(المجهر) تقلب أوراق العمر مع الشيخ "إبراهيم السنوسي":
لمع نجم الدكتور “حسن الترابي” بعد أكتوبر وأصبح المراقب العام للإخوان
خسر “الرشيد الطاهر” المنافسة رغم الحكم عليه بخمس سنوات سجن
صلى معنا “الأزهري” صلاة الغائب على إخوان مصر
هذا أشهر الانقسامات في تاريخ الحركة الإسلامية
حوار – صلاح حبيب
– عندما التحقت بمدرسة التجارة الثانوية كانت المدرسة تتبع النظام الداخلي، وهذا أفادنا في علاقاتنا مع إخواننا بالمدرسة لمعرفة بعضنا بعض أكثر، وفي المدرسة وجدنا بعض إخواننا مثل “مبارك قسم الله” رحمه الله و”الصافي جمعة” ما زال حياً، فالحياة في الداخلية تتيح فرصة الأكل في السفرة معاً ويصلون معاً وفيها التآلف الذي وطدّ العلاقة أكثر للبقاء في الحركة.
{ هل هناك شيوعيون كانوا بالمدرسة؟
– نعم والصراع وقتها كان على أشده بين الإسلاميين والشيوعيين، فالشيوعيون وقتها كانوا يطرحون أفكاراً الحادية مثل الطبيعة هي التي خلقت الإنسان والدين مخدر الشعوب، وهذا الحديث لم نحتمله خاصة وأننا جئنا من بيئات تؤمن بالقرآن وبالإله، ولذلك كان الصراع آنذاك بين للطرفين شديد جداً ولم يكن الصراع السياسي بين الشيوعيين والإسلاميين بمدرسة التجارة الثانوية، ولكن الصراع كان في كل المدارس الثانوية بين الطرفين وكان رموز الطرفين يأتون إلى مدرسة التجارة يغزون زملاءهم بأفكارهم، وهذا الصراع جعلنا نتلقف ما كتب في مصر خاصة كتب الإخوان.
{ من هم الشخصيات الإسلامية التي تعرفت إليهم في ذلك الوقت؟
– تعرفنا على الدكتور “حسن الترابي” و”يس عمر الإمام”، ووقتها دكتور “الترابي” كان قد أكمل (جامعة الخرطوم) بينما تخرج “يس عمر” من المرحلة الثانوية، وهناك إخوان آخرون مثل “دفع الله الحاج يوسف” و”علي محمود حسنين”، ونحن في تلك السنة وفي تلك المرحلة كنا نذهب إلى إخواننا في الجامعة وكانوا يأتوننا في التجارة نتبادل الأفكار فيما بيننا.
{ هل كان هناك عنف بينكم كتيارات مختلفة؟
– أبداً بل كل تيار له صحيفته أو عبر المناظرات.
{ من الأسماء التي برزت وقتها من الشيوعيين؟
– لم يلمع منهم أحد ولم ينل أحدهم منصباً مرموقاً في الحزب وربما تركوا الحزب بعد انتهاء فترة دراستهم بالثانوي أو الجامعة عكسنا كإخوان استمرينا منذ ذاك الزمان وحتى اليوم.
{ ما هي علاقتكم بنادي أم درمان الثقافي؟
– كنا من ضمن الإخوان الذين يذهبون إلى النادي ويشاركون في الندوات التي تقام فيه، فكنا نسمع المحاضرات التي تعضد الإسلام.
{ ما هي علاقتكم بإخوان مصر آنذاك؟
– في سبتمبر 1954م أُعدم “عبد الناصر” ستة من رموز الإخوان المسلمين “عبد القادر عودة” ومجموعته، فإعدام هؤلاء الإخوان كان سبباً رئيسياً في الخلاف بينا و”عبد الناصر” ونظامه، بل شايعنا وناصرنا في ذلك “إسماعيل الأزهري” حتى صلى معنا صلاة الغائب على هؤلاء الشهداء، وكتب “أحمد محمد صالح” قصيدة في “محمد نجيب” حينما أبعده “عبد الناصر” القصيدة طويلة وذكر فيها الإخوان.
{ هل الزعيم “الأزهري” كان متعاطفاً مع الإخوان؟
– عدم تعاطفه مع اليسار عامة جعله يكون متعاطفاً مع الإسلاميين و”أزهري” كانت له مواقف فيما بعد عندما حل الحزب (الشيوعي)، والزعيم “الأزهري” التدين فيه أصيل لأنه جاء من بيت دين ومن بيت صوفي، لذلك التدين كان من سماته، وقتها برز نشاط الإخوان وتولوا رئاسة اتحاد طلاب (جامعة الخرطوم)، وأذكر في تلك الفترة قام مؤتمر الإخوان في أغسطس 1954م.
{هل شاركت فيه؟
– نعم وكنت طالباً ثانوياً.
{ من هم قياداته؟
– معظم الرموز الإسلامية في الحركة “الترابي” و”محمد يوسف محمد” وآخرون.
{ أبرز ملامح المؤتمر؟
– في المؤتمر طرح لأول مرة دستور للحركة فيه أهدافه ووسائله وعلاقاته الخارجية وكان الفضل في ذلك كله للدكتور “الترابي”، والحركة الإسلامية قدر الله لها أن تنشأ في وسط ،الطلبة وقدر الله لها أن تكون كل قياداتها قانونية “حسن الترابي”، “محمد يوسف”، “الرشيد الطاهر”، شيخ “صادق عبد الله” و”محمد صالح عمر”، ووقتها كان العالم كله يتطلع للتحرر من الاستعمار الأوروبي، كان الشعار التحرر أو التحرير وبالتالي كان الذي يجادله ويعرف المنطق والمواثيق الدولية هم القانونيون، وكانت القيادات الموجودة على رأس الساحة السياسية معظمها قانونيون وحتى الاتحاديين، فالزعيم “الأزهري” كان معه “مبارك زروق” و”عبد الماجد أبو حسبو” و”أحمد زين العابدين”، وحزب (الأمة) كان على رأسه “محمد أحمد محجوب”، فكل الذين كانوا قيادات سياسية كانوا قانونيين.. وهذا جعل الحركة الإسلامية تزدهر بلوائحها ودستورها، والحركة كانت منظمة في قياداتها وقياداتها لم تدعو للعنف بل تدعو للعمل السياسي وليس العمل العسكري لأن بطبيعة القانونيين قضاة أم محامين لا يخرجون عن القانون وهذه واحدة من سمات الحركة الإسلامية، وقيادات الحركة الإسلامية وقتها كانوا أنداداً ًوكان النقاش في ما بينهم بحرية ولا ولاية لأحد على أحد، والحركة الإسلامية لا طائفية ولا صوفية والقيادة عندها إلى اليوم تنبع من بين أفرادها.
{ وقعت آنذاك خلافات بين قيادات الحركة الإسلامية في وقت مضى.. ما هي أسباب تلك الخلافات والصراعات؟
– مر على الحركة الإسلامية خلافان.
{ ما هما؟
– الخلاف الأول بعد الديمقراطية الأولى 54-1958م وكان وقتها المراقب العام للإخوان المسلمين “الرشيد الطاهر بكر” فحينما وقع الانقلاب الأول في 1958م بقيادة “عبود” تم اعتقال القيادات السياسية بحزب (الأمة) و(الاتحادي الديمقراطي) ولكنها كانت حركة صغيرة ثم جاء انقلاب 1959م، وكان في هذا الانقلاب بعض الضباط الإسلاميين وكانوا على علاقة بـ”الرشيد الطاهر” فتمت محاكمتهم بالإعدام وتمت محاكمة “الرشيد الطاهر” بالسجن لمدة خمسة أعوام.
{ من هم أولئك الضباط؟
– “شنان” و”كبيدة” و”أحمد عبد الماجد” و”الصادق الطيار”.
{ هل هؤلاء إخوان؟
– كانوا إخوان حينما كانوا في الثانوي وليس عندما كانوا ضباطاً، وهؤلاء لم يكونوا ذا علاقة بالإخوان أو تنظيمهم ولكن كان معهم “الرشيد الطاهر” وأخوه “عبد الله الطاهر” وجاء شاهد ملك وتمت تبرئته وظل “الرشيد الطاهر” بالسجن إلى أن جاءت ثورة أكتوبر، وحينما خرج من السجن ترشح لقيادة الحركة مع الدكتور “حسن الترابي” وجاءت الانتخابات وفاز “الترابي”.
{ ما الذي ميّز الدكتور “حسن الترابي” عن “الرشيد”؟
– ميزه دوره في أكتوبر وهو أستاذ بـ(جامعة الخرطوم)، وهو صاحب الندوة التي انطلقت منها شرارة الثورة التي استشهد فيها “القرشي” وهذا الفوز لم يرض “الرشيد” فاستقال من الإخوان وانضم إلى الحزب (الوطني الاتحادي) وأصبح وزيراً.
{ حينما خرج “الرشيد الطاهر” من الإخوان من الذي خرج معه؟
– خرج معه أفراد لا يزيدون على أصابع اليد ولم يكونوا من الصف الأول، فسارت الأمور بعد ذلك إلى أن برز الخلاف الفكري، فالدكتور “حسن الترابي” أصبح مراقب عام الإخوان المسلمين، ثم كونت (جبهة الميثاق الإسلامي) وأصبح سكرتير عام (جبهة الميثاق الإسلامي) وطوافه على السودان والأفكار التي جاء بها.
{ مثل ماذا؟
– أفكار متقدمة، كان يرى أن الأسرة ينبغي ألا تكون بالطريقة التقليدية مغلقة على عدد قليل من الإخوان، أراد أن تكون الأسرة مفتوحة وعلى المساجد، فرأى الإخوان أن تلك الآراء مخالفة للأفكار التي طرحها الإمام “حسن البنا”، وللدكتور “الترابي” أيضاً آراء عن المرأة وأذكر حينما جاء إلى “الأبيض” في عام 1957م ووقتها كنت بالصف الثالث الثانوي قال نفس الآراء التي يقولها ألا تكون المرأة قاضية ووزيرة، فالأبيض آنذاك كلها كانت ضده، ولكن الدكتور “الترابي” وقتها كان مطلعاً ويقرأ ويفكر ويفهم النصوص ليس فهماً تقليدياً مخالفا ًللآخرين، ولذلك كل من يريد أن يحاججه أو يناصره لابد أن يكون ملماً بـ(اللغة العربية) وأن يكون مفكراً، ومن يحاججه لا يستطيع أن ينكر آراءه ولكن لا يوافقه، فمثلاً “العقاد” آراؤه مخالفة لآراء كل المفكرين ترفضها ولكن لا تستطيع أن تنقضها منطقياً أو علمياً لأنه يؤسسها على منطق وعلى علم، ولكنها قد تكون مقبولة للناس المتخرجين، ثانياً إن الدكتور “الترابي” طرح أفكاراً سياسية طرح فكرة التحالف مع حزب (الأمة) ثم أضاف حزب (سانو) مسيحي جنوبي، لم يستطع الإخوان أن يبلغوا ذلك كيف تقبل الحركة الإسلامية جنوبيين مسيحيين، وهذا يشير إلى أي مدى كان دكتور “الترابي” متقدماً، ثالثاً إن “سيد قطب” الذي أُعدم في عام 1965م فقط لأنه كتب كتابه (معالم في الطريق)، العالم أجمع ضج لتلك المحاكمة لكن “حسن الترابي” انتقد كتاب “سيد قطب” ورؤيته للعالم الجاهلي، وكان هذا أمراً مخالفاً لمشاعر كل الإخوان لأن (معالم في الطريق) هو المرجع للإخوان (المنفستو)، بل كان مرجعاً لكل الحركات الإسلامية التي اتخذت الكتاب منهجاً.. وهنا بدأ الخلاف الفكري وقامت مجموعة من بينها “جعفر شيخ إدريس” والأخ “صادق عبد الله” وآخرون تصدوا للرد على الدكتور “حسن الترابي”، فتصاعدت الخلافات وتباعد الطرفان حتى جاء عام 1969م وفي هذا العام كان الخلاف واسعا ًوأصبح الإخوان فريقين، فريق مع الدكتور “حسن الترابي” وفريق مع شيخ “صادق عبد الله عبد الماجد” حتى جاء مؤتمر أبريل 1969م ووقتها أنا كنت ضد جناح “حسن الترابي”.
{ ما هي أسباب خلافك مع دكتور “الترابي”؟
– نفس الأسباب التي ذكرتها من أفكار المرأة والأسرة، جاء بأفكار لم تكن مقبولة في ذلك الوقت ونحن كنا من الإخوان المسلمين المتمسكين بالنهج الإخواني المصري، أو تلك مفاهيمنا في ذلك الوقت ولم يكن في ذلك حرج بل بأدلتنا الفكرية، وكان ذلك أكبر خلاف يمر على الحركة الإسلامية وانفض المؤتمر وأصبحنا جناحين، وبعد شهر جاءت مايو واعتقلنا جميعاً وأدخلنا السجن.