القيادي"أحمد إبراهيم دريج" في حوار استثنائي مع (المجهر)
عودتي للبلاد تلقائية وليست بتنسيق مع الحكومة .. ولم أحظَ بزيارة مسؤول رفيع حتى الآن !!
لهذه الأسباب خرجت معارضاً إلى “لندن” ومشكلة دارفور أساسها مظالم !!
لدي أفكار لحل مشكلة الإقليم إذا رغبت الحكومة .. وهذا انطباعي عن البلد بعد (31) عاماً
أصبحت زعيم عشيرة وعمري (12) سنة وما أزال حزب أمة ولكن استمراري بشرط
حوار – صلاح حبيب – نجل الدين آدم
“أحمد إبراهيم دريج” من القيادات الدارفورية التاريخية المعروفة، وقد شغل منصب أول والٍ في الإقليم في حكومة الرئيس الراحل “نميري”. ينتمي إلى أسرة عريقة في قبيلة الفور وقد ورث عن والده زعامة العشيرة وعمل بالسياسة قبل أن يهاجر معارضاً. (المجهر) التقته في حوار مختلف بمنزله الراقي المطل على النيل بحي كافوري، وجلست معه لساعة من الزمن في أول حوار بعد عودته للبلاد منذ (31) عاماً. تناولنا معه في الحوار مسيرة حياته كقيادي مخضرم منذ النشأة إلى أن أصبح حاكماً، مروراً بمحطة استقالته وخروجه معارضاً لنظام الرئيس الأسبق “جعفر نميري”. قضية دارفور كانت المحور الأساسي، حدثنا عن أصل المشكلة وجذورها مروراً بتفاقم الأزمة وعن الأدوار التي قام بها بجانب مجهوداته اللاحقة التي يمكن أن يقدمها ومحاور أخرى عن الأوضاع في البلاد بعد (31) عاماً وعن قرار العودة إلى البلاد.
{بعد غياب (31) سنة عن السودان جيل بأكمله لا يعرف من هو “أحمد إبراهيم دريج” .. كيف دخل الحكومة وكيف أصبح والياً على إقليم دارفور؟
-أنا “أحمد إبراهيم دريج” مولود في كارقولا بزالنجي، سنة (1935) ودرست الأولية في زالنجي ثم الدويم وحنتوب .
{ هل تتذكر بعض زملائك في تلك المراحل؟
-نعم منهم “خليل عثمان” وبعض الأصدقاء منهم من الدويم “إدريس هباني” من الهبانية كانوا زعماء عشائر في الدويم، وفي حنتوب أذكر أبناء زعماء العشائر يأتي بهم للدراسة وأذكر منهم “بكري عديل” من “الأبيض” و”الطيب هارون” من الرهد و”البخاري” و”اتملينا” في الدويم في الريفية، ومن حنتوب جئنا جامعة الخرطوم كلية الآداب.
{هل تتذكر فيها بعضاً من زملائك؟
-كان فيها “الجزولي دفع الله” ود.”كشان” وناس كتار لا أستحضرهم .
{هل تتذكر ناس “النميري” و”الترابي”؟
-“نميري” برضو كان معانا في حنتوب و”النذير دفع الله” كان مدير الجامعة و”دفع الله الرضي” وأولاد الناظر “مجوك” وناس “نمر علي”و”الدرديري علي الجلة”.
{ماهي المواد الدراسية التي كنت مبرزاً فيها؟
-في المرحلة الثانوية كنت معتدلاً في المواد وأحزرت شهادة (كريدت) دي معناها إنو درجاتي متساوية في كل العلوم وده معناهو كان عندي الخيار في الذهاب إلى أي كلية أريدها .
{ولماذا اخترت الآداب؟
-اخترتها لأنه عندما توفي والدي وكنت صغيراً أصبحت زعيم عشيرة وكانت الكلية المناسبة وعندما كنت في المدرسة كانوا ينادونني بالشرتاي، وكان عمري وقتها (12) سنة وعندما جئت حنتوب كان “مستر براون” في كلية العلوم. وقال لي مادام أنت مبرز في العلوم حقو تدرس العلوم ولكن مشيت كلية الآداب.
{هل كان من الممكن أن تدرس في كلية غير الآداب، الطب مثلاً ؟
-نعم كل العلوم لأنو درجاتي في المواد كلها كانت متساوية.
{هل امتهنت السياسة وأنت في الجامعة؟
-كنت مهتماً بالألعاب الرياضية وكنت مبرزاً فيها واشتهرت بالنط والقفز العالي، وفي كرة السلة وألعاب القوى.
{انتقلت للجامعة والتيارات السياسية المختلفة تعج من كل مكان؟
-كنت مستقلاً في الجامعة ولم أدخل حزب الأمة إلا عندما دخلت البرلمان وترشحت وقتها كمستقل.
{من كان مترشحاً ضدك؟
-من الاتحاديين كان “أبو شطة”.
{في أي عام
-لا أتذكر جيداً.
{في أي دائرة؟
-دائرة زالنجي.
{أنت كنت مستقلاً فكيف كان انضمامك لحزب الأمة؟
-السيد “عبد الرحمن” الله يرحمه دعاني بعد أن فزت مستقلاً، وقال لي انتو ناس دارفور نحن حبوبتنا منكم لذلك خير لك ولحزب الآمة أن تنضم إلينا ونحنا فعلاً عايزين قيادات، وكان في ذلك الوقت الزعيم أرباب شطة وهو الذي تنازل لي عن الدائرة في ذلك الوقت، وكان مشهوراً جداً وترشحت للدائرة وبعد أن فزت انضممت لحزب الأمة.
{هل أثر فيك كلام السيد “عبد الرحمن”؟
-نعم أثر فيني.
{ثم بعد ذلك؟
-أصبحت عضواً في البرلمان واستمريت بعد ذلك وعندما جاء الحكم الإقليمي اقترحت النظام الفيدرالي لكل السودان، وتم تطبيقه في كل السودان واختارني “نميري” لإقليم دارفور حاكماً في عام 1980.
وكان زمان “الطيب المرضي” من كردفان وطلعت مظاهرات تطالب بأن يكون الحاكم من دارفور لأنهم يعتبرون أن الحاكم يجب أن يكون منهم و”نميري” تراجع وسحب “المرضي” وتم تعييني.
{ما هي أبرز الإنجازات التي حققتها وأنت حاكم لدارفور؟
-ساعدنا في حل كثير من الحروبات القبلية والنزاعات التي بدأت في ذلك الوقت وكانت بين (الرزيقات) و(المعاليا) و(البني هلبة) و(المسيرية) وحللنا بعض تلك المشكلات.
{بعد ذلك؟
-حصل خلاف مع المركز وقلنا أنو مفروض ما يتدخل في شغلنا كحكام لأنو نحن بنعرف البلد وبنعرف شغلنا وماعايزين الحكومة تقول لينا بس اعملوا كده واعملوا كده.. وكان الحكم عسكرياً وبعد ذلك استقلت من عملي، ووقتها كانت هناك مجاعة في دارفور، وسبق ذلك احتجاجات من ناس دارفور على تعيين والٍ من ولاية أخرى .
{ما هو سبب الخلاف الأساسي الذي دعاك أن تستقيل من منصبك؟
-أول حاجة قلت لازم بدأت مجاعة في دارفور وكانت بالنسبة لنا واضحة تماماً وطلبت من الرئيس :نميري” أن نعلن المجاعة للعالم حتى تأتينا معونات، ولكن “نميري” كان رافضاً إعلان المجاعة كون السودان سلة غذاء العالم.
وأنا قلت ليه لا.. ولكنه رضخ وقبل كلامي وأعلن المجاعة لاحقاً وأذكر أنني بدأت أطلع بعض السفراء المقيمين بالوضع .
*بعد تقديم استقالتك أين ذهب؟
-ذهبت إلى “لندن”.
{هل طلبت حق اللجوء؟
-لا .. كان لدي شقة في “لندن” وكان أولادي وقتها صغاراً.
وانأ درست في بريطانيا في عام 59 وكان الألمان والنمساويون يدرسون اللغة هناك.
{بعد محطة “لندن” هل عدت إلى السودان؟
-لم أرجع إلى السودان إلا الآن يعني بعد(31) سنة.
{أنت رجل مستثمر؟
-كان عندي شركة وسافرت إلى بتسوانا وكنت عضو لجنة الدستور في الإمارات في السبعينيات واغتربت بعد ثورة مايو، ومنها سافرت إلى الإمارات وهجرتي لبريطانيا كانت لأسباب سياسية ومعظم وقتي قضيته في جهود محاربة المجاعة الشهيرة. وفي عام 1984 كانت فيه مجاعة كبيرة ومحاولات محمومة لإيجاد حلول لها وكتبت ورقتي من أجل نظام جديد للحكم في السودان في عام 1986 واقترحتها في مؤتمر يناقش فيه الدستور في الفترة الانتقالية،وبعدها جاءت الانتخابات ولكن رفضت خوضها لأنني كنت أرى أن الأمور سوف تتكرر مرة ثانية.
{بعد 86 مشيت بوتسوانا وكيف كان نشاطك التجاري؟
-عندما كنت في بوتسوانا أسست شركة للمقاولات العامة وشركة استشارية أخرى في عام 1990، وكنت مشغولاً معظم الوقت بقضية السودان وحضرت مؤتمرات لحفظ السلام في أنحاء العالم في ناميبيا وموزمبيق وغيرها، وبعد انتهاء الحرب الباردة كنت أشارك في نقاش قضايا تتعلق بالقارة الأفريقية العامة وتتعلق بالتنمية بالإضافة إلى كثير من المؤتمرات.
{ما هو إسهامك بعد اشتعال الحرب في دارفور؟
-أنا كنت محايداً وكنت بعيداً وبما انو الحرب سببها وجود ظلم والزول ما بيصبر على الظلم فإما أن يزال عنه الظلم أو أن يستمر في الكفاح.
{ما هو الظلم الذي وقع على أبناء دارفور حتى تستمر الحرب إلى الآن؟
-دارفور على مر العصور ظلت المنطقة الثانية بعد الجنوب الأكثر تخلفاً وكنت أول حاكم لها من أبناء دارفور وده ظلم لأنو في دارفور كان هناك خريجين سبقونا وكان مفروض يمنحوهم هذا الاعتبار لأنهم الأدرى بالمنطقة، وحتى الشخص من أبناء دارفور عندما يكون في السلطة يكون ملماً ومعايشنا للمشاكل ويساهم بالتالي في حلها.
{البعض يرى أن هناك جهات تهدف إلى استمرار الحرب في دارفور بعد الجنوب وتظل المشاكل قائمة في السودان؟
-أبداً لم يتصل بي أحد من الخارج لكي تشتعل أزمة دارفور.
{أعني هل تعتقد أن هناك أصابع خفية مصلحتها استمرار الحرب في دارفور؟
-الحرب في دارفور قامت لأسباب موضوعية في ذلك الزمن أي إنسان بيكافح من أجل الحقوق والحرية يجد مساندة خارجية من الغرب خاصة وفعلاً وجدوا مساندة من الدول الغربية، وساعدوا أغلب الدول الأخرى ولكن أبداً ليست هناك مؤامرة بالمعنى المشاع ولا أصابع خفية،ولكن لأنو زول مظلوم وحاولوا يساعدوه.
{الآن أنت بعد (31) سنة عدت إلى السودان كيف ترى الوضع في البلاد؟
-بعد الاتفاقيات الكتيرة دي والأمور تحسنت شعرت انو بخبرتنا ممكن نساعد في أن البلد تمشي لقدام وده السبب الرجعني البلد.
*هل ترى أنك يمكن أن تلعب في الظروف الحالية دوراً إيجابياً؟
-والله أنا جيت بقلب مفتوح وماعايز أفرض رأيي وإذا رأى الناس أن لدي خبرة وتجربتي يمكن أن يستفيدوا منها فأنا على أتم الاستعداد، وإذا كان غير ذلك فسأمارس دوري كمواطن عادي.
*حديث عن أن عودتك للبلاد بتنسيق مع الحكومة؟
-لا الحكومة لم تلعب أي دور في ذلك وانأ جيت (براي برقبتي).
{لكن لاحظنا أن هناك مراسم واستقبالاً وهو ربما يشير إلى أن هناك تنسيقاً مع الحكومة؟
-والله مافي أي تنسيق، وناس الحكومة كتر خيرهم شعروا انو أنا جيت واستقبلوني في المطار “التجاني السيسي” وهو ابن عمي ووزير الإعلام أحمد بلال ولكن المبادرة مني أنا وقلت ليهم أنا ماشي بلدي وماشي عشان أهلي.
{كنت بتخاطب منو هنا بأنك على موعد للعودة ؟
-مشينا السفارة للتأشيرة ومن هناك علمت الحكومة أننا بصدد العودة.
{هذا المنزل الفخم يبدو أن الحكومة استأجرته لك؟
-ده بيتي ومشتريهو أنا .
{ولا حتى هذه الصيانة الأخيرة في المنزل؟
-لالا لم يقوموا بها ، والحكومة لم تلعب أي دور في عودتي إلى البلاد.
{هل زارك أي مسؤول كبير في الحكومة أو قيادي في المؤتمر الوطني؟
-لا لم يأتِ أحد ولكن جاء نائب الرئيس “حسبو” في المنزل و”مصطفى عثمان إسماعيل”.
{هل حاولوا أن يديروا معك حواراً؟
-لا أبداً ومما جئت إلى البلاد لم أخرج من المنزل.
{ما هي التحولات التي رأيتها منذ مجيئك من المطار؟
-دائما الحكومات العسكرية لما تأتي تعمل الأشياء الباهرة وفيه دائما إضاءات وعمارات عالية البعض منها شيدها بعض الرأسمالية عشان يقولوا ده واحد من إنجازات الثورة، ولكن ده عمل أفراد ربما لإمكانيات البعض منهم وبالتالي البلد فيها تحول ومتطورة والتطور ده بدأ من زمان لكن هناك .
{هنالك أحاديث تأتي من دارفور بوجود مشاكل في الخدمات؟
-والله مشاكل دارفور كثيرة منها قبلية وتنمية وإذا الحكومة عايزة تتعاون معانا في تنمية دارفور فإننا سوف نمنحها رأينا وإذا ماعاوزة على كيفها.
{ماذا لمست من حديث نائب الرئيس “حسبو” عند لقائك به..هل هناك رغبة للتعاون؟
-لم يبدِ أي رغبة فقد زارني في المنزل وحتى الآن لم يأتِ أي وفد ليفتح معي أي موضوع من ناس الحكومة .
{من خلال متابعتك هناك مناطق ملتهبة في النيل الأزرق وجنوب كردفان وتعثر في المفاوضات.. إلى أي مدى يمكن أن يصل الناس إلى اتفاق؟
-والله لو جادين يمكن ذلك ولو ناس الحكومة قعدوا مع هؤلاء وماذا تريدون، وبعد ده إذا طلبوا المعقول يمنحونهم ما يريدون.
{ولكن هذه جلسات طويلة تنفض ويختلفوا في أشياء كأنما هي مدبرة ؟
-إذا الحكومة شعرت انو هناك مقترحات جاءت من المعارضة وهم يستفيدوا منها بيرفضوها وكمان المعارضة ما ممكن تقدم أي طلب والسلام ولازم هي تستفيد.
{هل حاولت أن تجمع بين الحكومة والمتمردين؟
-كنا لما نجتمع كأبناء دارفور نناقش مشاكل دارفور نحن مختلفين وناس خليل جبهجية وأنا ماجبهجي ولا شيوعي وأنا كمان ما عقائدي وما أنصاري بالمفهوم العقائدي، وأنا دخلت حزب الأمة لأنو من خلال حزب الأمة نقدر نعمل لأهلنا.
{ألا زلت حزب أمة؟
-نعم لازلت حزب أمة ولكن استمراري يتطلب أن يتوحد الحزب ويكون عندهم هدف.