تقارير

"غندور" في أمريكا للتفاوض حول المنطقتين أم التطبيع؟؟

حديث السبت
يوسف عبد المنان
هل يخدع “موسفيني” الخرطوم بطرد المعارضين؟؟

من أهدر فرصة إعفاء ديون السودان بعد انفصال الجنوب؟؟
المتعجلون لحصد النتائج والمتلهفون لعودة العلاقات السودانية الأمريكية لما كانت عليه قبل 1983م، تاريخ بدء تدهور العلاقات بين البلدين، (يظنون)- وبعض الظن سذاجة وسوء تقدير وبؤس تفكير- أن مجرد عقد لقاءات في واشنطن بين مسؤول رفيع مثل د. “إبراهيم غندور” ونافذين في البيت الأبيض من شأنه إحداث اختراق كبير تعود على أثره العلاقات السودانية الأمريكية إلى ما كانت عليه قبل 1983م، وذلك برفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وإعفاء ديونه لدى مؤسسات التمويل الغربية، صندوق النقد ومجموعة نادي باريس.. وتقف الولايات المتحدة في المنابر الدولية داعمة لحكومة السودان.. هؤلاء مثل من ظنوا أن لقاءً تحت شجرة (أم بيرو) في العاصمة اليوغندية كمبالا بين نائب الرئيس “حسبو محمد عبد الرحمن” والرئيس اليوغندي “يوري موسفيني” سينهي قطيعة سنوات، وتصدر على أثره كمبالا أوامر الطرد لقادة المعارضة المسلحة من مدن كمبالا وجنجا باعتبارهم أشخاصاً غير مرغوب في وجودهم.
نعم، خلال الفترة الأخيرة نشطت دبلوماسية الرئاسة والقصر وقدمت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة لمساعد الرئيس البروفيسور “إبراهيم غندور” لزيارة واشنطن، وذلك قبل إجراء الانتخابات السودانية في شهر (أبريل) القادم، واهتمام الولايات المتحدة بالانتخابات السودانية ضعيف نظراً للموقف المسبق منها.. لكن هل زيارة “غندور” واللقاءات العديدة التي أجراها هناك من شأنها إحداث قدر من الاختراق في جدار الصمت الرهيب الذي يعزل العاصمتين؟ وهل تراكم خلافات امتدت لأكثر من (35) عاماً يمكن تجاوزه في أيام معدودة مهما كانت إرادة الطرفين؟ وهل الإدارة الأمريكية تستطيع الإقبال على تسوية خلافاتها مع الخرطوم دون أن تخوض سلسلة معارك طويلة مع (اللوبيات) النافذة جداً والمؤثرة على الرأي العام، التي بينها والسودان الكثير من العداوات، وحالة شد وجذب؟؟
إن مجرد فتح نوافذ الحوار مع الولايات المتحدة يعدّ خطوة إيجابية، وقد قالت الناطق باسم الخارجية الأمريكية الشابة “ميري هارف” إن المباحثات التي جرت بين واشنطن بدعوة من الحكومة الأمريكية للتباحث حول عدد من القضايا في إطار حوار مع حكومة السودان. وقال “علي كرتي” في الكويت إن زيارة “غندور” لواشنطن تمت بصفته مساعداً لرئيس الجمهورية وليس بقبعة نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية.. وأثارت الزيارة بلبلة في وسط قوى المعارضة والقوى التي تحمل السلاح، وهي من استثمر طويلاً في الخلافات بين الخرطوم وواشنطن، وتتغذى القوى التي تحمل السلاح على ما يتساقط من خسائر العلاقات وتستفيد من المظلة الأمريكية التي وضعت السودان في قائمة الدول المارقة عليها، لكن ثمة مياه جرت في القارة الأفريقية دفعت الولايات المتحدة لـ(التفكير) في إعادة النظر في سياسات سابقة.. وأول الأسباب هو الأوضاع في دولة جنوب السودان التي لها صلة مباشرة بالأوضاع في السودان.. وحالة الانقسامات الشديدة والحرب الأهلية التي حصدت آلاف الأرواح وشردت مثلهم كلاجئين في دول الجوار.. ويعدّ السودان عاملاً مهماً ومفتاحياً في حل القضية الجنوبية. كما أن للنزاع في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور صلة مباشرة بالجنوب.. ومن هنا فإن زيارة البروفيسور “إبراهيم غندور” للولايات المتحدة الأمريكية لها أهمية كبيرة.. والولايات المتحدة قدمت الدعوة لبروفيسور “غندور” بعد قراءة عميقة للساحة الداخلية في السودان، حيث أصبح طبيب الأسنان والنقابي السابق يمثل عمق حركة التيار الإسلامي في السلطة وحل مكان القطبين السابقين د.”نافع علي نافع” و”علي عثمان محمد طه”، وبعد التغييرات الأخيرة أصبح بروفيسور “إبراهيم غندور” قريباً من الرئيس “البشير” وآلت إليه جميع ملفات شؤون الحزب والعلاقات الخارجية والمفاوضات مع حاملي السلاح والتفاوض مع القوى السياسية، واستثمرت الحكومة وحزب المؤتمر الوطني في خصائص بروفيسور “غندور” الشخصية، الذي يحظى بقبول عند الآخر.. وسعة أفق.. وقدرة على التعبير عن نفسه وحكومته.. ولا يستخدم “غندور” لاءات الرفض التي دائماً ما تقود قائلها إلا الطرق المسدودة المسالك غير المفضية للحلول.
وللولايات المتحدة انشغالاتها ومواقفها المعلنة، ويصعب جداً الوصول لتطبيع العلاقات الكاملة معها وتابعيها من الأوروبيين  وبعض دول المنطقة دون الوصول إلى تفاهمات بشأنها وتلك القضايا هي:
(1)    وقف الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور من تسوية سياسية بين الحكومة وحملة السلاح، وتعدّ هذه القضية مهمة جداً ومحورية، فالولايات المتحدة بعد أن أنجزت اتفاقية (نيفاشا) وجدت نفسها أمام حرب جديدة اندلعت بصورة مفاجئة في إقليم دارفور حيث يتحمل الإسلاميون وحدهم (70%) من أسباب الصراع في دارفور، الذي كان صراعاً قبلياً حول الموارد ومجموعات صغيرة تمارس النهب والسلب إلا أن انقسام الإسلاميين (وفر) مظلة سياسية وتم تحوير الاحتجاجات التي كانت موجودة إلى حركة عسكرية وسياسية منظمة.. ووقف الحرب في المنطقتين- أي جبال النوبة والنيل الأزرق- مسألة شائكة جداً، ولن يتحقق ذلك إلا بتراجعات كبيرة من الطرفين.. وقناعتهما بعدم جدوى الحرب واستحالة تحقيق نصر حاسم ونهائي من خلال الآلية العسكرية.
(2)    القضية الثانية التي تقف حجر عثرة في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، هي قضية حقوق الإنسان، حيث تتهم واشنطن الخرطوم بانتهاك حقوق الإنسان والتضييق على منظمات المجتمع المدني.. لكن الولايات المتحدة مواقفها من حقوق الإنسان ليست مبدئية في كل الأحوال، فهناك دول تعدّ أكثر بشاعة في انتهاك حقوق الإنسان، والولايات المتحدة تغض الطرف عنها لاعتبارات مصلحية مثل دولة غينيا الاستوائية الغنية بأجود أنواع البترول في العالم، لكنها من أكثر البلدان في العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان.. وتعدّ الحرب واحداً من أسباب تدهور حقوق الإنسان في أي بلد تغشاها في العالم.
(3)    القضية الثالثة هي مسألة دعم السودان للإرهاب، وهي تهمة قديمة انتهت عملياً بعد أحداث سبتمبر حينما أقدم السودان على تعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة الأمريكية.. ولكن النظام الأمريكي فيه الكثير من البيروقراطية.. فالمناضل الأفريقي “نيلسون مانديلا” أيام كفاحه من أجل استقلال بلاده وضعته الولايات المتحدة في لائحة الشخصيات الإرهابية وظل كذلك حتى نالت بلاده استقلالها وأصبح رئيساً لجنوب أفريقيا ثم شطب اسمه من لائحة الشخصيات الإرهابية.
تلك هي مشاغل الولايات المتحدة، فما هي أولويات الحكومة السودانية وأجندتها في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة؟؟
(1)    رفع المقاطعة والحظر الاقتصادي المفروض على السودان، وهو حظر تضرر من الشعب الذي حرم من الأدوية والعقاقير الطبية الغربية.. وتعطلت القاطرات والسكك الحديدية التي تساهم في نقل المواطنين بأسعار زهيدة.. وحرم السودان وشعبه من التقانة الحديثة، وازدهار البلاد وتطورها رهين برفع العقوبات الأمريكية والمقاطعة.
(2)    قضية الديون التي أثقلت كاهل البلاد، وحالت دون تقدمها وتطورها.. وقد أهدر السودان بسوء تقديره فرصة تاريخية حينما وقع اتفاق السلام مع متمردي الجيش الشعبي عام 2005م، في الحصول على عفو من تلك الديون البالغة في ذلك الوقت حوالي (41) مليار دولار أمريكي، وبلغت اليوم (46) مليار دولار أمريكي.. وحتى بعد أن أصبح انفصال الجنوب واقعاً اختار المفاوض السوداني ممثلاً في د. “صابر محمد الحسن” و”بدر الدين محمود” المعادلة العنصرية، أي يتحمل السودان كل الديون السابقة مقابل أن تتخلى دولة الجنوب عن الأصول الثابتة التي لم تقدر قيمتها في ذلك الوقت.. هل ستبلغ (21) مليار دولار أم لا؟ باعتبار أن ذلك الخيار- أي قسمة الأصول- كان من شأنه تقاسم الديون بين الدولتين مناصفة.
(3)    القضية الثالثة التي تشغل الحكومة هي أن تكف الولايات المتحدة عن استهدافها للسودان في المحافل الدولية.. ومن هنا فإن لقاءات الوفد الحكومي الرفيع في الولايات المتحدة التي استغرقت طوال الأسبوع الماضي تعدّ خطوة نحو خطوات قادمة.. وما تم التباحث حوله في واشنطن ونيويورك لا يمكن أن يبلغ نهاياته قبل عودة “غندور” للخرطوم وعرض عروض الولايات المتحدة للرئيس “البشير” الذي هو من يقرر هل يمضي الحوار وهل من جدوى أم لا؟!
أخيراً.. في الموقف الذي أعلن في كمبالا الأسبوع الماضي بطرد يوغندا للمتمردين السودانيين من أراضيها بعد المباحثات التي جرت بين الرئيس “يوري موسفيني” ونائب الرئيس “حسبو محمد عبد الرحمن” فإن ظلالاً كثيفة من الشكوك تحيط بالموقف.. فهل يلتزم الرئيس اليوغندي بما قال أمام نائب الرئيس أم هو وعد مثل عشرات الوعود التي جاءت على لسانه من قبل وذهبت أدراج الرياح؟ وإذا افترضنا صحة قرار طرد المعارضين فإلى أين يتجهون؟ هل إلى دولة ما وراء يوغندا؟؟ أم لجنوب السودان؟ وما هو تأثير يوغندا أصلاً على الأوضاع هنا بعد انفصال الجنوب وذهابه لسبيله؟؟
{ أحلام النائب البرلماني
عندما يهرول الناس على السلطة حفاة عراة تسقط كثير من القيم وتصبح المروءة ووقار الرجال تحت رحمة السلاطين.. يضعف الناس أمام السلطان ويسترضونه بأشكال من المدح والشعر.. وقديماً كان “أبو الطيب المتنبي” قد مدح “كافور الإخشيدي” قبل أن يعود ويذمه ويصفه بـ(العبد).. ذلك في عصور الانحطاط السياسي قديماً.. وفي العصر الحديث عندما تصبح السلطة ملكاً عضوض.. وتستأثر بها عصبة من أولى البأس الشديد.. تتفشى وسط الطبقة التي تحيط بالحكام أمراض لا شفاء منها، أعظمها خطراً على الإنسانية، الدجل والشعوذة والاستثمار في الدين والتقرب إلى السلاطين والحكام بالمدح الذي يذهب بوقار الرجال.. وقد أقدم النائب البرلماني بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم “كمال حمدنا الله” على شيء لم يسبقه عليه (متملق) من المتملقين، وهو يدعي رؤيا منامية في المدينة المنورة وأن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قد حدثه في الرؤيا عن وزير الصحة بولاية الخرطوم د. “مأمون حميدة”.. قاعة المجلس التشريعي ضجت بالضحك، ولم يبك أحد على حال المجلس والعضو المحترم الذي رأى في منامه الرسول “صلى الله عليه وسلم” واختصه خاتم الأنبياء بأن يبلغ تحيته إلى السيد “مأمون حميدة” فقط.. متجاوزاً الرئيس “البشير” ونواب الرئيس والسيد والي الخرطوم د. “عبد الرحمن الخضر”.. ونسى السيد النائب الحالم في ليلته تلك أيضاً الأخ “عادل محمد عثمان” وزير المالية.. في سنوات مضت أقبل أحد منسوبي القوات النظامية لمدح مديره وقائده في لقاء مشهود.. المادح النظامي قال وهو يقدم الاحتفالية لقد رأيت الرسول “صلى الله عليه وسلم” في منامي يوم أمس يحمل ملفاً ويتجه به إلى مكتب المسؤول فلان للقائه.. وأصبح منسوبو المؤسسة يتندرون بذلك.. هل الملف الذي يحمله الرسول “صلى الله عليه وسلم” إلى المدير هو ملف الترقيات أم الإحالة للصالح العام؟؟ لكن أن يبلغ التمادي في احتقار الإنسان لذاته والنيل من شرف المؤسسات التشريعية بمثل هذا الحديث للعضو “كمال حمدنا الله” فإن الأمر يثير الرثاء لحال الرجل الذي يفترض أن يؤدي واجبه بما يمليه عليه ضميره لا أن تحمله غريزته المصلحية للتعري أمام الشعب بمثل هذا الحديث الذي كان يستوجب اعتذاراً من رئيس المجلس التشريعي “محمد الشيخ مدني”، وأن يطلب من العضو المحترم سحب حديثه من مضابط المجلس حتى لا يكتب ذلك في صحائف التاريخ الذي يشهد على أداء نواب محبذين جداً في تشريعي الخرطوم.. وقد تصدى د. “عبد الملك البرير” وهو نائب رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، ومعتمد سابق بولاية الخرطوم إلى المعتمد اللواء “عمر نمر” بعد نشر صحيفة (المجهر) لقضية المنشور الصادر من مكتب المعتمد بالرقم (11) لعام 2012م، والخاص بغسل العربات في الطرقات العامة.. وقال د. “عبد الملك البرير” إن هذا المنشور باطل دستورياً لأنه صدر من المعتمد دون مروره بالبرلمان الولائي الذي ينوب عن المجالس التشريعية بالمحليات لأنها لم تقم حتى اليوم، وإن تطبيق المنشور يعدّ مخالفة صريحة من المعتمد اللواء “عمر نمر”، وتوعد د. “البرير” بإلغاء المنشور يوم (الخميس) خلال جلسة المجلس.. وإذا كان في برلمان ولاية الخرطوم هناك من يتصدى للجهاز التنفيذي بالمراقبة وتمحيص الأداء والتصدي لكل مظاهر التعدي على القانون، فإن ذات المجلس يضم في عضويته أمثال النائب “كمال” الذي استفادت ولاية الخرطوم من حديثه الذي قال، حيث انصرفت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي الساخر، وبعض الكتاب عن (جقور) جسر المنشية إلى الرؤية المنامية للنائب “كمال”، وربما ضحى السيد النائب المحترم بمصداقيته وسمعته وذمته من أجل صرف الأنظار عن قضية (الجقور) التي ما هي إلا محض خيال لكاتب بإحدى الصحف اليومية (ألبسوها) ثوب التصريح الرسمي لمسؤول في ولاية الخرطوم، وبعد مراجعة تصريحات كل المسؤولين في الولاية اتضح أن أياً منهم لم يتحدث عن (فئران) مسؤولة عن تخريب جسر المنشية.. لكن ما قال به النائب البرلماني المحترم في المجلس التشريعي ثابت في مضابط المجلس.. فهل أمثال النائب الذي يتقرب للوزراء في الولاية هم من يعودون مرة أخرى للجهاز الرقابي؟؟ أم خطبة الرؤية المنامية هي خطبة (وداع) آثر النائب البرلماني أن يودع بها الوزير “مأمون حميدة” ليذهب إلى سبيله.. ويبقي “مأمون حميدة” الذي وصفه الرئيس (بالبلدوزر)؟؟ وبالتالي هذا الوصف سيبقى عليه وزيراً لصحة ولاية الخرطوم على الأقل لخمس سنوات قادمات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية