"رزق" مالك عليهن!!
حاجة “مريم” لا تكتب ولا تقرأ وتخرج في الساعات الأولى من الصباح.. منزلها في أطراف أم درمان حي (نيفاشا) الواقع غرب سوق ليبيا.. تملك حجرتين فقط.. لثلاث بنات وأربعة من الأولاد.. أكبرهم في السنة الثانية الثانوي، وأصغرهم في السنة الأولى أساس.. والدهم خرج ولم يعد حتى الآن أوصافه كالآتي.. طويل القامة معروق الجبين.. يداه خشنة كأنه يمشي بها على الأرض من الكد والكدح.. غادر مع آخرين إلى صحراء ليبيا بعد سقوط نظام “القذافي”.. ولا يعرف عنه شيء.. أخذت “مريم” على عاتقها تربية أبنائها بعرق جبينها وكسب حلال تخرج من منزلها قبل أذان الفجر.. تستقل عربة بوكس صاحبها يعمل في تجارة الخبز.. ما بين(نيفاشا).. ودار السلام والبنك العقاري ومخابز أم درمان.. حاجة “مريم” ليست وحدها.. تخرج معها في كل صباح عشر من نساء (يتكومن) في الصندوق الخلفي للبوكس.. يحملن عجين الزلابية وأدوات صنع الشاي ليبلغن المحطة الوسطى سابقاً.. هناك ينتظرن الرزق الحلال من صناعة الشاي والزلابية والقهوة (يقاومن) عسف السلطات وغلظة رجال (الكشة) بالهروب مهرولات لإخفاء أدوات الحياة من أجل أطفالهن، وإذا تعثرت أحدهن وقبض عليها رجال غلاظ القلوب أشداء على النساء ضعفاء على غيرهن، تسعى أخواتها لجمع المال لدفع الغرامة.. لفك أسرها من براثن سلطات لا ترحم قوية شديدة باطشة بالضعفاء. أمثال حاجة “مريم” التي تنامى إلى مساقط أذنيها أن خطيباً في إحدى مساجد الخرطوم ممن يحسبون على الحكومة.. ويصغي إليه المسؤولون ويعملون بما ينزل عليهن من فتاويه وإرشاداته، قد هاجم وجود ستات الشاي.. طلبت حاجة “مريم” من “كمال” بائع الرصيد أن يقرأ ما جاء في حديث خطيب مسجد الحكومة الأول في السودان.. قذف “كمال” بسفة التمباك على الأرض وتمضمض ببقية كوب الماء الذي وضعته حاجة “مريم” أمامه، وأخذ يقرأ في خبر صحف(السبت).. اتهمهن الشيخ “كمال رزق” وبعض الأجانب المقيمين في الخرطوم بإدارة منازل الدعارة وطالب حكومة ولاية الخرطوم بضبط المتفلتين. وقال: (ينبغي على الدولة وضع يدها عليهم) وصوب انتقادات لبائعات الشاي، وقال: (ما في دولة محترمة شوارعها مليانة بكراسي بائعات الشاي). وأضاف: على ولاية الخرطوم إزالة كافة كراسي بائعات الشاي الموجودة في الطرقات وطردهن ووصف وجودهن بالفضيحة.
رفعت حاجة “مريم” يديها إلى السماء وهي فقيرة معدمة تعيش على كدحها وحلال ما كسبت يداها، أن يحميها وأخواتها من شر حاسدٍ إذا حسد ومن شر السلطة.. وبطشها ودعت بمرارة للحكومة حتى فاضت دموعها وتنهدت عميقاً ورددت الحمد لله على كل حال!!
الشيخ “كمال رزق” في منبره الأسبوعي بأكبر مساجد الخرطوم يقف يومياً ضد التسوية السياسية للحرب الدائرة في الأطراف.. ويحرض على استمرار القتال.. ولا يترك ضحايا دعوته يأكلون من خشاش الأرض.. يحرض عليهم السلطة لمحاربة البؤساء في أرزاقهم.
بقلب لا يرحم.. ونفس لم تتذوق يوماً طعم الحرمان ولا مرارة الفقر.. ولا من بين أسرته وعشيرته من يمتهن صناعة الشاي لإعالة أسرة فقدت عائلها.. بائعات الشاي سيدي الإمام “كمال رزق” أشرف وأطهر من الذين يقتاتون على حساب الشعب.. وبائعات الشاي أكثر عفة من أخريات يتصيدن السيارات الفارهة ويقفن في الطرقات العامة، يبحثن عن المتعة الحرام وليلة واحدة تعادل دخل وعائد بائعة شاي في شهر كامل.
يغض “كمال رزق” بصره عن حرامية القروض الأجنبية والحاصلين على (الكومشنات) من واردات ضروبات الحياة.. ولا يدعو للرحمة ومساعدة الأغنياء للفقراء ولا يحرض الحكومة على السياسات الاجتماعية (القصدية) من أجل إنعاش اقتصاديات المجتمعات المحرومة من التنمية، ولا يرفع الرجل رأسه للسؤال عن الأسباب التي تجعل كل بائعات الشاي من ولايات محددة من السودان ومن مجموعات قبلية بعينها، ولكن (مولانا) “كمال رزق” يدعو لحرمانهم من كسب حلال وعرق جبين ولا يسأل نفسه العار في فشل الحكومة في توفير كسب العيش وتجفيف منابع الدم أم العار في بروز إفرازات ما صنعت الحكومة؟؟
السيد “كمال رزق” يشنق جثة المقتول ويتلذذ بتساقط لحمها.. ويبرئ خنجر القاتل كما يقولون في الأثر القديم.