تقارير

(الوطني) بين حشد الخرطوم وتهديد "هلال"

حديث السبت
“البشير” على خطى “الترابي”.. من أبوية التنظيم الدولي لـ(الإخوان)
“علي كرتي” يسكت عن حقيقة أسباب استقالة السفير “رحمة الله”
يوسف عبد المنان
حشد المؤتمر الوطني (الثلاثاء) الماضي بملعب نادي المريخ بأم درمان الآلاف من أنصاره بولاية الخرطوم إيذاناً ببدء حملته الانتخابية.. واختلفت التقديرات عن حجم الحشد الجماهيري ما بين (20) ألفاً و(15) ألفاً وأقل من ذلك.. تهويناً.. وعدوه دليلاً على ضعف شعبية المؤتمر الوطني وقرب زوال نعمته وانفضاض الناس من حوله.. نعم كان حشد المؤتمر الوطني نحو (20) ألفاً، وكان نحو (15) ألفاً و(5) آلاف وأقل من ألفين.. كل هذه الأرقام صحيحة.. كيف ذلك؟؟ حينما أعلن المؤتمر الوطني عن موعد الحشد الجماهيري في وسائل الإعلام وآليات التعبئة حدد الساعة الرابعة عصراً باستاد المريخ الذي بات يليق باحتضان المناسبات القومية، ليس مباريات كرة القدم فحسب، بل حفلات التخريج.. والمهرجانات السياسية.. إذن المريخ أكثر من نادٍ رياضي.. ووجود “جمال الوالي” على رئاسته باعتباره من القيادات النافذة في المؤتمر الوطني ومن المقربين جداً للرئيس “عمر البشير” جعل رصيد المريخ الجماهيري أقرب وجدانياً للمؤتمر الوطني.. جاءت الجماهير إلى ملعب المريخ من الساعة الثالثة ظهراً في هجير شمس ذلك اليوم الحارقة.. أطفال ونساء وشباب لم تحملهم لملعب المريخ دفارات الشرطة قهراً.. ولم يدفع لهم والي الخرطوم حتى (حق المواصلات).. جاءوا من القيعة، وصنقعت، والحاج يوسف، وأمبدة كرور، والردمية، والسامراب، والجيلي، والثورة، وأبو آدم.. ومن الرياض.. جاء السودان بكل سحناته وأعراقه.. جاء نحاس الجموعية من جبل أولياء والفتيحاب، وجاء البطاحين من شرق النيل.. والدناقلة والمحس من الكلاكلة.. والجعليون من الريف الشمالي لأم درمان.. وجاء النوبة يتقدمهم الوزير “الطيب حسن بدوي”.. وجاء دينكا نقوك.. و”زكريا أتيم” يقف مع “غندور” و”الخضر” وابنته الدينكاوية الجميلة تقف ما بين “مشاعر الدولب” وماما “سعاد الفاتح”.. جاء الفن وأهل الغناء، “حمد الريح” و”فهيمة” و”شكر الله” وآخرون.. وجاء “شيخ الأمين الصوفي” و”شبرين” التشكيلي و”فرج ثاوث” المسيحي، و”عبد الله البشير” الهلالابي وناظر الهواوير ود.”أبو قدم”.. وجاءت النساء من كل بيت.. حتى طغى العنصر النسوي على الرجال، وقدرت المرأة في احتفالية التدشين بنحو (60%) من الحضور، حسب تقديرات القيادي “كرمنو”.. وزفت الخرطوم مرشحيها وهم من كل أنحاء السودان تجسيداً لقوميتها.. وتوحيداً لمشاربها.. وهزيمة لدعاة العنصرية والجهوية.. وحينما بدأ الاحتفال في الخامسة إلا ربعاً فاض الاستاد بالجماهير، ولم تتبق إلا مقاعد محدودة في المساطب الشعبية شاغرة.. وتقدر سعة ملعب استاد المريخ بنحو (30) ألف متفرج، وفي تلك الساعة كانت الجماهير لا تقل عن (20) ألفاً.. ولكن مع تطاول البرنامج وسوء تقدير القائمين على الإخراج، وقد لفحت شمس الظهيرة الوجوه، و(شوت) أشعتها الأجساد، وتعذرت الرؤية لمن يجلس في المقاعد الشرقية من الملعب ومتابعة ما يجري في المقصورة الرئيسية.. أخذ التعب والرهق الجماهير وتسلل البعض بحثاً عن جرعات الماء البارد.. والمخرج يتمادى في تقديم فقرات لا مكان لها.. أو هكذا ينبغي ليخرج حتى القيادات.. وإذا كان “حامد ممتاز” الأمين السياسي للمؤتمر الوطني قد غادر المنصة الرئيسية بعد ساعة من بداية الاحتفال، ثم خرج “ياسر يوسف” أمين الإعلام.. و”جمال الوالي” صاحب الدار والمتبرع الثاني بعد “أحمد الشايقي” رجل الأعمال الشهير الذي يغدق على أعمال الخير بما في الجيب من غير حساب.. فكيف لا يغادر بعض الجماهير؟! وحينما طاف د.”عبد الرحمن الخضر” على المدرجات تعالت الهتافات الداوية (سير سير يا خضر) تعبيراً واستفتاءً من جماهير حزب المؤتمر بحق أحد التنفيذيين الذين لهم رصيد كبير في بنك الجماهير.. ولكن د.”الخضر” أخطأ التقدير بإطالة مقدمي البرنامج لفقرات الحشد، وقد أثبت الوزير “عمر باسان” قدرات فائقة في التنظيم، ولكن أن تبقى الجماهير لأكثر من (5) ساعات وسط هجير ورمضاء الصيف في انتظار كلمة نائب رئيس الحزب بروفيسور “إبراهيم غندور” كان أمراً عسيراً على الناس.. وقد غادر نصف الجماهير الملعب بعد أن كادت الشمس أن تغيب، ومن صوب كاميرا نحو مدرجات ملعب المريخ الشرقية يجد المدرجات خالية لمغادرة الجماهير.. وحينما صعد البروفيسور “غندور” لمخاطبة الحشود تحت إضاءة الكشافات لحلول موعد صلاة المغرب، هرع الناس بعضهم نحو المسجد وآخرون إلى الشارع بحثاً عن المواصلات العامة، لينفض حشد المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم الذي يعدّ أكبر حشد لحزب سياسي في ملعب يسع (30) ألفاً.. وجماهير المؤتمر الوطني التي جاءت يوم عرسه حق له التباهي بها والاعتزاز برصيده.. والجماهير لا تأتي من الأطراف البعيدة إلا إذا كانت على قناعة بأن صاحب الدعوة يستحق أن تجاب دعوته.
{ “البشير” على خطى “الترابي”
منذ سنوات بعيدة أدرك الدكتور “حسن الترابي” الزعيم الإسلامي في السودان أن الإسلاميين في السودان لهم اجتهاداتهم وفكرهم وواقعهم الذي يتمايز كثيراً وحركات إسلامية أخرى في العالم ومن بينها الحركة الإسلامية في مصر، أي تنظيم (الإخوان المسلمين).. وكانت حقبة الخمسينيات هي حقبة التقليد السوداني لكل شيء في مصر وعبر “الترابي” عن ذلك بقوله (لم نكن نسوغ الاجتهاد في التنظيم وكان دستورنا في مجمله نسخة تقليد من دستور الإخوان في مصر). لكن سرعان ما أدرك السودانيون أن الأشكال التنظيمية في مصر غير ملائمة لواقع السودان، وبدأت تناظر بين ما تستعين به من مواقف وأشكال وبين حاجتها لمواءمة أفكارها مع واقعها.. وخرج د.”الترابي” عن عباءة التنظيم الدولي للإخوان مما جر عليه كثيراً من المحن وتصدع حركته بانشقاق البعض عنه.. وتكوين تنظيمات ضرار.. لكن “الترابي” بخروجه من الطربوش المصري التقليدي استطاع أن يحقق مداً شعبياً في السودان الذي له خصوصيته المجتمعية ما بين مسلمين ومسيحيين ولا دينيين.. وصوفية.. وسلفية.. وعلمانية.. وشيوعية.. وأخذ يقدم نفسه لحركة إسلامية وطنية وليست فرعاً لتنظيم الإخوان المسلمين الأممي، دون انغلاق وانكفاء على الذات.. مد “الترابي” بصره نحو الحركة الإسلامية في باكستان وتونس وتركيا والجزائر، وحينما وصلت الحركة الإسلامية للسلطة في السودان عام 1989م لم تأخذ نصيحة من تنظيم الإخوان.. ولم تعترف بمرجعية غير وطنية يمكن اللجوء إليها.. وحينما تصدعت الحركة الإسلامية وانقسمت إلى (وطني) و(شعبي)، حدث تقارب محدود جداً بين الحركة الإسلامية التي يقودها “علي عثمان محمد طه” وتنظيم الإخوان في مصر وبعض المرتبطين في الداخل، لكن سرعان ما تمايزت الصفوف والمواقف.. وحتى في حقبة الرئيس المصري السابق “محمد مرسي” كانت العلاقة بين الحركة الإسلامية في السودان وتنظيم الإخوان في مصر (فاترة) جداً، وصد المصريين عن نصائح أسدوها لهم، ومصر تنظر للسودان بعين الخديوي إن كان ذلك (أخ مسلم) أو (شيوعي).. وعندما قال “البشير” في زيارته الأخيرة للإمارات إن السودان ليس طرفاً في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ومن حق أية دولة أن تتخذ من القرارات ما ترى أنه يحفظ أمنها وأمن مواطنيها، فحديثه هذا عبر عن الواقع بصدق وشفافية ووجد ارتياحاً بالغاً في الأوساط العربية الخليجية التي تتوجس من تنظيم الإخوان المسلمين وتعدّه تنظيماً إرهابياً.. ولم يقل “البشير” إن السودان يعدّ هذا التنظيم إرهابياً، وليس مطلوباً من السودان كدولة أن يقول ذلك، لكن الرئيس عبر عن حكومته المسؤولة عن شعبها ورعاية مصالحه، وليست مسؤولة عن الإخوان المسلمين وحدهم.. وغير مطلوب من السودان أن (يتبرأ) من شيء لا تقع عليه مسؤولية دعمه أو إسناده.. ودعوة الحركة الإسلامية في مؤتمرها الأخير لبعض قيادات تنظيم الإخوان المسلمين مثل “محمد بديع” من مصر لا تعبر عن تطابق في الرؤى ولا تشابه في المنطلقات.. وما أكثر التيارات الإسلامية التي تأتي إلى الخرطوم وتعود من حيث جاءت تلبية لدعوات أو مشاركات في مناسبات.. ولا من شروط دعوة الضيف التماثل والتشابه والتماهي.. و”البشير” عبر عن وجهة نظره كسلطة حاكمة في بلادها تتطابق رؤاها مع حكومات البلدان النظيرة أو تختلف، لكنها غير معنية بمواقف التنظيمات الفكرية والثقافية.. وموقف “البشير” من تنظيم الإخوان المسلمين هو ذات موقف “الترابي” وكل قيادات التيار الإسلامي.. وحتى في الحركة الاتحادية السودانية فإن الزعيم “إسماعيل الأزهري” غداة حلول عام 1954م تخلى عن فكرة الاتحاد مع مصر وتحلل جزئياً من ارتباطات وثيقة بين الحزب الوطني الاتحادي في السودان والمصريين، وكانت ثمار ذلك أن نالت البلاد استقلالها.
استقالة سفير!!
أنكر “علي كرتي” وزير الخارجية معرفته بأسباب ودواعي تقديم السفير “رحمة الله محمد عثمان” استقالته، خلال حديثه لصحيفة (المجهر) عشية عودة الوزير من دولة الإمارات العربية، حيث كان مرافقاً بطبيعة الحال لرئيس الجمهورية.. وأسباب استقالة السفير “رحمة الله محمد عثمان” يعلمها القاصي والداني، حتى راعي الضأن في البادية يعلم الأسباب التي أرغمت السفير “رحمة الله” على الاستقالة بعد أن تم إنهاء مهمته في نيويورك كسفير للسودان في الأمم المتحدة.. وذلك على خلفية غيابه عن الجلسة التي خصصت لتقرير مدعية المحكمة الجنائية، حيث طلبت السفيرة الغانية من مجلس الأمن وقف التحقيقات بشأن القضية وذلك للضغط بشدة على المجلس لاتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد السودان.. وجرت أحاديث هنا في الخرطوم عن أسباب غياب السفير عن الجلسة التي عدّت مهمة في الوقت الذي قد يشكل غياب مندوب السودان موقفاً من المحكمة ومن تقرير المدعية الغانية.. وقبل أن يعرف صناع القرار الحيثيات التي أدت إلى غياب السفير “رحمة الله” (هرولت) برقية الاستدعاء من الخرطوم إلى نيويورك ليعود السفير وفي النفس شيء من طريقة الاستدعاء وإنهاء المهمة وهو الخبير بدروب وتقاليد العمل الدبلوماسي، ولماذا يستدعى السفراء وكيف!! و”رحمة الله محمد عثمان” سفير له تجربته في الخارجية، ولم يعرف عنه إلا السلوك القويم والأداء المشرف لوطنه السودان.. وحينما أسندت إليه مهمة أخرى آثر الرجل أن يركل الوظيفة وينتصر لكرامته ومهنته وأخلاقه ويترك الخارجية وشأنها إذا كان مثله يتم إنهاء مهمتهم بالطريقة التي اتبعتها الخارجية.
لن يخسر السفير “رحمة الله” شيئاً باستقالته، فأمثاله تفتح لهم أبواب الوظائف في المنظمات الإقليمية والدولية، لكن الخاسر هو السودان ووزارة الخارجية التي برر وزيرها “علي كرتي” تعدد الملفات أمام السفير الواحد لقلة الكوادر العاملة في الوزارة، رغم أن كشوفات التعيين السياسي ترفد الوزارة كل عام بالعشرات من الفاقد السياسي والدستوري.. لكن أمثال السفير “رحمة الله” قلائل، وقل أن يجود الزمان بمثله.
{ “هلال”.. سمحة المهلة
في الوقت الذي زفت فيه ولاية الخرطوم يوم (الثلاثاء) الماضي فرسان الحزب الحاكم للسباق الانتخابي في الدوائر الجغرافية والدوائر القومية وسط حشد جماهيري ضاقت به جنبات ملعب استاد المريخ، صدرت إشارات وتلميحات وأحاديث من مقربين للشيخ “موسى هلال” يتوعدون الانتخابات في شمال دارفور بالاستهداف، وذلك أثناء اجتماعات ونشاط يقوم به الشيخ “موسى هلال” حالياً في بادية شمال دارفور.. والأحاديث المنسوبة لبعض معاوني الشيخ “موسى هلال” وتسريبات الـ(واتساب) التي تتحدث عن غضبة شديدة تعتري زعيم قبيلة (المحاميد) إزاء عدم تقدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في بلدة الجنينة قبل شهر من الآن مع البروفيسور “إبراهيم غندور” نائب رئيس الحزب، فإن تهديدات الشيخ “موسى هلال” إن صحت تعدّ خطوة سالبة جداً في علاقة الرجل بحكومته وتراجعاً كبيراً جداً عن التفاهمات التي جرت بين “هلال” و”غندور” في الجنينة بعد الوساطة التي قادها “الصادق الرزيقي” بين الحكومة وابن عمه “هلال”.
الإنقاذ ترفض سياسات ليّ الذراع، وأية حكومة تحترم نفسها لن تقبل بأن يشترط عليها حزب أو جماعة مهما بلغت من القوة أن تنفذ أمراً ما في مدة وأجل مضروب من قبل تلك الجهة، وحينما يقول “هلال” إنه لن يسمح بإجراء الانتخابات في شمال دارفور إذا لم تفِ الحكومة بالتزاماتها خلال فترة أسبوعين، فإنه يضع بذلك بداية النهاية لعلاقته بحكومته وحزبه الذي رفعه مقاماً علياً، وقد أبلت الحكومة في مساندة الشيخ “موسى هلال” وبذلت له المطارق والحنايا وحملته على أكتافها.. وهو أيضاً نافح عنها منافحة الشجعان وقاتل التمرد بضراوة وجسارة يحسد عليها حتى تقدم وفشل في تحقيق أهدافه.. إن الحالة الراهنة في علاقات “هلال” والحكومة تحتاج لإنقاذ ومبادرة جديدة.. واهتمام أكبر.. وليت الفريق “بكري حسن صالح” النائب الأول أنجز مهمته الراهنة في مروي واتجه إلى الفاشر لعلاج أزمة الشيخ “موسى”، التي كان يمكن للنائب “حسبو محمد عبد الرحمن” التكفل بها والوصول إلى تسوية نهائية لها في غضون ساعة واحدة، لكن انتماء “هلال” و”حسبو” لقبيلة واحدة يجعل الأمر أكثر تعقيداً، لذلك فإن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين “غندور” و”هلال” يمثل خطوة في طريق درء الفتنة وإخماد نيران لو اشتعلت لاحترقت دارفور مرة أخرى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية