أخبار

إطفاء شمعة

أغلقت السلطات المسؤولة عن الثقافة في البلاد دار اتحاد الكُتاب السودانيين وألغت تسجيله، وبذلك أطفأت شمعة ضوء في ليل السودان الطويل الموحش.. لا منابر للشعراء ترطب الأكباد .. ولا مسرح يعالج حالات اليأس والإحباط في الشارع العريض، ولا جديد في دنيا الغناء والطرب يجدد مسارب الفرح في النفوس الكئيبة.. أغلقت وزارة الثقافة دار اتحاد الكُتاب ولم يحدثها ضميرها بأن ذلك من فعل سنوات القحط والجفاف في عالم تلاشى للأبد.. الكتاب أصبح هاتفاً سياراً بثمن بخس وجلسات الأنس بين الصحاب مجموعة في (الواتساب).. وحسابات في (الفيسبوك) والدور التي تفتح أبوابها لا تعدو مقاهي للأفراح وتزجية الفراغ إن وجد بلعب الورق والضمنة!! ووزارة الثقافة التي أغلقت دار الكُتاب لا تأبه كثيراً للإدانات الدولية التي تنهال على البلاد جراء تلك الفعلة.. وعدد كبير لا يأبهون مطلقاً للإدانات الأممية، وحتى القرارات الصادرة من مجلس حقوق الإنسان.. في العام الماضي تحدثت لمسؤول حكومي يتولى منصباً وزارياً رفيعاً، وله نفوذ عريض داخل الحزب الحاكم عن ضرورة تخفيف الإجراءات التي تتخذ بحق وسائل التعبير.. وأن تجعل الدولة القضاء مستقلاً ورقيباً على الجهاز التنفيذي والبرلمان له سلطات حقيقية والصحافة حرة.. حتى لا يعود السودان مرة أخرى لعصر الرقابة المباشرة والوصاية من قبل مجلس حقوق الإنسان، قال ضاحكاً وبسخرية شديدة.. هل الفصل الرابع والثالث يستطيع إسقاط الحكومة؟؟ قلت لا .. قال وهل يستطيع مجلس الأمن أن يتدخل في السودان مثل العراق؟؟ قلت لا.. ثم أضاف ما هي قيمة الإدانات الورقية التي تصدر من مجلس حقوق الإنسان إذا كانت لا تسقط الحكومة؟؟
بعض المسؤولين يعتقدون بأن أي فعل لا يسقط النظام لا قيمة له.. وأن الإدانات الدولية وتشويه سمعة البلاد شأن لا يضير الحكومة في شيء.. وإن صورة السودان في المحافل الدولية شأن يخص المترفين والحالمين.. وإن السودان يمكن العيش لوحده وبطريقته الخاصة.. وهؤلاء هم من يتخذون قرارات إغلاق المراكز الثقافية والأندية.. وتجمعات المثقفين الذين مهما كان موقفهم من النظام رفضاً ومعارضة، فإن ذلك أخف ضرراً من الخروج من البلاد.. وفي العام الماضي بذلت شخصياً مع الأخ “محمد عبد القادر” رئيس تحرير (الرأي العام)، جهوداً مضنية لعودة شاعر وأديب كان قريباً من “مالك عقار”.. وبسقوط الحركة الشعبية في النيل الأزرق واندلاع الحرب خرج لإثيوبيا وحصل على تأشيرة دخول لإحدى الدول الأوروبية.. جلسات طويلة جمعتنا بالشاعر والأديب.. ولكن استجابة المسؤولين في الدولة كانت ضعيفة.. وهم يحدقون في وجوه الذين يحملون السلاح.
جزء من أسباب الاستقرار الداخلي لأعداد كبيرة من المعارضين أن يجدوا في بلادهم فرصة للتعبير عن ما في نفوسهم.. يكتبون في الصحف ويقولون أشعارهم في المنابر.. ولا تضيق بلادهم بهم حتى لا تصبح الهجرة هي الملاذ والمتكأ الوحيد.. عندما يضيق السودان بأهله تفتح بلاد أخرى ذراعيها لهم وتتعمق أزمات بلادنا.. وينشأ جيل من المحرومين والمطرودين والمشردين قهراً عن وطنهم.. وهؤلاء سيكون لهم استعداد فطري للعودة لوطنهم من أي غازي أجنبي.. أو مغامر عسكري.. نعم.. “الطيب حسن بدوي” مثقف وإنسان يفيض رقة وعذوبة، وسياسي يمضي بخطى واثقة للارتقاء لموقع أرفع من وزير الثقافة، ولكن أن يكتب في عهد “الطيب حسن بدوي” إغلاق مراكز الثقافة ودور اتحادات الكُتاب لهو فعل موجع جداً.  ويـأسى المرء كثيراً أن يحدث ذلك باسم وزارة معنية بالثقافة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية