندين إلى كيانات قبلية تضخمت على حساب الدولة، ولم تنتج غير الحروب والدمار.
تجربة الحكم (اللا مركزي) في السودان مختلة، معيبة، ومستهلكة للموارد ودون مردود .
عندما يتجه الناس خارج الخرطوم حتى ولو لعدة أيام، صوب “بور تسودان” لقضاء عطلة (رأس السنة)، فهذا مؤشر لعامل جذب في مدينة أخرى استدعى تحرك الآلاف إلى هناك، وهذا هو المطلوب في كل الولايات، أن يبقى أهلها فيها، وأن يقصدها سكان الخرطوم في المواسم لخدمة مختلفة، حينذاك تتحقق مقاصد حكم الفيدرالي .
الغاية ليست “لاندكروزرات” و بيارق!
{سبت أخضر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية