إلى متى يستمر هذا النزيف ؟!
وضع مؤسف.. ومحزن.. ولا يبشر بخير، هذا الذي تعيشه أحزابنا السياسية وحركاتنا المسلحة المتمردة والأخرى الموقعة على اتفاقيات السلام.
قبل أيام أقال رئيس حركة ( التحرير والعدالة ) الدكتور ” التيجاني سيسي” عبر هيئته القيادية الأمين العام للحركة “بحر إدريس أبوقردة”، فلجأ الأخير للمجلس الثوري الذي ناصره وأقال رئيس الحركة !!
“السيسي” لم يكن مقاتلاً في الميدان ولم (يطلع الجبل)، لكنه كان (المظلة) السياسية اللائقة والمحترمة لعدة فصائل متمردة، فقبلت التوحد خلف قيادته تحت ضغط الوسطاء في “الدوحة” الذين كانوا يشجعون وحدة الحركات وفريق التفاوض لتيسير الوصول لاتفاق، فتشكلت حركة (التحرير والعدالة) برئاسته وهو من هو، أحد كبار خبراء الأمم المتحدة والمسؤول الرفيع بالمجلس الاقتصادي للمنظمة الدولية بأديس أبابا.
غالبية الحركات تفتقد لقيادات ذات تأهيل سياسي وثقافي وأكاديمي عالٍ بمستوى دكتور “السيسي”، ولهذا مثل الرجل أداءً ولوناً مختلفا ميز (التحرير والعدالة ) في نظري كمراقب، عن بقية حركات الرجرجة والدهماء وقطاع الطرق ونهابي البنوك والأسواق.
كنت حاضراً لحفل توقيع الحركة لاتفاق سلام دارفور من داخل قاعة (شيراتون الدوحة)، وكان “السيسي” نجم الليلة بلا منازع، رغم حضور رؤساء السودان، تشاد وإريتريا وأمير قطر، وممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومناديب أوربا وأمريكا .
وأحرز “السيسي” هدفاً سياسياً ذهبياً في شباك وفد الحكومة عندما رفض، والوفود في طريقها نحو القاعة، الموافقة على مقترح الحكومة بتسمية أعضاء السلطة الإقليمية لدارفور بـ (سكرتيرين) وأصر على أن يكونوا (وزراء) إقليميين. وافقت الحكومة وكان لابد أن توافق وتستجيب لوساطات كبار الضيوف الذين تكبدوا المشاق وجاءوا من بلدانهم للمشاركة في الاحتفال .
ولهذا بلغ التوتر والرهق مبلغاً برئيس الوفد الحكومي يومها الدكتور “غازي صلاح الدين” وكذا الدكتور “أمين حسن عمر”، فتلا “غازي” خطاب الحكومة وكأنه يقرأ من كتاب (مطالعة) بعجلة وضيق واضحين، حتى إذا ما جاء “السيسي” إلى المنصة بمعنويات عالية، تفنن في الخطابة وأبدع، محيياً الرؤساء والأمير .. وشاكراً لكل واحد منهم في فقرة منفردة.
ذكرني “السيسي” يومذاك بالراحل الأديب العميد “عمر الحاج موسى” وزير إعلام الرئيس “جعفر نميري” رحمه الله، وهو يخطب خطبته الشهيرة.. الجهيرة في قاعة الصداقة التي فارق بعدها الحياة !!
رجل بقدرات وإمكانيات “التيجاني السيسي” الذي كان قيادياً مهماً بحزب الأمة في أوج قوته في ثمانينيات القرن المنصرم وشغل منصب حاكم دارفور الكبرى، لا ينبغي أن يشاكسه ويفصله نفر من مستجدي السياسة، وتعلمجية الحركات، مع احترامنا وتقديرنا للأخ وزير الصحة “بحر أبوقردة” ورؤيته ومواقفه.
رجل يحترمه الإمام “الصادق المهدي” ويهتم به، ويشهد له الرئيس “البشير” في محفل عام بأنه (أستاذه) في كلية القادة والأركان، كان المفروض أن تلتف حوله كل الحركات التفاف (الحيران) بشيوخهم في الطرق الصوفية.
لكنه حال الفوضى الذي يضرب كل أحزابنا وحركاتنا السياسية، فقد عادت (الطائفية) من جديد، وطغت ( القبلية) بوجهها السافر القبيح، وما حدث بحزب (الاتحاديين) الكبير خلال اليومين الماضيين من إهمال (نجل) مولانا “الميرغني” لهيئة قيادة الحزب وتكليفه لأشخاص دون علم وموافقة الهيئة ومشرفي الولايات ليخوضوا الانتخابات، ليس إلا دليلاً على التردي السياسي الذي تشهده البلاد.
إلى متى يستمر هذا النزيف؟!!