"المهدي" وزع ثروته و"الميرغني" يسعى لتوريث نجله
“الترابي” …في خطبة ما قبل الأجل
تقرير- محمد جمال قندول
قد تكون خطبة الوداع التي ألقاها الأمين العام للمؤتمر الشعبي “حسن الترابي” أمس الأول بالمؤتمر العام لحزب الأمة الفيدرالي، أثارت جدلاً واسعاً أثر على الناس، أو تهيئة الرأي العام مبكراً للرحيل بعد أكثر من (83) عاماً ظل الرجل من خلالها أهم صانع للأحداث في السودان.
يضع الشيخ “الترابي” مشروعه السياسي الجديد في النظام الذي يسعى من خلاله إلى رتق نسيج الأحزاب ولملمة التيارات الإسلامية في كيان واحد، ويجدد دعوته إلى خصومه السياسيين بضرورة توحيد الفصائل المنشطرة في حزب واحد. ويضرب “الترابي” الأمثال بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك حزبين رئيسيين يتنافسان في حكم الدولة العظيمة سيدة العالم لكنهما لا يختلفان أبداً في أمنها القومي أو مصالحها الخارجية، وتلك مبادئ لم تتعلمها دول العالم الثالث بعد.
ولعل “الترابي” الذي يضع اجتهاداته وأفكاره في مواقف عملية أكثر من كونها قولية، يريد أن يكتب وصيته الأخيرة للوطن المأزوم ويرسل رسالته ذات المضامين الواضحة، إلى عدة جهات يستعجل من خلالها مشروعه الجديد للسودان.
الرجل الذي عودنا دائماً على صناعة الحدث أينما ذهب ونطق أضفت تصريحاته أمس الأول صبغة مختلفة على صحف الأمس، وهي تجتمع على خط واحد وإن نقصت أو زادت عدد كلماتها في وصف تصريح الشيخ كما يحلو تسميته، وبدأ “الترابي” كلمته في تلك المناسبة قائلاً: (إن البلاد كثر فيها الخصام ونسأل الله أن ينزل السلام والوئام والرحمة وقد أصابنا بلاء الوطن وامتد إلى أطرافه).
وحديث “الترابي” شكل مادة خصبة للصحف في تباري وصف كلمات الشيخ .
الأحزاب الكبرى
ويبدو أن قامات وقيادات الأحزاب السياسية الكبرى في السودان والذين بلغوا عقد الثمانين في طريقهم لوداع أحزابهم وجماهيرهم، حيث أعلن رئيس حزب الأمة القومي الإمام “الصادق المهدي” في وقت سابق عن توزيعه كل ما يملك حتى يتحرر مما يملك، ويلاقي الله فقيراً حسب تعبيره في خطابه بمناسبة عيد ميلاده، إنه يخطط للتقاعد والاشتغال بالفكر والعمل الدولي وإسناد مسؤوليته في ما يقوم به حالياً إلى مؤسسات وكيان حزبه التي وصفها بالقوية. وأعلن توزيع ما يملك على من تلزمه مؤونتهم وتخصيص بعض من ما يملك لأغراض عامة. وقال: (وسوف تسجل هذه الحقوق لأتحرر من الملكية وألقى ربي في الوقت الذي يختاره فقيراً من المال، فقيراً لرحمته).
بينما بدأ رئيس حزب الاتحادي (الأصل) في طريقه لتوريث نجله السيد “محمد الحسن” الذي ظهر على طاولة المشهد السياسي بصورة مفاجئة، وخلق أجواء من التعقيدات بسبب موافقته على مشاركة الحزب بالانتخابات المقبلة.
وكان رئيس الحزب الاتحادي قد غادر البلاد منذ أكثر من عام وطاب له المقام بالعاصمة الانجليزية “لندن” مسلماً زمام أمور الحزب لنجله، مما يشير إلى أنه بدأ يتحسس أنه مودع وقرر التفرغ لتكوين مستقبل الحزب .
قدموا الكثير للوطن
القيادي بحزب الأمة “فضل الله برمة” رفض قصة الوداع لثلاثتهم. وقال في معرض طرح (المجهر) بأن القيادات الثلاثة “الترابي” و”المهدي” و”الميرغني” قدموا وضحوا والتاريخ السوداني يشهد على ذلك.
وأضاف: ديل قضوا حياتهم في خدمة الوطن وحان وقت أن يستريحوا، لذلك يجب تقدير أدوارهم القيادية.
ورفض “برمة” الحديث بأنهم استنفذوا كل ما بوسعهم سياسياً وقال: كيف لهم أن يواصلوا العطاء وأن نطلق عبارات (ليس لديهم شيء يقدموه) في ظل حكم ديكتاتوري مسلط قضى (26) عاماً وخلق الكثير من الإشكاليات في حق البلاد .
وعن توزيع “المهدي” تركته إبان خطبته الشهيرة بعيد لميلاد قال: الرجل وزع تركته حتى لا تحدث أي مشاكل بين أبنائه بعد أن يتوفاه الله .
مصير الأحزاب
سؤال كبير يمر في عقول المتابع للشأن السياسي في البلاد هل الأحزاب السياسية الثلاثة الشعبي والأمة والاتحادي، قادرة على إيجاد صيغة للنجاح بعد تنحي زعمائهم التاريخيين وما مصيرهم.
الخبير السياسي د. “صلاح الدومة” يرى بأن مصير الأحزاب الثلاثة سوف يكون سيئاً للغاية بعد رحيل القيادات الثلاثة.
وأضاف “الدومة” في حديثه بأن “الترابي” و”المهدي” و”الميرغني” استنفذوا كل ما لديهم ولم يعد هنالك شيء يقدموه ولن يحكموا البلاد في معطيات السياسة الحالية، مردفاً بالقول حول مصير الأحزاب بأنها سوف تكون كمصير ليبيا والتي انهارت بعد أن حكمها “القذافي”، ليس لأن الذين خلفوه غير مؤهلين ولكن لأن “القذافي” لم يترك شيئاً ليحكموه، مما ينطبق على حالة الأحزاب الثلاثة بسيطرة الزعماء التاريخيين لها على زمام الأمور .
انتهت أعمارهم السياسية
القيادي بالحزب الاتحادي (الأصل) “علي نايل” وصف أعمار القيادات الثلاث بأنها انتهت ويجب إفساح المجال لجيل واعد، يستطيع مجاراة الأمور الوطنية والفكرية والتنظيمية.
ونفى نية توريث “الميرغني” الحزب لنجله “الحسن” واتهم بأن المؤتمر الوطني هو الذي جر نجل “الميرغني” للانتخابات، بواسطة “أحمد سعد عمر”، مشيراً إلى أن “الميرغني” فضل الصمت والابتعاد إزاء ما يحدث في الساحة السياسية بمجملها الآن.
وعن حديث “الترابي” قال “علي نايل” بأنه لا يستطيع الحكم على شخصية مثل “الترابي” والذي وصفها بالمتقلبة وغير الثابتة على مبدأ، بينما أشار إلى “المهدي” خارج البلاد وإمكانية الحكم على وضعه صعب للغاية.
تخطيط للمستقبل
بينما استنكر القيادي بالمؤتمر الشعبي “كمال عمر” وصف خطبة “الترابي” وتشبيهها بأنها وداعية. وقال لــ(المجهر) بأن كلمة “الترابي” الأخيرة في مؤتمر حزب الأمة الفيدرالي تعد من أروع الكلمات في الساحة السياسية في الآونة الأخيرة. وأشار “عمر” إلى أن حديث “الترابي” الأخير لا يعدو كونه تخطيطاً لمستقبل البلاد وحل إشكالاتها. واستطرد قائلا: (الرجل تحدث عن أزمة البلاد ومبررات التجارب الانقلابية السابقة وعدد من القضايا وإمكانية علاجها وأيضاً تحدث عن أصول الدين وتوحيد الأحزاب ورؤية لعلاج الأزمات مستقبلاً).
وأضاف “عمر” في حديثه إلى أن “الترابي” شخصية لا تعرف اليأس، ودائماً ما يخطط للأمام منذ أن كنا تلاميذه، يخطط لكل شيء. واسترسل بقوله: (الرجل خطبته كانت عبارة عن تخطيط للمستقبل والأعمار بيد الله).
ويواصل “كمال” حديثه وأشار إلى أنه لا يستطيع الحكم على حالة توزيع “المهدي” لثروته و”الميرغني” ووضعه السياسي، ولكنه يستطيع التحدث عن “الترابي” الذي عرفه عن قرب، مشيراً إلى أن “الترابي” ليس لديه مالاً ولا ثروة، هو رجل يعمل لآخرته ويحاول إخراج البلاد من الأزمات الكثيرة. ويكفي أنه السياسي الوحيد الذي خرج للعلن وتحدث صراحة عن أزمة الحرب المشتعلة بجنوب السودان وحملها للدولة السودانية.
ويضيف “كمال” واصفاً شخصية “الترابي” بالنشطة جداً وقال: هو شخصية نشيطة ويواصل جميع الأحزاب السياسية وهميم بحال البلاد، وخطبته الأخيرة كانت نتاج حزن على المعوقات التي تواجه الشعب والسياسة السودانية، وهو لا يعرف الملل ونشيط جداً خاصة في الآونة الأخيرة.