التحقيق في جدة
استفاد بعض الموظفين من (دقة) منسوبي القنصلية السودانية في “جدة” لأحد المغتربين المترددين على سفارة بلادهم طبعاً ممن يحسنون الظن بها وبموظفيها.. الموظفون المستفيدون من (الدقة) هم أعضاء لجنة التحقيق التي شكلتها وزارة الخارجية لتقصي الحقائق حول (مزاعم) المواطن (المدقوق) طبعاً مجرد أن تطلق الوزارة وهي المتهمة بأن ما جاء على لسان المواطن مجرد مزاعم، فإن الوزارة تقف إلى جانب الجاني في مواجهة المجني عليه.. ولكن موظفي وزارة الخارجية المحظوظين سيغادرون الخرطوم إلى المملكة العربية السعودية لتقصي الحقائق عن تقصيرهم و(دقهم) لمواطن قليل أدب ساكت!! طبعاً الموظفين المتهمين (بالدق) جزءاً من عصبة الوزارة.. وستعقد اجتماعات في القنصلية وتتلقى لجنة التحقيق تنويراً من القتصل ونواب القنصل والموظفين في السفارة عن الأداء وعظم المسؤوليات وحجم العطاء والتضحيات.. وتستفيد من لجنة التحقيق في فترة وجودها في أرض الحرمين الشريفين يؤدون العمرة ويتسوقون في (باب شريف) ويزورون قبر الحبيب المصطفى “صلى الله عليه وسلم” و(يغشون) الأهل والصحاب ويعودون للخرطوم بعد إنجاز مهمتهم وكتابة تقريرهم ولو كانوا منصفين لشكروا المواطن (المدقوق) على رفع صوته.. وقدم الثناء للصحافة السودانية التي اهتمت بالقضية وجعلتهم يحصدون ثمارها تجارة وعمرة ومصاريف جيب ونثريات سفر وأشياء أخرى لا تقال.. وبطبيعة الحال فإن تقرير القضية نفسها وحصاد لجنة التحقيق ربما يذهب لجب عميق جداً شأنه مثل عشرات لجان التحقيق التي تم تشكيلها لقضايا مماثلة بدءاً من حادثة سقوط طائرة الشهيد “الزبير محمد صالح” وانتهاءً بحادثة سقوط عمارة الداخلية.. وكل لجان التحقيق في بلادنا تنتهي إما لخطأ المقتول وبراءة القاتل أو الصمت على القضية ودفنها تحت التبن وغالباً ما (تغشى) البلاد كارثة جديدة ينسى الشعب معها ما حدث بالأمس.
ليس مهماً إن كان المواطن “التاي” الذي ادعى أن موظفي القنصلية قد (جلدوه)، فقد جلدت الشرطة مشجعين عاديين في واقعة المريخ والأمل عطبرة العام الماضي.. وتعرضت الطالبات من دارفور لضرب مبرح من قبل إدارة صندوق دعم الطلاب أثناء محاولات ترحيلهن قسراً من داخلية (البركس) وشكلت لجنة تحقيق للحادثة وحتى اليوم لم يصدر قرار، أما الطلاب الذين (غرقوا) في الترعة بجامعة الجزيرة فقد تمت إدانتهم من قبل وزير التعليم العالي قبل مدير الجامعة، وتصدت الدولة من أعلى سلطة إلى أصغر موظف في الدفاع عن الجامعة.. اتهام الطلاب الذين (غرقوا) في البحر.. بالمناسبة إلى أين وصلت قضية التحقيق في شركة (الصمغ العربي) وفساد الموظفين والشركات التي كانت (تتاجر) في السلعة؟
إن وزارة الخارجية تعلم إخفاقات سفارات السودان في الخارج وإن الموظفين المغتربين والعابرين لا يطيقون رؤية الموظفين العاملين في تلك السفارات، أما السفراء فإنهم يهتمون بعائدات الوظيفة ومدخرات الخدمة والاستفادة من دنيا اغترابهم باعتبارها فرصة العمر الأخيرة.. أما قضايا المواطنين فهي مسؤوليتهم هم؟؟ لأنهم موظفون غير صالحين ومعارضون وطابور خامس يجوز (دقهم) وحلال ضربهم.. ولا عقاب لمن يتعالى على مواطنيه ويحتقرهم.. وخيراً فعل موظفو القنصلية في “جدة” لأنهم رجال وحريصون على وقار وهيبة المكان ولا ترعبهم خطرفات مواطنين لا قيمة لهم لا في وطنهم ولا في خارج الحدود.