الشائعات… الموت والمرض على حبال (عنكبوت) الإعلام الموازي
لم ينج منها الرئيس و”الترابي” وكبار الفنانين..
تقرير – محمد إبراهيم الحاج
ثمة ظروف موضوعية و(حقيقية) أدت إلى أن تكون (الشائعات) بكافة أشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية لاعباً مهماً في الحياة السودانية لا يمكن تجاوزها في أي فعل أو حركة تنتظم المجتمع، فاستحداث إعلام موازٍ مثل (الفيس بوك والواتس آب) وغيرهما من المواقع الالكترونية خلاف لما هو سائد من أشكال الإعلام التقليدي (صحافة وتلفزيون وراديو ومحطات فضائية) منح للشائعات مرتعاً خصباً يمكن أن تنتشر فيه بسهولة فائقة، فكل شخص يملك هاتفاً ذكياً يمكن أن يكون منصة لإطلاق شائعة تتناول شخصية عامة أو جهة سياسية، فيما تتكفل المواقع الاسفيرية بنقل ما استحدثه عقل و(أصابع) مطلق الشائعة، إذاً انتشار الشائعة بات لا يحتاج سوى الاشتراك في عدد من مجموعات (الواتس آب) و(فتل) قصة محكمة تطال إحدى الشخصيات وتكون أقوى أثراً في حال ارتبطت بقضية عامة، كما أنه من الممكن أن تكون أكثر انتشاراً في حال كانت مصحوبة ببعض الصور التي تمت حياكتها بتقنية (الفوتوشوب) للتوائم مع الشائعة.
بمثلما كان للتكنولوجيا منافعها الجمة في تقريب الاتصال بين الناس وسهولة نقل المعلومة وجعلها العالم قرية صغيرة، إلا أن من أكثر المضار التي تسللت إلى الناس وخاصة السودانيين في الفترة الأخيرة أنها كانت مسرحاً مفتوحاً لنقل الشائعات وترويجها، شائعات سياسية واجتماعية ورياضية وفنية وثقافية وغيرها كان أثرها سيئاً على الحياة في السودان بالشكل الجماعي والفردي، وأصبح كل شخص عرضة للشائعات وانتهاك خصوصيته وجعلها نهباً لأعين السابلة في الفضاء الإعلامي الموازي والاسفيري، وربما أن تعدد هذه الشائعات وأثرها على المجتمع والناس دعت جمعية حماية المستهلك إلى إبداء قلقها البالغ إزاء تكاثرها، ولهذا فإنها أطلقت أمس الأول مبادرة (دعه يتوقف عندك) لمحاربة شائعات الوسائط الإلكترونية “فيس بوك” و”واتس آب”، خاصة المتصلة باحتياجات الناس الاستهلاكية، وشائعات وفيات المشاهير، مشددة على أهمية وقف هذه الظواهر لتأثيرها السلبي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وأعلن الأمين العام للجمعية “ياسر ميرغني”، عن تشكيل آلية مشتركة تضم عدداً من الجهات المختصة، لمحاربة الشائعات عبر الوسائط الإلكترونية، التي أثرت سلباً على المواطن خاصة فيما يتعلق بحوائجه من السلع الاستهلاكية، وكشف عن زيادة عدد الشكاوى والبلاغات في هذا الإطار، الأمر الذي يتطلب تكثيف الجهود وحسم هذه الظواهر.
شائعات سياسية..
قادة السياسة أكثر عرضة للشائعات التي تتنوع مع التغييرات المتتابعة في المشهد السياسي السوداني، ولعل الشائعات قد طالت رئيس الجمهورية نفسه أثناء إجرائه عملية جراحة في مستشفى (رويال كير)، وهو الأمر الذي دعا مستشاره الصحفي وقتها ” عماد سيد أحمد” للرد عليها عبر الصحف، كما أن شائعات الموت سبق وأن طالت زعيم حزب المؤتمر الشعبي “د. حسن الترابي” الذي نقلت كثير من المواقع نبأ وفاته خلال وقت سابق، ولكن كعادته الساخرة ابتسم الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور “حسن الترابي” لسماعه شائعة وفاته التي سرت (الاثنين) في مواقع التواصل الاجتماعي بالانترنت (الفيس بوك)، قبل أن يسارع أعضاء حزبه لنفيها في الصفحة الرسمية للمؤتمر الشعبي على الموقع الإلكتروني، وتزامن انطلاق الشائعة مع أداء “الترابي” لواجب العزاء في ضاحية بري بالخرطوم.
الفنانون يموتون كل يوم بالشائعات
أكثر من تعرض ولحد القلق من تكاثر شائعات الموت هم قبيلة الفنانين الذي لا يكاد فنان سوداني لم يتعرض لها، فقبل سنوات من رحيلهم تعرض “محمد وردي”، “محمود عبد العزيز” و”زيدان إبراهيم” إلى شائعات موت متتابعة تأثر بها الناس كثيراً، وذات الأمر تجدد خلال الفترة السابقة مع “محمد الأمين”، “أبوعركي البخيت”، “كمال ترباس” و”النور الجيلاني”، ومن النجوم العرب “سمير غانم” و”عادل إمام” الذي كانت تخرج كل فترة وأخرى شائعة تؤكد وفاة الممثل حتى أصبح لا يكترث لنفيها، ولكن لما كثر الأمر عليه سخر بقوله: “خائف عندما أموت فعلاً لا أحد يصدق ويعتقدون أنها شائعة مثل التي تخرج يومياً، وألا يحضر أحد جنازتي، خاصة أنني مت عشرات المرات حتى الآن، وقرأت نعيي بنفسي”.
شائعة الايبولا في الخرطوم
الطفلة التي نقلت على عجل من ولاية الجزيرة وأدخلت مستشفى (إبراهيم مالك) بسبب النزيف الحاد الناتج عن إصابتها بالملاريا خلال الشهور الماضية كانت سانحة لا تفوت على مروجي الشائعات خاصة وفاة السوداني بـ”ألمانيا” بعد إصابته بمرض (الإيبولا) القاتل والأعراض التي صاحبت مرض الطفلة التي أدخلت مستشفى (إبراهيم مالك) ظن المواطنون أنها أعراض الإصابة بـ(الإيبولا)، ففزع المواطنون والمرضى والمرافقون لا لشيء إلا لانتشار شائعة مرض (الإيبولا) القاتل. كما أن بطون الأجهزة الذكية تمتلئ عن آخرها بصور يصورها مطلق الشائعة أنها لشخص مات مدخناً حيناً، وآخر أسود وجهه عند وفاته لأنه ترك الصلاة، وصور لأطعمة يقولون إنها فاسدة مصحوبة ببعض حياكات (الفوتوشوب). يقول أستاذ علم الاجتماع “د. خضر الخواض” لـ(المجهر) إن الشائعة كما تم تعريفها في بحث على موقع منتدى الأنثروبولوجيين والاجتماعيين العرب، هي (الأحاديث والأقوال والأخبار والروايات التي يتناقلها الناس دون تأكد من صحتها وقد يضيفون إليها بعض التفاصيل الجديدة وقد يتحمسون لما يرونه ويدافعون عنه بحيث لا يدعون السامع يتشكك في صدق ما يقولون).
وبحسب ما ورد في نفس البحث، (أن الشائعة ظاهرة نفسية لها دلالة ولها معنى ولها دوافع خاصة، وأن الشخص الذي يروج للإشاعة يهدف أحياناً لبث القلق والرعب في نفوس أفراد المجتمع رغبة في تحقيق أهدافه أو أحلامه وهي تكون بمثابة التنفيس عن هذه المشاعر)، لافتاً إلى أن التكتم الذي تمارسه بعض المؤسسات على الحقائق من شأنه أن يهيئ أجواء مثالية لتوالد الشائعات ومن ثم انتشارها، مستبعداً في ذات الوقت القدرة على محاربة الشائعات في الوقت الحالي لعدة أسباب أهمها الانتشار الكثيف لأجهزة المحمول الذكية التي اعتبرها السبب الأول في نقلها وانتشارها.
أما الخبير الأمني العميد “حسن بيومي” فيوضح أن المناخ السوداني أصبح مواتياً لانتشار الشائعات بين المواطنين “لأن ما يتناقل بين المواطنين أصبح نصف الحقيقة وبالتالي يحاول الجميع استكمال ما تبقى من النصف الآخر”، ولفت إلى ما ظلت تلعبه بعض الوسائط الإعلامية من المساهمة في انتشار الشائعة، وأضاف “بمجرد وضع شائعة في موقع إلكتروني أو مدونة فإنها تصبح من الأخبار العامة ويفشل المسؤولون في نفيها بالطرق العادية”، لكنه أكد أن إظهار الحقيقة فور وقوع الأحداث سيساعد على وأد الشائعة في مهدها.
العقاب الجنائي لمطلق الشائعة..
رغم أن الشائعة تحدث أثراً نفسياً بالغاً على الشخصية المستهدفة بالشائعة، إلا أنه لا توجد نصوص صريحة في القانون الجنائي السوداني تعاقب مطلق الشائعة بحسب المستشار القانوني والمحامي “طارق الأمين” الذي أوضح لـ(المجهر) أمس أن القانون لا يعاقب مطلق الشائعة إلا إذا تسببت في تلف الشخص أو المال، مضيفاً أنها تعتمد على الأثر الذي تحدثه، لافتاً إلى أن القانون لا يهتم كثيراً بالأشياء المعنوية، وأوضح “الأمين” أنه لم تمر به واقعة محاكمة مطلق شائعة من قبل، ولكن هناك بعض المواد التي تتعلق بالشائعة نفسها يعاقب عليها القانون منها (القذف) الذي يعاقب به جنائياً و(مواد اشانة السمعة) التي ترتبط بالطعن في أخلاقيات الشخص، وتابع الأمين: لفظ (شائعة) لم يرد في القانون الجنائي ولا يتعامل معه كجريمة.