ما وراء الهجوم على (كالوقي) و(الرحمانية).. ومخطط ضرب استقرار شرق كردفان!!
الانتخابات والدماء!!
ساعد الشهيد “إبراهيم شمس الدين” الأيمن متورط في عمليات القتل بـ(الرحمانية) و(كالوقي)
يوسف عبد المنان
{ ارتبطت الانتخابات في ذاكرة جنوب كردفان الولاية وجماهيرها بالدموع والأحزان.. وسرقة الأفراح.. وتوطين الأتراح.. فالانتخابات التي جرت عام 1982 هي التي حملت “يوسف كوة” و”دانيال كودي” إلى التمرد وخراب الديار وتمزيق أحشاء المنطقة، ومنذ عام 1983 تدفقت شلالات الدماء ولم تتوقف إلا بعد اتفاق سويسرا 2003 بين الحكومة ومتمردي الحركة الشعبية.. وهبت على المنطقة مرة أخرى رياح الانتخابات 2011م التي عرفت بالانتخابات التكميلية بين “هارون” و”الحلو”، ورفعت شعارات ما بين الشجرة التي يستظل بها “هارون” والنجمة التي يحملها “عبد العزيز الحلو”.. جرت الانتخابات الأخيرة.. وقبل أن تعلن نتائجها النهائية، ارتفعت البنادق وعلت قعقعة السلاح، وانتهت الهدنة التي عاشتها المنطقة وعادت الحرب أكثر شراسة وفتكاً بالمواطنين، وقد أغلقت دروب الحل وبات خيار الحرب وحده هو خيار الطرفين المتقاتلين (الحكومة المركزية ومتمردي قطاع الشمال)، وسكان المنطقة مغلوبون على أمرهم.. بالحرب قانعون.. بالتشرد قانعون.. بالموت قانعون.. لا يملكون غير ضرب كف بكف ويرددون (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).
{ الانتخابات ونذر الدم
منذ إعلان قيام الانتخابات في (أبريل) القادم اتخذت الحركة الشعبية (قطاع الشمال) منها هدفاً سياسياً وعسكرياً لزعزعة استقرار المنطقة والحيلولة دون قيامها، بالهجوم على بعض المناطق (المستقرة) وقطع الطرق من خلال عمليات حرب عصابات خاطفة هنا وهناك.. واستغلال تلك الأحداث إعلامياً على نطاق واسع، وقد ولجت الحركة الشعبية ساحة الإعلام الإلكتروني ووسائط التواصل الاجتماعي في حربها الحالية، في الوقت الذي بدأت فيه الحملة الانتخابية بكل دوائر الولاية السبع للمجلس الوطني وهي: (كادوقلي، الدلنج، القوز، العباسية، تلودي، أبو جبيهة وأبو كرشولة)، بينما عدّ لجنة الانتخابات دوائر المجلس التشريعي للولاية في كل من (أم دورين، هيبان، البرام، سلارا والريف الغربي لكادوقلي) دوائر غير آمنة وعلقت فيها الانتخابات لسيطرة الحركة الشعبية عليها.. وأخلى المؤتمر الوطني دوائر (أبو جبيهة، الدلنج ورشاد) للأحزاب المتحالفة معه.. ليقف المؤتمر الوطني في (الدلنج) إلى صف حزب العدالة، وفي (أبو جبيهة) مع الاتحادي الديمقراطي الذي عاد بثقله إلى المنطقة الشرقية.. وطبقاً لسياسات مركزية اتخذها المؤتمر الوطني تم إخلاء بعض الدوائر الخاصة بالمجلس التشريعي، وتعددت الأحزاب التي تخوض الانتخابات، وانسحب من العملية الانتخابية بالمقاطعة من الأحزاب التي لها وجود جماهيري حزب الأمة والمؤتمر الشعبي إضافة للحركة الشعبية التي تحمل السلاح والحزب القومي الديمقراطي بقيادة “منير شيخ الدين”.. وتواجد الاتحادي الديمقراطي بشقيه الأصل والمسجل في معظم الدوائر الجغرافية للبرلمان، بينما غابت رموز الحركة الشعبية جناح السلام ولم يشـأ أي من قادتها خوض الانتخابات، حتى في دائرة (الدلنج) التي أُخليت في بادئ الأمر للقيادي في الحركة الشعبية “عمر شيخ الدين” آثر هو الآخر الزهد في خوض انتخاب الجماهير.. رغم أن “شيخ الدين” يمثل إضافة حقيقية لحكومة “آدم الفكي” لعلاقاته الواسعة وعطائه السياسي.. وغابت عن المشهد الانتخابي رموز من جنوب كردفان وأسماء كبيرة.. اللواء “إبراهيم نايل إيدام”، “دانيال كودي”، “سلمان الصافي”، “سومي زيدان عطية”، د. “تابيتا بطرس”، و”محمد مركزو كوكو”.. وجاء جيل جديد، “سليمان حديد”، “محمداني هبيلا”، “خليفة إبراهيم”، “جبر الدار التوم” و”أبو البشر عبد القادر”.. هؤلاء هم قادة المؤتمر الوطني اليوم الذين يخوضون معركة سياسية من أجل الظفر بمقاعد البرلمان القومي والولائي، بينما اتخذت الحركة الشعبية من تخريب الانتخابات واستهدافها والسعي لإجهاضها سياسة معلنة وتوجهات معلومة، وتملك الأجهزة الحكومية معلومات عن تحركات الحركة وإمكانياتها ونواياها.. لكن حرب العصابات التي تنتهجها الحركة تجعل من الصعوبة بمكان السيطرة على كل مدن وأرياف جنوب كردفان ومنع مخططات التخريب.
ورغم كثافة الجماهير التي تدافعت في تدشين دوائر المؤتمر الوطني في كل من (الدبيبات) بمحلية (القوز) ومدينة (الدلنج) ومحلية (كادوقلي)، إلا أن شبح الحرب يظل قائماً، ويضع المواطنون الأيدي على القلوب من فترة الانتخابات التي ارتبطت في مخيلة الأهالي بالعنف والدم.
واختار العقيد “كافي طيارة البدين” أمير إمارة النوبة (البرام) تدشين حملة خاصة للرئيس من داخل (كادوقلي) تبرع بمالها الأمير “كافي” والعُمد والمشايخ التابعون لإمارته.. وتبرعت بعض النسوة من (المورو) بالذهب.. وأنفق “كافي طيارة” من ماله الخاص على تدشين حملة “البشير” الذي خاطبه الوالي “آدم الفكي” بعد أن سادت بينه و”كافي” علاقات تعاون وطويت صفحة الخلاف بينهما، الذي زرعه بعض المرشحين لمنصب الوالي أيام اختيار المرشحين للمنصب.
وفي حديث خاص لـ(المجهر) قبل الهجوم الذي قامت به الحركة الشعبية على مناطق (كالوقي)، (توسي) و(الرحمانية)، قال “آدم الفكي” إن الأجهزة الحكومية لديها معلومات عن استهداف التمرد للانتخابات نظراً لأهمية هذا الاستحقاق السياسي وتأثيره على الخارطة السياسية في البلاد.. وأقر “الفكي” بأن الحركة تستطيع إحداث زوبعة في الساحة، لكنها عاجزة من إيقاف الانتخابات.. وحينما نشرت (المجهر) حديث الوالي كانت قوات التمرد تدخل (كالوقي، توسي والرحمانية).
{ الهجوم على (كالوقي)
اختارت الحركة الشعبية الهجوم على مدينة (كالوقي) لثلاثة أسباب أولها أن منطقة (كالوقي) ومحلية (قدير) من أكثر مناطق الولاية استقراراً، واستعصى على التمرد مجرد الاقتراب من جبل (كالوقي) الشهير بـ(أبو شرم.. كتال القرم)!! وثانيها أن المنطقة هي مسقط رأس الوالي آدم “الفكي” ولا يزال منزل أسرته قائماً فيها على حاله التي كان عليها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وعند مجيء “الفكي” إلى منصب الوالي خلفاً لـ”هارون” بعث برسائل سياسية سلمية للحركة الشعبية بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات من منسوبي الحركة الشعبية أو المتهمين بالتعاون معها، ورفع الرقابة المفروضة على المكالمات الهاتفية، وقرر إعادة المفصولين من مناصبهم في الخدمة المدنية لأسباب سياسية، وأحدثت تلك القرارات انفراجاً في الساحة التي كانت مختنقة بالآثار الناجمة عن يوم (الكتمة) الشهير بـ6/6 الساعة ستة يوم عودة الحرب مرة أخرى لجنوب كردفان.. وبعثت الحركة برسالتها إلى الوالي “آدم الفكي” الذي قال وهو يتحدث لأهالي (كالوقي) إن رسالة الحركة الشعبية قد وصلت.
ثالث الأسباب، أن المعلومات التي وردت تفيد بأن “عبد العزيز الحلو” قد أسند إلى اللواء “بندر أبو البلولة” المعتمد السابق بغرب كردفان والضابط الذي كان بمثابة الساعد الأيمن للشهيد “إبراهيم شمس الدين” في عمليات (صيف العبور).. لكن بعد أن (تقاعد) عن الخدمة العسكرية (أركبوه) سرج السياسة وتم تعيينه معتمداً عند أهله (المسيرية).. وطبيعة الرجل العسكرية وتجاوزاته دفعته لرفض القبول بالأمر الواقع، فآثر التمرد والانضمام إلى الحركة الشعبية، وزج به “عبد العزيز الحلو” في العمليات التخريبية الأخيرة ليضمن بقاءه بالقرب منه، وأن تضع التجاوزات الإنسانية والخروقات لحقوق المدنيين حواجز تحول دون تمرده على التمرد.
ودافع (الكواهلة) الذين يشكلون (90%) من سكان محلية (قدير) عن مدينة (كالوقي) ببسالة متناهية، وخرجت المنطقة تحمل أسلحتها يتقدمها المعتمد الفارس “قادم بابكر” للدفاع عنها بعد أن أشعل التمرد بالقصف الكثيف النيران في (بيوت القش) المتناثرة على سفح الجبل من الشرق والجنوب الشرقي، وكتب شباب (كالوقي) صفحات في تاريخ المقاومة ودحر التمرد، حيث سقط في معركة الدفاع عن النفس من المدنيين (28) شهيداً ونحو (45) جريحاً وفقدان (250) أسرة منازلها جراء القصف العشوائي وإشعال النيران المتعمد من قبل المتمردين.. والشهداء هم: 1/ محمد حمد دفع الله (وبلة) 2/ إسماعيل العمدة 3/ الحاج إلياس 4/ مضوي كوكو 5/ موسى على التاي 4/ عثمان رباط 7/ الفاتح قردود 8/ مختار عثمان حسين 9/ الطاهر النور 10/ على حمد الجنوكة 11/ النصري محمد كرجول 12/ فضل الله الفاضل أبو كليقة 13/ التوم إدريس 14/ عبد الله وجيع 15/ سعد موسى يحيى 16/ الصادق آدم يعقوب 17/ الفاضل مكي الفضل 18/ إبراهيم مكي الفكي 19/ محمد المك 20/ دفع الله الطريفي 21/ محمد الحسن 22/ إدريس حسن 23/ فضل الله عبد الرحيم 24/ عبد الباقي علي عبد الكريم 25/ محمد إسماعيل 26/ مريم حسن 27/ الطفلة بنت التاج.. واستطاعت قوات الدفاع الشعبي أن تحمي المدينة حتى وصول تعزيزات من القوات المسلحة من حماية (أبو جبيهة)، وهاجم التمرد (كالوقي) بواسطة (25) عربة لاندكروزر، (3) راجمات ودبابتين، وواجه المجاهدون من شباب (الكواهلة) التمرد بشراسة حتى تقهقر بعد ثلاث ساعات.. وتضاربت الأرقام عن عدد قتلى التمرد ما بين (150) إلى (300) متمرد في أطراف (كالوقي).
{ (الرحمانية) وواقع النزوح
بعد الهجوم الفاشل على (كالوقي) وفشل التمرد في السيطرة عليها، لجأ إلى استهداف القرى الصغيرة، حيث توجهت السيارات المدججة بالأسلحة إلى قرية (الرحمانية) التي تقع غرب مدينة (أبو جبيهة) ويقطنها (الحوازمة) و(الفلاتة) و(أولاد حميد) و(كنانة) و(النوبة).. دخل التمرد القرية وخطف (25) طفلاً دون سن الحادية عشرة، ونهب ممتلكات الأهالي من المتاجر في القرية والآليات الزراعية من تراكتورات، وتعرض السوق لعمليات نهب وحرق كاملة قامت بها قوات التمرد.. فيما لاذ مواطنو (أبو جبيهة) المتأثرين بالأحداث بمنازلهم في ظل غياب شبه كامل لمفوضية العون الإنساني التي لا حول ولا قوة لها.. وتناثرت أسر النازحين في المدارس الحكومية ينتظرون العون من الحكومة المركزية التي تثاقلت خطاها في الوصول إلى تلك المناطق، بينما شكلت حكومة الوالي “آدم الفكي” وجوداً في المنطقة منذ وقوع الأحداث، حيث انتقل الوالي وأعضاء حكومته إلى (كالوقي) و(أبو جبيهة) لمسح دموع اليتامى وضحايا هجوم التمرد الذي شنه للحيلولة دون قيام الانتخابات.
{ مخططات التمرد القادمة
لن تنتهي عمليات التمرد بالهجوم على (الرحمانية) و(كالوقي) و(توسي)، لكن الحركة الشعبية تخطط للقيام بعمليات أخرى خلال الفترة القادمة، واستهداف (كادوقلي) و(الدلنج) وطريق (الأبيض- كوستي) لأغراض الدعاية وإثبات الوجود، في الوقت الذي منح هجوم التمرد على (كالوقي) و(توسي) و(الرحمانية) زخماً للانتخابات، حيث برزت روح التحدي والإصرار على قيام الانتخابات بعد أن عزمت الحركة على تعطيلها.