(الحرفيون) مهن عتيقة تهددها العمالة الأجنبية
قهوة الشيخ على “أبوزيد” بالخرطوم معقلهم
الخرطوم ـــ حسام الدين كرنديس
إن المتأمل لواقع هذه المنطقة التي مسحتها بأم عيني يرى الإلفة والعشرة وحدها هي من يجمع الناس في (زقاق واحد) ومكان واحد ومن ثم (قهوة واحدة) يتكئ على حوافها كل (الصنايعية) من أرجاء المعمورة أتت بهم لقمة العيش ليسترزقوا من رزق الله المبسوط في الأرض فـ”قهوة الشيخ علي أبوزيد” بـ شارع الجمهورية بـ(وسط الخرطوم) تعتبر من أقدم وأشهر المقاهي بالعاصمة منذ العام 1902 م والتي تعتبر مأوى للكثير من فئات المجتمع من (عمال) و(حرفيين) و(موظفين) يأخذون من ظلها مجلس دائم دون النظر إلى المقام الاجتماعي والأسري والعرق والدين والثقافة، وقد عمل “الشيخ أبوزيد” بالقهوة حتى 1924م بعد ذلك أعقبه “نور الدائم علي” واستمر حتى 1945م وجاء بعده “أحمد جار الرب” حتى 1964م ثم “عبد الله خالد” حتى 1987م هؤلاء المذكورون انتقلوا إلى رحمة ربهم، وبعد ذلك آلت إلى ملاكها الأصليين أولاد “أحمد أبو العلا” أما “محجوب علي” و”مضوي الأمين” فهم لا يزالوا يعملون بها.. دخلت هذه القهوة ووسط زحمة الصنايعية أخذتنا الدردشة مع بعض الفئات فتحدث إلينا “صديق كوكو” عامل (نقاشة) ومراسل لعدد من الصحف الرياضية سابقاً لكنه التجأ إلى النقاشة كخيار أخير مفضلاً العمل الحر. وأفادنا قائلأ: نحن الحرفيين قطاع المعمار بالخرطوم ونعمل بالنقاشة – سباكة – حدادة – نجارة – كهربجيية أغلبنا مؤهلون اكاديميأ وخريجي جامعات ومعاهد عليا والمدارس الصناعية لكن مع الأسف في السنين الأخيرة ظللنا نعاني من ركود تام نسبة لغلاء مواد البناء والظروف الاقتصادية اما ” معروف محمد” (سباك) منذ العام 1976م حدثنا قائلاً: (نأتي منذ الصباح الباكر وحتى الخامسة مساء نجلس في هذه القهوة لعرض أعمالنا على أصحاب الشركات والمقاولين وغالباً ما يكون العمل معهم لفترة وجيزة مقابل (رزق مقسوم) وقد يمر أسبوع دون خدمة، فنحن نعاني من إهمال الدولة وتعالي المواطن وتفضيل العامل الأجنبي وكذلك تواجهنا مشكلة في جودة المنتج فالمستوردون يأتون بالمنتجات الصينية غير الجيدة مما يشكك الزبون في عدم خبرة الحرفي). أما “عادل الأمين” (نجار) فقال: (نحن نعاني من ضياع في ظل العمالة الأجنبية الكثيفة وكل العاملين بالمعمار أجانب ونحن نعول أسر وليس باستطاعتنا تعليم أبنائنا ولا حتى علاجهم أما الشركات الخاصة فهي تتخوف من حقوق ما بعد الخدمة لذلك لا تتعاقد مع العمال). ووسط هذا الجمع التقينا بشاب رفض ذكر اسمه فهو خريج قانون جامعة النيلين وهو أصلاً (حرفي نقاشة) ويعمل بمكتب محامٍ حدثنا قائلاً: (عملت أربع عشرة سنة بمهنة (النقاشة) أنشأت جدول للتنسيق بين المهنتين). وأضاف قائلا: (الحرفيون في السودان يجدون معاناة شديدة وضيق فرص العمل رغم كفاءتهم العالية). وذكر “الحاج على مهدي” (نقاش وفني زجاج) وهو من أقدم الحرفيين بهذه القهوة تعلم على يده العديد من الحرفيين عمل منذ أربعين سنة بدأ مشواره مع العديد من المقاولين والشركات عملت بالديار البريطانية وقال: (كنت النقاش الأول بها لعدة سنوات أقنعت الإنجليز إقناعاً تاماً وكنت أرتدي أفضل الملابس وأشتري أفضل المأكولات وكل هذا من مهنة النقاشة وقتها كانت هذه المهنة مشرفة جداً). والتقت (المجهر) أيضاً بـ”يوسف حسن” (كهربجى) الذي قال: (عملت قرابة العشرين عاماً بمحالج مؤسسة الرهد الزراعية كنانة) وفق مرتب لكن فضلت العمل الحر والعائد المادي أفضل من الشركات لكن السوق في الفترة الأخيرة وقف وبقى طارد نتمنى من الدولة أن تنظر للحرفيين لأننا نعاني من التهميش التام). بعد هؤلاء اتجهنا نحو تجمع الحدادين لنجد “نور الدين عبد الله” (حداد) فقال لنا أكبر مشكلة قلة العمل الذي لا يأتي إلا بالواسطة. أما الشفيع “شمس الدين” (فني زجاج وسباك) تحدث قائلاً: (عملت بـ(دولة ليبيا) لسنوات طويلة (أما البلد دي تعتمد على الواسطة من غير الواسطة ما بتشتغل ولا بتسكن الحالة بقت صعبة بس منتظرين الفرج من الله ). أما (البنايين) فحالهم لا يختلف عن حال باقي الحرفيين العم “محمد جبريل” عمل منذ ستينيات القرن الماضي مع كبار المقاولين مثل “جابر أبو العز” و”أولاد ابو العلا ” خدمنا السودان بكل ولاياته والعديد من الدول العربية لكن هنا نعاني من عقدة الأجنبي والمباهاة به بينما الظرف المعيشي الضاغط أجبر المواطن والكادر المؤهل على الهجرة والنهضة التي يشهدها الوطن العربي شارك فيها العامل السوداني حيث عملنا بـ(المملكة العربية) ،(السعودية)، (ليبيا) (الاردن) والعديد من الدول العربية.