رأي

مسألة مستعجلة

نجل الدين آدم

كنت شاهداً على تفاصل إحدى جلسات برلمان 2001 المنتخب الذي انتهى بتوقيع اتفاقية السلام الشامل، وهنا أذكر جيداً العضو البرلماني المخضرم “علي أحمد هجانا” من دائرة (ود رعية الجزيرة عرب) بولاية الجزيرة، هذا النائب شخصية فريدة من نوعها وقد حظي بالمشاركة في عدد من البرلمانات لما له من خبرات متراكمة، الرجل يجد التقدير والاحترام من أهل دائرته، وهم مبسوطون منه على الآخر، و”هجانا” أفلح في انتخابات 2010 في حصاد أعلى نسبة تصويت من جملة المرشحين وقد ضرب رقماً قياسياً فكرمته الولاية على هذه الثقة، وطبعاً عمنا “هجانا” معروف عنه اهتمامه بالزراعة والمزارعين، وهذه هي الزاوية التي أهلته لدخول البرلمان شأنه شأن دوائر الخريجين التي كانت تأتي بالبروفات والدكاترة والأساتذة المتخصصين.
في تلك الجلسة التي كنت شاهداً على تفاصيلها كان تقرير لجنة العلاقات الخارجية حول بيان وزير الخارجية على رأس جدول أعمال المجلس الوطني، العضو المحترم رفع أصبعه طالباً الحديث، كل النواب التفتوا إليه في استغراب وهم يسألون أنفسهم ماذا يريد “هجانا” أن يقول عن الدبلوماسية والعلاقات الخارجية وما أدراك ما الدبلوماسية، وهو الشخص المعروف عنه اهتمامه بالزراعة وما تعنيها من مشاكل، رئيس البرلمان وقتها مولانا “أحمد إبراهيم الطاهر” لم يخب آمال النائب في أعطائه فرصة للحديث عن الدبلوماسية!!، بدأ “هجانا” حديثه بشكر رئيس الجلسة على الفرصة ودخل بالطول والعرض في مشكلة ندرة جوالات الخيش ومهددات تلف المحصول الزراعي في “السوكي” وغيرها من المشروعات الكبيرة، العضو قال هل تعلمون أن الحبوب الآن ملاقاة على الأرض تأكل منها الطيور والحيوانات، وقتها استيقظ الصحافيون من على الشرفة التي يتابعون منها الجلسة وبدأوا في التقاط الحديث، فما كان من أحد أعضاء المجلس إلا وأن طلب وعلى إلحاح نقطة نظام وهو يقول بصوت عالٍ (سيد الرئيس نظام)، (سيد الرئيس نظام)، وأظنه كان النائب الشاب “محمد صالح الأمين بركة ” من “غرب دارفور”، فعندما سمح له رئيس الجلسة، قال: سيدي الرئيس نحن نتحدث عن خطاب وزير الخارجية وعن الدبلوماسية وما أدراك ما الدبلوماسية والعضو المحترم يتحدث عن (الخيش) والجوالات والزراعة، فضجت القاعة بالضحكات، فكان رد رئيس الجلسة أن نقطة النظام صحيحة، وطلب من العضو الالتزام بالموضوع، فواصل العضو حديثه بعد ذلك وبلغة سهلة ممتنعة (عفواً سيدي الرئيس وإخوتي النواب أعود من “السوكي” والخيش والمحصول إلى خطاب وزير الخارجية، فقد كان خطاباً جيداً وشاملاً، وأرجو من إخوتي الأعضاء إجازته بالإجماع، وشكراً)، هنا التقط الصحافيون  المانشيتات وهرولوا إلى صحفهم وجاءت العناوين (انعدام الخيش يهدد الموسم الزراعي)، (انعدام الخيش يهدد المحاصيل الزراعية بالتلف)، ولم تتناول صحيفة واحدة تقرير لجنة العلاقات الخارجية، الذي جاء النقاش فيه بارداً وفاتراً، “هجانا” عندما تحدث كان يعرف تجاوزه للائحة المجلس، ولكنه أراد أن يوصل رسالته، ليس للبرلمان ولكنه كان يقصد الصحافيين، ضربت مثلاً بهذه الواقعة للاستشهاد بها لأجد رداً، ماذا يريد المواطن من النائب البرلماني ومتى يجد القبول من قواعده في الحي أو الفريق أو المحلية؟، فعمنا “هجانا” لم يكن بروفيسور ولا دكتوراً تخصص في الزراعة والثروة الحيوانية، بل مزارعاً بسيطاً استطاع وبحصافة أن يفي النيابة حقها في إيصال مسألة مستعجلة لا تحتمل تقديم طلب رسمي لاستدعاء الوزير وتكوين لجنة للنظر وما شابهها من الإجراءات البيروقراطية فأطلق مشكلته على الهواء الطلق، فشتان ما بين هذا النائب وذاك النائب البرلماني الذي حول أسرته كلها إلى الخرطوم وبانتهاء الدورة الأولى لم تعد دائرته الانتخابية هدفاً في زياراته في عطلة المجلس الوطني، وأصبح نائباً برلمانياً لتلك الدائرة النائية بالمراسلة، وأنا أعرف عدد كبير جداً من النواب قد نقلوا حياتهم من القرى إلى خرطوم الفيل، ومنطقة “الصالحة” شاهدة على أن (70%) من النواب تخندقوا بها وباتوا نواباً بالمراسلة، وأخشى ما أخشى من امتلاء البرلمان القادم بنواب المراسلة، فهؤلاء لا يعبرون عن أهلهم بالشكل المطلوب لأن من رأى ليس كمن سمع، نريد أن يتحرك قانون الانتخابات قليلاً وتحدث فيه تعديلات لضبط هذه المسألة إذا أردنا نيابة حقيقية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية