انفعالات السياسيين.. بين المكابرة والحماقة
غيرت مجريات الأحداث
تقرير- إسلام الأمين
(انفعال السياسيين) وتصريحاتهم الملغومة واتخاذهم للقرارات لحظة الغضب، أمر يعده الخبراء مهدداً لاستقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في البلاد، خاصة فيما يتعلق بمستقبلها، مؤكدين أن التسرع في اتخاذ القرارات وإطلاق التصريحات لطالما أضر بالسودان في العديد من المحافل الدولية والإقليمية سابقاً، بما في ذلك على الصعيد الداخلي، ليبقى التساؤل قائماً حول إمكانية ضبط النفس عند المسؤولين والسياسيين والقنوات التي يجب أن تمر بها القرارات قبل إطلاقها للرأي العام ومدى تأثيرها على مصالح السودان وشعبه.
• مضمون خاوي:
أخر الانفعالات السياسية في السودان تلك التي أطلقتها حركة العدل والمساواة، مهددة باتخاذ إجراءات تصعيدية في مواجهة الحكومة السودانية، بعد منع رئيسها “بخيت عبد الكريم “دبجو” من دخول القصر الرئاسي دون مبرر بحسب الناطق الرسمي للحركة، وقطعت بأن كل الخيارات أمامها مفتوحة بما فيها العودة لمربع الحرب.
انفعال قيادات الحركة وتهديدها ووعيدها بالرجوع إلى مربع الحرب يراه المحلل السياسي د. “صلاح الدين الدومة” تهديداً لا يحمل أي معنى، وأنه كان بالأحرى أن لا تتسرع الحركة في الإدلاء بمثل هذا التصريح وانتظار تبريرات القصر الجمهوري حول الحادثة، لافتاً إلى أن تهديدها لا يشكل خطراً أو تهديداً للقصر الجمهوري، داعياً إلى ضرورة التريث ودراسة التصريحات والقرارات قبل إطلاقها.
• غضب وتصعيد:
حالات أخرى من الغضب تسببت في أزمات وتصعيد سياسي بين المسؤولين في وقت سابق، منها تقدم وزير الإعلام الأسبق المهندس “عبد الله مسار” باستقالته على خلفية قرار رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” الذي قضي بعودة “عوض جادين” مدير عام وكالة السودان للأنباء، لمباشرة عمله في الوكالة في عام 2012م، حيث كان وزير الإعلام اتخذ قراراً بإيقاف “جادين” وإخضاعه للتحقيق بسبب اتهامه بتجاوزات ارتكبت خلال توليه منصب مدير عام الوكالة، فيما أصدر “البشير” في ذلك الوقت قراراً ألغى بموجبه قرار وزير الإعلام. ووجه القرار وزارة الإعلام ووكالة (سونا) والجهات المعنية بإعادة “جادين” لمنصبه فوراً مع إيقاف كل لجان التحقيق المتعلقة بالأداء في (سونا)، الأمر الذي خلق أزمة ما بين مؤسسة الرئاسة ووزارة الإعلام، مما دفع الرئيس إلى قبول استقالة “مسار”.
ليست الأحداث فقط هي التي تخلق الأزمات بين السياسيين أو المسؤولين في البلاد، وإنما يرى بعض المراقبين أن (كارزمة) أو شخصية المسؤول أو السياسي وطبيعته، هي عامل مساعد في خلق الأزمة ودرجة حدتها، مثل وزير النقل الدكتور “أحمد بابكر نهار” الذي عرف بتمسكه بآرائه، وتصرفاته الحادة،. وتعددت حالات “نهار” في أكثر من موقف ويمكن أن نعزو ذلك إلى طبيعة الرجل الصارمة والتزامه غير خلفيته الأنصارية التي دائماً ما تتسم بـ(المكابرة) في العديد من المواقف. ويحكى أن السلطات في مدينة “بور تسودان” قد اعتذرت له بعدم قيام ندوة لحزبه نسبة لظروف أمنية لكنه لم يقبل ذلك الاعتذار وغادر مكان إقامته إلى منزل معارفه في المدينة، وكما هدد من قبل بتقديم استقالته حال عدم إكمال طريق الإنقاذ الغربي في الوقت المحدد، وتتابعت انفعالات”نهار”، حيث سرت شائعة أنه اعتكف بداره حينما شطرت وزارته إلى نصفين وتم تعيين “عبد الواحد يوسف” وزيراً للطرق والجسور وإبقاء “نهار” وزيراً للنقل.
يبدو أن حالات الغضب في المهام الرسمية امتدت إلى كافة المسؤولين، حيث غادر وزير الصحة بولاية الخرطوم “مأمون حميدة” جلسة مجلس تشريعي الخرطوم غاضباً العام الماضي، بعد أن قدم انتقادات للنواب اعتبرها رئيس المجلس “محمد الشيخ مدني” انتقاصاً من هيبة المجلس.
• آثار سالبة:
التسرع في اتخاذ القرارات يعتبره المراقبون عنصراً أساسياً في تفاقم الأزمات على مختلف الجوانب السياسية منها والاقتصادية، ويرى الخبير السياسي الدكتور “صلاح الدين الدومة” في حديثه لـ(المجهر) أمس، إن الانفعال في اتخاذ القرارات السياسية والتنفيذية سيرمي بظلال سالبة على الدولة بما في ذلك الأحزاب والكيانات، الشخصيات، لافتاً إلى أن ما وصفها بـ(الحماقات) التي يطلقها السياسيون والتنفيذيون سيكون لها أثر سالب على المدى البعيد أو القريب، خاصة إذا ارتبط الأمر بالعلاقات الدولية لأنها ستدخل السودان في نفق جديد من الأزمات الخارجية، مستدلاً بتصريحات الحكومة السودانية في قضية المحكمة الجنائية الدولية التي انعكس سلباً على الخرطوم، ومنع على إثرها عدد من المسؤولين من السفر إلى عدد من الدول.
• قنوات القرار:
كيفية اتخاذ القرار، خاصة التنفيذية منها على مستوى الدولة والمؤسسات الحكومية، تبدو هي الأصعب نسبة لما يترتب عليها من عواقب، هذا ما ذهب إليه خبير علم الاجتماع السياسي والتنمية د. “عبد الرحيم بلال” الذي أشار إلى أن اتخاذ القرار صار علماً يدرس وله مراكز علمية مختصة، تشارك في التحضير للقرارات وجمع المعلومات وتحليل أطراف المصالح المرتبطة بالقرار ونتائجه، غير أنه لفت إلى أن الدول الشمولية يغلب فيها المزاج الانفعالي والنزوات الشخصية في اتخاذ القرار وكأن المؤسسة المعنية ملك خاص، مؤكداً أن هذه الطريقة ستؤثر تأثيراً مباشراً على مجريات الأحداث والمصالح للأفراد والجماعات والمصالح القومية، نتيجة للتعجل في التصريح أو اتخاذ القرار. وأوضح “عبد الرحيم” أن الآثار السالبة دائماً ما تمتد لتشمل المصالح القومية، مشيراً إلى أن الكثير من متخذي القرار يضطرون إلى مراجعة قراراتهم ونفيها في حال أنهم أيقنوا الضرر البالغ الذي يترتب عليها.
• عدم الثقة:
يرى بعض المراقبين أن اتخاذ القرارات نتيجة للغضب يجعل من بعض الجهات تفقد الثقة في الطرف المصرح أو متخذ القرار، كما هو واضح في التصريحات والاتهامات المتبادلة بين الحكومة والمعارضة السودانية. ويشير د. “عبد الرحيم بلال” إلى أن القرارات المستعجلة تعد العامل الرئيسي لفقدان الثقة بين الأطراف السياسية، وتشعل لغة السخرية بين السياسيين لتتصاعد إلى أن تصل إلى مرحلة العداء السافر والتطرف في الإدلاء بالتصريحات، الأمر الذي يؤدي إلى خلل في مؤسسات الأطراف المعنية لتكون نتيجتها الهزل وتضارب التصريحات، الأمر الذي يربك الساحة السياسية.
يبدو أن التسرع والتعجل في اتخاذ القرار وإطلاق التصريحات أمر يصلب شرايين الحراك السياسي والتنفيذي على مستوى الدولة، وربما يقودها إلى التفكك أو يدخلها في دائرة كبيرة من الأزمات المختلفة التي تلقي بظلالها السالبة على الاقتصاد وغيره من ركائز الدولة، هذا بالإضافة إلى أن فقدان الثقة بين الأطراف في محيط الدولة الواحدة، دائماً ما يجعل (السحابة السوداء) تخيم على الواقع السياسي والتنفيذي في السودان.