أخبار

في مدينة ما !!

{ ازدحمت في بوابات مطار الفاشر أمس وفود تغدو وتروح، والمدينة لا يرهقها إطلاق الابتسامات في وجوه القادمين والمودعين.. والشارع العام تسيطر عليه أجواء الانتخابات للمجلس الوطني والمجلس الولائي، ويغيب عن الولاية مرشحو منصب رئيس الجمهورية.. عند ساعات الصباح، وقبل أن تغسل مدينة الفاشر وجهها الصبوح من نوم ليلة ما بين شتاء يرحل وصيف يدق الأبواب، وصل وفد الدكتور “أحمد محمد الصادق الكاروري” وزير المعادن الذي بدأت وزارته وكأنها قد شغلها الذهب بلمعانه وبريقه وسحره عن بقية المعادن زهيدة الثمن.. وقبل أن تبدأ اجتماعات الوزير بحكومة شمال دارفور شكل “عثمان عمر الشريف” وزير التجارة الخارجية والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي حضوراً. وعند المغيب هبطت طائرة مروحية قادمة من دولة تشاد تحمل وفداً سودانياً شارك في احتفالات قبلية في دولة تشاد بمناسبة تنصيب عمدة بتلك الدولة تمتد سلطته حتى داخل الحكومة السودانية حيث يخضع إليه وزير كبير، وتلك قصة نعود إليها في مقبل الأيام .. ولكن الفاشر التي قبل أن يغادرها وفد وزارة المعادن استقبلت وفداً حكومياً رفيع المستوى لتمثيل الحكومة في الاجتماعات التقييمية التي تبدأ اليوم على الأرض لدراسة كيفية خروج قوات (اليوناميد) من دارفور ومتى وكيف؟ وهذا الحضور المركزي الكثيف لا يعكس أهمية مدينة الفاشر فحسب.. بل موقع دارفور في خارطة الأحداث اليومية.. وما بين الانتخابات ومستقبل قوات (اليوناميد) وحملات التدشين الصاخبة للقوى السياسية فإن د.”أحمد محمد صادق الكاروري” وزير المعادن ينتهج سياسة مغايرة في التعاطي مع قضايا التعدين وكيفية الارتقاء بإنتاج البلاد من الذهب.. وقد كشف الوزير وهو يتحدث في اجتماع مشترك ضم حكومة ولاية شمال دارفور والمجلس التشريعي عن ارتفاع عائدات الذهب خلال شهرين من العام الجديد.. أي يناير وفبراير إلى (17) طناً من الذهب في الوقت الذي وضعت فيه الوزارة طاقة إنتاجية للعام 2015 تصل إلى (80) طناً منه في العام.. مما يضع إنتاج الذهب كثاني سلعة تأتي بالعملات الصعبة من الخارج بعد البترول..
ويعترف الوزير بأن كميات كبيرة من الذهب تذهب إلى دول الجوار القريب إما بالتهريب من مناطق الإنتاج أو لأسباب أمنية حيث تتقاصر أيادي الدولة وأذرعها عن الوصول إلى حقل كبير جداً لإنتاج الذهب مثل حقل جبل عامر الذي يسيطر عليه المستشار بديوان الحكم الاتحادي “موسى هلال” ويمنع الوصول إليه. ويقول الوزير في حديث خص به صحيفة (المجهر) إن إنتاج الطن من مخلفات التعدين الأهلي من الذهب يصل في الشمالية إلى (6-8) جرامات .. في الوقت الذي يبلغ إنتاج الجوال الواحد من مخلفات التعدين في جنوب كردفان ودارفور نحو (70) جراماً من الذهب، وأن مناطق وبؤر النزاعات الحالية جميعها تقع في الدائرة  الغنية بالذهب والحديد والفوسفات والكروم ومعادن أخرى أغلى من تلك بكثير ويعني اليورانيوم؟؟
ويكشف الوزير “الكاروري” الوجه الآخر من الصراع الحالي بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال ودارفور حيث تعبر المعادن النفيسة من الأسباب الرئيسية التي تدفع بالصراع للتصاعد وتؤجل عقد تسويات تنهي الحرب وتجعل الدولة قادرة على استغلال مواردها الطبيعية بما يحقق الرفاهية لشعبها.
{ يوم طويل من غير ملل ولا تثاؤب مضى ونحن في الفاشر مجموعة كبيرة من الصحافيين والإعلاميين والأحداث يأخذ بعضها برقاب الأخرى والفاشر المدينة بذات بشاشتها القديمة وسلطانها “عثمان كبر” واثق الخطى يمشي في استقبال القادمين ووداع المغادرين.. والرجل ما بين البقاء لدورة قادمة والرحيل مركزياً يصبح في وجوه الناس السؤال هل صحيح أنه بعد الانتخابات ستأتي وجوه جديدة، وأن الرئيس سيقبل على تحقيق السلام بالتفاوض أو الحرب ويلملم شعث وطن مبعثر وقابل للتصدع مرة أخرى إن لم تدركه النخب التي تقوده بوصفة علاجية ليشفى مما يشقى منه الآن؟؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية