شهادتي لله

انتقال السلطة في السعودية.. التراتبية المدهشة !!

الانتقال الناعم والسلس للسلطة في المملكة العربية السعودية وغالب دول الخليج العربي المحكومة بنظم (ملكية – أميرية) مقابل العنف المفرط والتوترات التي صاحبت وتصاحب عملية الانتقالات في النظم (الجمهورية) بما في ذلك الأنظمة (الديمقراطية) في الدول العربية والأفريقية، ظاهرة تستحق الدراسة والمتابعة والتأمل.
قبل وفاة الملك “عبد الله بن عبد العزيز” – رحمه الله وتقبله قبولاً حسناً – بأشهر، أصدر جلالته أمراً بدا غريباً للمراقبين وهو تعيين (ولي لولي العهد)، وسمي الأمير “مقرن بن عبد العزيز” للمنصب المستحدث.
انتقل خادم الحرمين الشريفين إلى رحاب الله في الواحدة من صباح أول أمس، ومع بيان الديوان الملكي الذي نعى الملك “عبد الله” أذيع بيان مبايعة ولي العهد الأمير “سلمان بن عبد العزيز” ملكاً للمملكة العربية السعودية، وفي ذات البيان دعا الملك الجديد إلى مبايعة (ولي العهد) الأمير “مقرن” الذي كان قبل إعلان الوفاة (ولياً لولي العهد)!!
ورغم انشغال الملك “سلمان” والديوان والأمراء والأسرة وكل مؤسسات المملكة الرسمية والشعبية بمراسم دفن الملك الراحل، إلا أن ذلك لم يمنعهم من توالي إصدار الأوامر الملكية لترتيب وضع الحكم الجديد، وإذاعتها خلال ساعات قليلة من بث نبأ الوفاة!!
قرار بتعيين وزير جديد للدفاع ورئيس للديوان الملكي وهو الأمير “محمد” نجل الملك سلمان،  وقرار بتعيين ولي لولي العهد وهو الأمير ” محمد بن نايف بن عبد العزيز ” إضافة لاحتفاظه بمنصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.
وهي المرة الأولى التي يترقى فيها أحد (أحفاد) الملك المؤسس “عبد العزيز” إلى مرتبة ولاية العهد، فقد ظل الأمر حكراً على (الأبناء) وما يزال فيهم من الأحياء من لم يصل لمقام الملك أو ولي العهد أو ولي ولي العهد، ولكن يبدو واضحاً أن الأسرة الحاكمة مع رأي هيئة البيعة، وضعت لعامل الزمن اعتباره وحسبت أعمار المتبقين من (عيال عبد العزيز) كما يحب السعوديون أن يقولوا، فوجدت أنه إذا طال عمر أحدهم بعد مغادرة الملك “سلمان” بسبب الوفاة أو العجز، ومن بعده الأمير “مقرن”، فلن يكون مناسباً أن يتولى أحدهم الحكم، ولهذا نقلوا السلطة إلى (الأحفاد) مع أن أولهم الأمير “محمد بن نايف” قد ينتظر طويلاً ليصبح ملكاً، والأقدار بيد الله.
وقبل أن يتولى الأمير “محمد” منصب وزير الداخلية، ظل عمه الأمير “أحمد” نائباً لوزير الداخلية من العام 1975 وحتى العام 2012 وبعدها تولى الوزارة لمدة قصيرة!! تأمل في هذا الدأب والصبر الطويل على مقعد (نائب وزير) ، وغالبية الأمراء يبقون لسنوات طويلة في إمارة منطقة أو وكالة وزارة أو وزارة.
عندنا في السودان يعين الشخص (معتمداً)، فإذا ما قضى (ستة شهور) بالمحلية، بدأ يفكر ويدبر ويتآمر ليصبح (والياً) !! وهكذا الحال في الوزارات، الإدارات، البنوك، الشركات، الأحزاب السياسية والجرايد !!
هذا ما جرى في السعودية أغنى دولة عربية وأكبر منتج للبترول في العالم، وثرواتها يمكن أن تكون مصدر (فتنة) ونقمة بين أفراد الأسرة الحاكمة، وكلما زاد المال افتتن شركاؤه ولو في (دكان) في “سوق ليبيا”.. أليس كذلك؟
لكنها الحكمة والمسؤولية وبعد النظر.. ذات الحكمة التي جعلت الشيخ  “حمد” أمير قطر يتنحى في أوج سلطانه ويفسح المجال لابنه شيخ “تميم” المولود في الثمانينيات ليكون حاكماً على الدولة !!
إذن انتقال السلطة في السعودية مرتب تماماً – إذا شاء الله – لعشرين أو ثلاثين عاماً قادمة !!
أنظروا للمفارقة .. في أم درمان أمس أعلن فصيلان اتحاديان مهمان اندماجهما في حزب واحد اسمه (الوطني الاتحادي الموحد) !! لماذا كل هذا التطويل في الاسم ، فلا داعٍ لكلمة موحد مثلاً أو اتحادي مثلاً . . كلاهما بمعنى واحد؟ لكنها طريقتنا السودانية في إرضاء الطرفين.
ثم تابع معي – عزيزي القارئ – العجب العجاب، فقد اتفق الطرفان (فصيل السيد “صديق الهندي” والسيدة “جلاء الأزهري” على أن يكون كلاهما (رئيس) للحزب!! هل سمعتم في كل أحزاب أوربا وأمريكا – أرباب الديمقراطيات – برئيسين لحزب واحد؟! ما الذي كان أن يمنع الأخ “صديق” أن يكون نائبا للأخت “جلاء ” أو أن تكون “جلاء” أميناً عاماً، بينما “صديق” رئيساً ، مثلما قبل الأمير “أحمد” أن يكون نائباً للأمير “نايف” أكثر من (35) سنة !!
المشهد ذاته يحدث كل يوم في كل أحزابنا السياسية، بل في أوساط السادة (المناضلين) و(الثوار) في حركات التمرد بالخارج، وحدث في مجرد لجنة للحوار الوطني (7+7)، لا مال فيها ولا بترول، فقد احتربت أحزاب المعارضة المحاورة، ورفض عضوان فكرة تبديلهما في اللجنة !!
بئس سياستنا وتعدديتنا وديمقراطيتنا من السودان إلى لبنان التي عجزت طائفتها (المارونية) المسيحية عن تقديم مرشح واحد للرئاسة لنحو عام، والرئاسة معقودة لهم في أعراف الحكم اللبناني بينما رئاسة الوزارة للسنة ورئاسة البرلمان للشيعة، وحال الديمقراطية في مصر معروف وحالها في تونس مشهود، واليمن السعيد صار حزيناً مقسوماً بين (القاعدة) و(الحوثيين)!!
هنيئاً للسعوديين استقرار حكمهم وحكمة حكامهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية