شهادتي لله

تعلموا من سلوك هذا (التلميذ) !!

كان لافتاً ومدهشاً لي أن يحتفظ تلميذ بمرحلة الأساس، زارني بالمكتب بصحبة والده قبل أيام، بورقة قطعة (حلوى) ويضعها في جيب قميصه، بدلاً من أن يتركها على الطاولة، أو يلقي بها على الأرض كما يفعل كثيرون، أو يعيدها فارغة إلى العلبة كما تعود آخرون.. فتختلط الحلاوة مع الورق!!
لم يصادفني مثل هذا السلوك كثيراً في الخرطوم، رغم شيوعه واعتياديته في مدارس ومكاتب وشوارع مدن  العالم الأول في أوربا وأمريكا. 
في قطارات المترو في “لندن” أو “برلين” تقابل كل يوم ركاباً من الجنسين يلتهمون سندوتشات أو يتناولون مشروبات، لكنهم يسارعون لاحقاً بوضع الفوارغ داخل حقائبهم!
في أحد شوارع “برلين”، إن أنسَ لا أنسى، مشهد سيدة شابة وهي تجثو على الأرض بكل أدب لتجمع (فضلات) كلبها الذي تبرز من ورائها على الطريق العام!!
سلوك الفتى الراقي الذي زارني مع والده زميلنا الصحفي “جمال عبد القادر” الإداري حالياً بديوان الحكم الاتحادي، دفعني لإدارة حوار مع هذا التلميذ النجيب، وترك النقاش جانباً مع والده حول قضايا السياسة والمجتمع، والمهنة ومضايقاتها.
أخذتُ أسأله بشغف: لماذا وضعت الورقة في جيبك؟ كيف تعلمت هذا؟، من دلك على هذا التصرف؟ المدرسة أم البيت؟
وإذ ذاك، أتيحت فرصة ذهبية للأخ “جمال” ليحدثني مفاخراً عن نظام الجودة والنظافة المعمول به في بيتهم العامر، غير أنه وابنه الراقي، لم يغفلا دور مدرسة “إسماعيل الولي الخاصة” بأم درمان.
ولأنني أعرف مديرة المدرسة أو مؤسِّستها الأستاذة “نفيسة إسماعيل مكي” منذ سنوات، فقد كنا جيراناً بحي “بيت المال” العريق، قريباً من “ود أرو” وحي “السيد مكي” و”ود البنا” وعبق أم درمان (القديمة) بنكهتها المختلفة.. وثقافتها الفريدة. وتكتمل تفاصيل هذا السلوك (السودانوي) المميز عندما تلتقي “بارا” الجميلة – مسقط رأس مؤسسة المدرسة – بعراقة أم درمان!!. “بارا” التي أهدت للسودان (آل شداد)، وأم درمان التي مزجت كل أعراق السودان في إذاعة قومية ومسرح.. وتلفزيون، وهلال ومريخ..  وهنا فقط – في أم درمان – لا يتذكر أي سوداني هل هو دنقلاوي أم فوراوي أم جعلي أو محسي أو رزيقي!!
هذا إعلان مجاني لمدرسة (خاصة) لا يزيد رسمها حسب علمي عن (4) آلاف جنيه، رغم أنني لم ألتقِ صاحبتها منذ عدة سنوات.
مدرسة تعلم تلاميذها النظافة والسلوك المدني والحضري أكثر من مدارس المنهج الأجنبي المسماة (إنترناشيونال)، ورسومها تزيد عن (15) ألف جنيه، بل إنه في واحدة منها بلغت الرسوم أكثر من (100) ألف جنيه للعام الواحد!!! ثم لا تعلمهم (عربي) ولا (دين) ولا سلوكا حضرياً..!!
ولا شيء في تلك المدارس سوى (الإنجليزي) ومنع الطلاب من التحدث بـ(عربي الخرطوم) مع زملائهم أثناء (الفسحة) !! يعلمونهم (الإنجليزي).. وينسونهم (العربي).. ويا لها من مدارس !!
تعالوا نتعلم النظافة ونجمع النفايات في بيوتنا وشوارعنا، كما يفعل تلاميذ مدرسة “إسماعيل الولي”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية