كيف تحكمون
مواقف الحكومة السودانية خلال السنوات الماضية تجعل حتى كبار قادة النظام في دهشة وحيرة من أمرهم كيف صنعوا بعض المواقف.. ولماذا تم إقرار بعض السياسات.. في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي عندما انشقت الحركة الشعبية وتصدعت بين تيارين الأول رفع رايات الاستقلال عن السودان والثاني تمسك بوحدة البلاد.. هرولت الحكومة مسرعة الخطى لاحتضان التيار الانفصالي في الحركة الشعبية بقيادة د.”رياك مشار” و”كاربينو كوانين” و”رياك قاي” وبقية العقد الانفصالي الذي سمي حركته حينذاك بحركة استقلال جنوب السودان وأغدقت عليهم الحكومة الوظائف والامتيازات وحصدت ثمرت احتضان الانفصاليين براميل من النفط في ولاية الوحدة التي سيطر عليها الانفصاليون الجنوبيون ولكنها لم تحافظ على تحالفاتها مع الانفصاليين ودفعت بعضهم دفعاً للعودة لأحضان د.”جون قرنق” وعندما وقعت اتفاقية نيفاشا 2005م اختارت حكومتنا أو صناع القرار والنافذون في مفاصلها دعم ومساندة التيار الراديكالي في الحركة الشعبية من دعاة الانفصال وحاربت وباغضت الوحدويين في الحركة وخاصة ما يعرف بأبناء “جون قرنق” وانتظرت الحكومة (الشماتة) في الشماليين الذين ساندوا الحركة ووقفوا معها أكثر من انتظارها أن تتحقق الوحدة.. ووضعت المتاريس في طريق التيار الوحدوي في الحركة الشعبية حتى ذهب الجنوب إلى سبيله.. ولم تتحسب الحكومة مطلقاً لتبعات الانفصال حين كان بيدها أن تشترط على الحركة الشعبية حسم القضايا الخلافية كترسيم الحدود.. والوصول لاتفاق بشأن النفط.. ومصير قطاع الشمال في الحركة الشعبية.. واستيعاب وإدماج المقاتلين من أبناء النيل الأزرق وجبال النوبة كشرط وجوب للوفاء بالاستفتاء والاعتراف بنتائجه.. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث..
لتندلع الحرب في المنطقتين وتخسر حكومتنا ثلث أرضها و(60%) من مواردها النفطية ولم يتحقق السلام وتتوقف الحرب.. والتي حينما اندلعت رفضت حكومتنا فتح معسكرات للنازحين لاستقبال مواطنيها من المنطقتين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في وجه عاصفة حرب جديدة فرضت عليهم مغادرة مناطقهم.. ولما رفضت الحكومة إقامة معسكرات للنازحين داخل مدنها خوفاً من تكرار تجربة دارفور.. ذهب النازحون لأحضان دولة الجنوب والتي أصبحت معادية لدولة الشمال ليصل عدد اللاجئين من المنطقتين اليوم في الجنوب (93) ألف لاجئ وفق تقديرات الأمم المتحدة إضافة لعدد (15) ألفاً من العسكريين من أبناء الشمال فرضت عليهم نصوص اتفاقية الترتيبات الأمنية والعسكرية الانتشار جنوباً كل هؤلاء اليوم من اللاجئين والعسكريين القدامى تستخدمهم دولة الجنوب سلاحاً بيدها لإلحاق الأذى والضرر بدولة السودان والتي قدمت خلال الفترة الانتقالية أصدقاءها من قوات الأنانيا ومليشيات “فاولينو ماتيب” طعماً مجانياً للحركة الشعبية..
وتتمادى النخب السودانية القابضة على مفاصل القرار والتي بيدها الآن مصيرنا نحن السودان في الأخطاء الكارثية وترفض في موقف لا نجد له تبريراً الاعتراف بقومية الحركة الشعبية قطاع الشمال وتسعى بجدية لحصرها في (خندق) القبلية والجهوية وحصرها في حيز جغرافي محدود من الوطن لتقول للعالم إن هؤلاء يمثلون فقط (النوبة والنيل الأزرق) وهي نظرة تنقصها الحكمة والرؤية والبصيرة!!
وكان الأحرى تشجيع الحركة نحو الانفتاح قومياً وتعزيز وجود عناصر من الشرق والوسط والشمال حتى لا تصبح الحركة ممثلاً لقبيلة واحدة أو مجموعات بعينها وتتنامى في أوساطها النزعات الانفصالية وتغذي الحرب شرايين الحركة بالكراهية وتتطاول الحرب وتصبح المآلات معروفة (سلفاً) أن الذين يقررون في مصائرنا لا يسمعون لنصيحة.. حتى لو جاءت من داخل صفهم ويحتفون جداً بالأبواق التي تجيد التأييد المطلق ولا تنظر لأخطاء لا تحتاج لرؤية ثاقبة ولا عيناً بصيرة.. الشيء الذي يجعل بلادنا تمشي مكبة على وجهها ولا تسير على صراط مستقيم!!