ثقافات الريف تتجول في طرقات المدينة
حكم وطرائف وأمثال وأغانٍ
الخرطوم ــــ سعدية إلياس
عندما تتوالى المصائب يكثر الإنسان شروده ولكن أكثر ما يخفف عنه عناء الحياة ومشاكلها تلك العبارات التي تكتب على خلفيات السيارات المارة أمامه، فقد يرى (حكمة) تخرجه من مصيبته بعبارة واحدة لم تخطر على باله لحظتها، أو ربما (نصيحة) تدله على الطريق الصحيح أو طرفة ساخرة تضع الابتسامة على وجهه، لان بالفعل هناك عبارات ذات تعابير عميقة ودلالات تحمل الدواء للداء في الوقت المناسب.. قطعاً عندما يرى شخصاً في قمة غضبه عبارات التوسل لله كــ (يا لطيف ألطف بنا)، (الحمد لله)، (يا رب لطفك ورضاك) و(ما في صابر حقو راح) قد يتراجع قليلاً لحلال العقد والمصائب.. وبنفس القدر ترضي تلك العبارات المكتوبة أصحاب المزاج (الرايق) وتمنحهم مزيداً من الدفعة والتفاؤل مثل (عيني عليك باردة)، (جميلة ومستحيلة)، (ياها المحرية)، (مصيرك بكرة تتعلم) و(منو البقرأ السكوت بوضوح وقت تعجز وسائل البوح)، وهناك كلمات العتاب (ده ما سلامك)، (خليتك لي ضميرك) و(الكفن ما فيهو جيب)، وقد يمضي في طريقه ليجد تلك العبارات الساخرة وتحديداً التي تكتب على الركشات كــعبارة (سيدا نائم وأنا حائم)، (بكرة تكبر وتبقى همر)، (ركشة تلمني ولا كفيل يذمني)، (الكريم عطاي والحسود بكاي)، (ضربة أسد ولا نظرة حسد) و(كل ما تربي كتكوت يكبر يفوت)، هذه العبارات تعد الطريق الأقرب للابتسامة.. وفي ذات الوقت شهدت تلك العبارات تحولات عديدة وانتقلت من عباراتها السابقة (الراعي واعي، حصاد الغربة، الدكتورة، المعلمة، السنين، عطبراوية وكسلاوية) إلى (جاري الكتابة، خارج التغطية وآخر ظهور)، ولكن بالمقابل نلاحظ انتشار عبارات الريف التي اقتحمت طرقات المدينة بصورة لافتة كعبارة (الجفلن خلهن أقرع الوقفات)، وهذه حكمة تدل على الاكتفاء بما قسمه لك الله وعبارة (الرسول فجولا تلعب).. ويعني بذلك أن أفسحوا لها مجالاً للعب.. و(لألوبنا ولا تمر الناس).
فرض سيطرة
بعد وفاة الفنان الشاب “محمود عبد العزيز” انتشرت صوره بعدد الكلمات التي تغنى بها.. ونلحظ خلال اليوم عشرات السيارات المارة تضع صورته مع كتابة عبارات انتماء لفنه، ولكن أحدهم كتب على صورته “ملك دبي”.
نظرة الناس
وفي الإجابة حول سؤال (المجهر) عن كيفية التعامل مع عبارات السيارات اعتبرها البعض ظاهرة حضارية وآخر عدها فكاهة ومزحات جميلة، حيث أكد عدد منهم على أنها جزء من الحرية الشخصية التي لها تأثير جيد على المجتمع بحكم أن المجتمع السوداني في الأصل ينبع من التقاليد المحافظة وهي في أغلب الأحيان تكتب بدافع النصح والإرشاد والأشياء النافعة، في حين وصفها البعض الآخر بأنها تستخدم لتعديل المزاح والترفيه وللتدليل على خفة دمه. فيما وصفتها أستاذة علم النفس “فاطمة بشير حميدة” نفسياً وتربوياً بأن العبارات التحذيرية هي تعبير حقيقي عن مزاج قائد السيارة الذي يعمل على إفراغ مكنونات نفسه وهواجسه ليترجمها إلى عبارات وشعارات يزين بها سيارته وفي بعض الأحيان تحمل هوية اجتماعية أو مزاجية تعكس مدى ولاء الشخص لتبنيه فكرة ما.. كانتمائه لنادٍ ما هلال كان أو مريخ أو فريق آخر أو فنان وهنا يحتل الجانب الثقافي حيزاً كبيراً.