حوارات

(المجهر) تقلب أوراق العمر مع الشيخ "إبراهيم السنوسي"

لم تجد حركة الإخوان المسلمين معاناة في ضمي إلى صفوفها
طلب مني شيخ “صادق عبد الله عبد الماجد” ترك العمل بالإذاعة لهذا السبب
“الهادي بشرى” و”محجوب حسن سعد” تلاميذي وجندت هذا الإعلامي الكبير
نقلتني وزارة التربية من العمل بمدارس الأولاد إلى مدارس البنات
سماع الأحكام من نوافذ المحاكم حببت إليّ دراسة القانون
حوار – صلاح حبيب
المقدمة:
من القيادات الإسلامية البارزة، بدأ حياته مع حركة الإخوان المسلمين منذ أن كان طالباً بمدرسة الأبيض الأميرية الوسطى، وظل وفياً لهذا التيار وناضل وجاهد من أجله ودخل السجون وهاجر إلى ديار الغربة. نحاول من خلال هذا الحوار معه إلقاء الضوء على مسيرته الحافلة بالبذل والعطاء، وفي هذه الحلقة وحلقات قادمة نسلط الضوء على صفحات من حياته منذ الميلاد وبداية مراحله الدراسية ومحطاته العملية، وكيف التحق بحركة الإخوان المسلمين ومن الذي جنده وما هي أسباب عدم التحاقه بالجامعة وتفضيله الالتحاق بمدرسة التجارة الثانوية، والمحطة التي عمل بها بعد التخرج وكيف التحق بالعمل بالإذاعة، ولماذا تركه، وكيف عمل بسلك التدريس ومن هم طلبته بالمرحلتين الوسطى والثانوية، ومن هم الطلاب الذين جندهم لحركة الإخوان المسلمين، ولماذا ترك العمل بمدارس الأولاد والتحق بمدارس البنات؟؟ هذا بالإضافة إلى العديد من الأسئلة.. فلنترك القارئ يطلع على إجابات شيخنا “إبراهيم السنوسي” مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي في حوار بعيد عن السياسة، ومن ثم ستأتي حلقات أخرى يتحدث فيها عن السياسة.
وكان مدخلنا الأول.. من هو شيخ “إبراهيم السنوسي” مولداً ونشأة ودراسات؟
– أنا “إبراهيم السنوسي” من مواليد الأبيض بكردفان، فتحت عيني على خلوة القرآن بمنزلنا وأنا صغير، حفظت جزءاً منه ومن ثم انتقلت الخلوة من بيتنا إلى المسجد العتيق. وحينما أغلقت الخلوة بأمر من الإنجليز خوفاً من زيادة عدد تلاميذها، بجانب هواجسهم من عودة (المهدية)، أُدخلت المدرسة.
{ أي المدارس مثلت بداياتك؟
_ مدرسة (شلتوت) الأولية ثم (الأبيض الغربية)، وألحقت مباشرة بالصف الثالث أي لم أدرس الصف الأول والثاني.
{ والسبب؟
_ السبب أنني كنت أجيد القراءة والكتابة أكملت الكُتّاب وقتها، وكان يسمى هكذا.
{ هل تذكر بعضاً من زملاء الدراسة والأساتذة؟
_ من الأساتذة أذكر “سيد مصطفى” والناظر “الباقر”.. و”سيد مصطفى” كان له فضل عليّ وخلق فيّ مبادرة الحديث والجرأة في الكلام والخطابة، فقد أسس جمعية أدبية ونحن في الكُتّاب وجعلني رئيسها.
{ ما هي محطتك التعليمية الثانية بعد الكُتّاب؟
انتقلت إلى مدرسة (الأبيض الأميرية) الوسطى وكان يُقبل بها (40) طالباً فقط.
{ المرحلة الوسطى.. هل تذكر زملاء دراسة بها؟
_ من الزملاء أذكر الأخ “عبد الله حسن أحمد” الذي شغل منصب وزير المالية ومحافظ بنك السودان، و”ميرغني عبد الرحمن” من زعماء الاتحاديين، والدكتور “بشير إبراهيم مختار” الآن اختصاصي، والأخ “عثمان كرار”، والأخ “حسن حسين عثمان” الذي قاد انقلاب 1975م، و”عبد القادر حمزة”، و”آدم حسن نمر” و”نمر حسن نمر” كانوا أبناء نظار الهواوير، وكانوا متزوجين وهم بالمرحلة الوسطى.
{ هل تذكر المجموع الذي التحقت به بـ(الأبيض الأميرية)؟
_ لا أذكره، لكن اذكر وقها حينما تعلن النتيجة كان الأهل يحتشدون لسماع النتيجة، ووقتها قبلت بمدرسة (الأبيض الأميرية) الوسطى مجاناً لكن (خارجي)، لأنني كنت أسكن بالأبيض، وفي المدرسة كانت لدينا مكتبتان مكتبة إنجليزية ومكتبة عربية وكل دولاب به (40) كتاباً عربياً و(40) كتاباً إنجليزياً، وكل طالب ملزم خلال العام أن يقرأ الكتب العربية والإنجليزية، وهذا واحد من أسباب تطور لغتنا الإنجليزية.. وأذكر أنني كنت مسؤولاً عن كتب اللغة الإنجليزية، والأخ “عبد الله حسن أحمد” هو المسؤول عن كتب اللغة العربية.. وأذكر أيضاً أن المدرسة كانت مقسمة إلى أربعة منازل (عمر بن كلثوم)، (عنترة بن شداد)، (زهير) و(النابغة الذبياني).. التقسيم جاء على أسماء الشعراء.
{ في أي واحد من تلك المنازل كنت؟
_ كنت في منزل (عنترة بن شداد) ومعي الدكتور “بشير إبراهيم مختار” وكنا أسرع اثنين في الجري وحصدنا (الكاسات).
{ ما الذي تذكره خلال تلك الفترة؟
_ أذكر تعديل بداية العام الدراسي.. كان العام الدراسي ينتهي في ديسمبر فعدل لينتهي في مارس، ونحن أول دفعة يطبق عليها هذا التعديل.
{ المدارس الثانوية كانت محدودة.. ففي أية مدرسة أكملت المرحلة الثانوية؟
_ وقتها لم ألتحق بـ(خور طقت) الثانوية، لكن التحقت بمدرسة (التجارة) الثانوية.
{ لماذا؟
_ لأن ظروفنا المالية بالبيت كانت تتطلب أن أعمل بعد المرحلة الثانوية، فرأيت أن مدرسة (التجارة) يمكن أن تهيئ لي فرصة عمل محترمة وبمرتب أعلى، لذلك فضلت أن أدرس بمدرسة (التجارة) الثانوية بأم درمان وكان ذلك في العام 1954م ونظام الدراسة فيها كان داخلياً.
{ هل تذكر في هذه المرحلة زملاء دراسة؟
_ جئنا من الأبيض ونحن ثلاثة زملاء للدراسة بمدرسة (التجارة) الثانوية أنا والأخ “موسى” و”سلامة دفع الله”، وتعرفنا بالمدرسة على الأخ “محمد يوسف أبو حريرة” الذي شغل منصب وزير التجارة في الديمقراطية الثالثة، و”حسان عطية” من أبناء الهلالية.
{ من هو ناظر المدرسة آنذاك؟
_ الناظر وقتها كان “أحمد محمد صالح” رئيس مجلس السيادة فيما بعد، ومن بعده تولى منصب الناظر “الهادي أبو بكر” الشاعر المعروف ولم يستمر طويلاً نُقل إلى مدرسة (خور طقت) الثانوية.. وأذكر أيضاً من الأساتذة الذين درسوني “عبد الله زكريا” و”متوكل حمد أمين”، كان من المريخاب المشهورين والشاعر “عبد القادر أبو هالة”، وقد استفدت منه في نظم الشعر ولف (العمة) التي ما زلت عليها حتى الآن وهي الطريقة التي كان يلف بها عمامته، ودرسنا الدكتور “الجزولي دفع الله” في (الأبيض الأميرية) الوسطى.
{ “الجزولي” كان معلماً قبل أن يلتحق بكلية الطب؟ وما هي المادة التي كان يدرسها؟
_ بعد أن أكمل الدكتور “الجزولي” المرحلة الثانوية بـ(حنتوب)، وقتها كان في انتظار الدخول إلى الجامعة، والمادة التي كان يدرسها هي اللغة الإنجليزية.
{ ما هي المواد الدراسية التي كانت محببة لديك؟
_ في مدرسة (التجارة) كانت المحاسبة والطباعة من المواد الجانبية التي ندرسها بجانب العلوم الأخرى، وهاتان المادتان المحاسبة والطباعة إذا خرجت إلى سوق العمل كانت (بتفيدك).. ولكن اللغات لا سيما اللغة الإنجليزية كانت من المواد المحببة إليّ بالإضافة إلى مادة التاريخ، وحينما أصبحت معلماً لمادتي اللغة الإنجليزية والتاريخ كانتا من المواد التي أحرص على تدريسها.. وقد ظللت معلماً لفترة طويلة من الزمن، والتحقت بعدها بكلية القانون فدرست القانون ولكن لم أعمل به.
{ لماذا القانون وأصلاً فكرتك أن تدرس التجارة لدخول سوق العمل من أجل الأسرة؟
_ في الأبيض كانت تشدني المحكمة والقاضي كان “بابكر عوض الله”، كنا نذهب إليها ونحن صغار السن نتفرج على القاضي والمحامين ونستمع إلى الأحكام التي تصدرها من الشباك.. (حكمت المحكمة على المتهم بالإعدام شنقاً حتى الموت.. أو بالسجن لعدة سنوات).. كل ذلك استهوانا وحبب إلى نفوسنا دراسة القانون.
 { أول محطة عملت بها بعد تخرجك في كلية التجارة؟
_ عملت شهوراً بوزارة المالية، وأذكر أن الوكيل كان “بليل”، ولم استمر طويلاً فيها، وتقدمت بطلب للالتحاق بالإذاعة فتم اختياري ضمن المتقدمين وأصبحت مذيعاً.
{ من هم دفعتك بالإذاعة آنذاك؟
_ كان المرحوم “أبو بكر عوض” و”حمدي بدر الدين”.
{ كيف جاء التحاقك بالإذاعة؟
_ أذكر وأنا معلم بمدرسة (بيت الأمانة) الوسطى كان والد أحد الطلاب يعمل بالإذاعة فتحدثت معه، ومن خلاله دخلت الإذاعة.
{ ألا تذكره؟
_ نسيت، لأنني لم استمر بالإذاعة إلا عدة أشهر.
{ ماذا قدمت من برامج؟
_ لم أقدم، لكن قرأت نشرة الأخبار.
{ لماذا تركت الإذاعة؟
_ المراقب العام للإخوان المسلمين شيخ “صادق عبد الله عبد الماجد” طلب مني أن أترك الإذاعة، وأن أستمر في مهنة التدريس لصالح حركة الإخوان المسلمين، وبالفعل تركت الإذاعة وواصلت التدريس بمدرسة (بيت الأمانة) الوسطى.
{ لماذا لم تلتحق بالجامعة آنذاك.. هل بسبب النسبة التي حصلت عليها أم أن هدفك الأساسي كان أن تعمل لمساعدة الأسرة؟
_ الهدف الأساسي الذي جئت من أجله للالتحاق بمدرسة التجارة ظل قائماً، لذلك لم التحق بالجامعة.
{ بعد أن تركت الإذاعة.. إلى أين ذهبت؟
_ تقدمت للعمل في عدة جهات، لكن عدت للتدريس بمدرسة (بيت الأمانة) الوسطى.
{ ما هي المواد التي كنت تدرسها؟
_ اللغة الإنجليزية والتاريخ.
{ ما هي محطتك الثانية بعد (بيت الأمانة)؟
_ ابتعثت إلى (بخت الرضا)، أمضيت بها عامين، ووقتها كان العميد “مندور المهدي”- رحمه الله- كان شخصية حازمة وآثاره كانت تنعكس على (بخت الرضا) والدويم.. تخصصت في اللغة الإنجليزية والتاريخ.
{ وبعد انتهاء فترة (بخت الرضا)؟
_ عدت من بخت الرضا مترقياً وألحقت بمدرسة (بيت الأمانة) الثانوية، وظللت أعمل بها حتى ثورة شعبان في عام 1973م.
{ من هم تلاميذك بمدرسة (بيت الأمانة) والآن يشغلون مواقع رفيعة؟
_ تلاميذي لا حصر لهم.
 {على سبيل المثال؟
_ بروفيسور “صلاح الفاضل” و”عمر الجزلي”.. ومن السياسيين “الشريف بدر” والي الجزيرة ووزير الاستثمار الأسبق.. ومن الضباط عدد كبير.. ومن الذين اعتز بهم اللواء “الهادي بشرى” ومدير عام الشرطة السابق “محجوب حسن سعد”، ودفعة (71) التي التحقت بالكلية الحربية، وكان قوامها (400) ضابط كان بينهم من طلبة (بيت الأمانة) أكثر من (30) طالباً.
{ كم الفترة التي أمضيتها في حقل التعليم؟
_ عملت بسلك التعليم منذ 1959م وحتى 1973م، منها عشر سنوات بمدارس البنين وست سنوات بمدارس البنات.
{ كيف تمت تلك النقلة من مدارس البنين إلى البنات؟
_ بعد اعتقالي رأت الوزارة أن أنقل من مدارس الأولاد إلى مدارس البنات.
{ ما السبب؟
_ السبب أنني كنت أجند الطلبة لحركة الإخوان المسلمين.
 { من تذكر من الذين جندتهم؟
_ كنت أجند الدفعة بأكملها، والدفعة كان فيها فصلان.. ومن الطلاب الذين درستهم وجندتهم دكتور “صلاح الفاضل”.
 { وهل جندت “الهادي بشرى” و”عمر الجزلي”؟
_ هذان درستهما ولم أجندهما.. ومن الذين جندتهم الشهيد “عبد الإله خوجلي” هذا درسته وجندته وشارك بعد ذلك معي في أحداث 1976م.
{ إذا أعدناك إلى الماضي.. من الذي جندك للحركة الإسلامية؟
_ أذكر وأنا في مدرسة (الأبيض الأميرية) الوسطى قد جُندت على يد المرحوم “التجاني ابو جديري”.. و”التجاني” كان بالنسبة لي أباً وأخاً شقيقاً وقمة من القمم، ووقتها كان طالباً بجامعة الخرطوم بشمبات كلية الزراعة. ووقتها زعيم الحركة الإسلامية في الأبيض كان الأستاذ “عبد الله محمد أحمد” الذي تحول فيما بعد لحزب الأمة وإبان فترة الإنقاذ عمل وزيراً للإعلام ثم سفيراً.. وفي الأبيض كان هناك أخوة كبار تجار.. الأخ “عثمان حسن الدقير” ومجموعة ما زالوا أحياء أطال الله عمرهم.
 { هل تذكر من كان معك بالحركة وأنتم تلاميذ بالأبيض؟
_ أذكر الأخ “عبد الله حسن أحمد”، الدكتور “عثمان كرار”، “ميرغني عبد الرحمن” و”بشير إبراهيم مختار”.
{ كيف كانت طريقة التجنيد وقتها؟
_ حركة الإخوان المسلمين وجدتنا جاهزين ولم تتعب في تجنيدنا.. كنا من المبرزين في مدرسة (الأبيض الأميرية) الوسطى فدخلوا علينا من مدخل الإسلام لأننا كنا مستقيمين، ولم نجد تناقضاً فيما يدعوننا إليه لأنهم كانوا يدعون إلى نفس القيم التي كنا عليها.
{ هل دخنت؟
_ لم أدخن ولا سيجارة ولا رشفت خمراً وما انفك إزاري عن حرام.. فالخلوة كانت بمنزلنا وحفظني والدي القرآن.
{ هل حفظت القرآن؟
_ حفظت وقتها ما يقارب العشرة أجزاء بالخلوة.
{ كم كان سنك وقتها؟
_ تقريباً ثماني سنوات.. لذلك لم تجد حركة الإخوان المسلمين صعوبة في تجنيدنا لأن الاتجاه المعاكس كان الشيوعيين، فكانوا يدعون إلى الموبقات والكفر والإلحاد، لذا وجدنا في حركة الإخوان المناخ الذي يلائمنا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية