هل ينقذ الرئيس "البشير" الحوار من الفشل؟؟
حديث السبت
يوسف عبد المنان
الأسرى بين مزايدات (الحركة الشعبية) والموقف المريب لـ(المؤتمر الوطني)
مؤتمر الحوار النوبي والفريضة الغائبة في محراب (الإنقاذ)
الإعلان الرسمي للرئيس “البشير” يوم (الأربعاء) الماضي تمسك الحكومة بالحوار الوطني وعدم التفريط فيه، بعث برسالة جديدة لأطراف الأزمة السودانية في البلاد أن هناك بارقة أمل وضوء في آخر النفق يمكن أن يفضي في نهاية الأمر إلى توافق واتفاق سياسي ينهي حالة الأزمة المستفحلة التي تعيشها بلادنا منذ سنوات طويلة، بعد أن غرقت سفينة الحوار خلال الفترة الماضية في لجة مستنقعات جعلت بعض الأطراف الفاعلة فيه تعود إلى خيارات بائسة، ونعني حزب الأمة والإمام “الصادق المهدي” الذي عاد للتحالف مع الحركات المسلحة ورفع شعار إسقاط النظام بدلاً عن إصلاحه.. ولا زالت قوى اليسار الرافض للحوار ابتداءً بحاملي السلاح من أعداء الحكومة التي لم تتوان في الزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات لتعود حالة الاحتقان الشديد في الساحة بعد انفراج مؤقت.. وفي ذات الوقت، فإن فشل التفاوض بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال ومتمردي دارفور وتصاعد العمليات العسكرية في مسرح الحرب، جعل الساحة السياسية تئن تحت وطأة الفشل، وينتاب قطاعات عريضة من أهل السودان إحساس بهول وفداحة ما ينتظرهم في وطنهم من ضيق وعنت ومشقة في كسب سبل العيش، رغم أن هذا العام شهد نجاحاً للموسم الزراعي وحصاد زرع لم تشهده البلاد منذ عشرين عاماً مضت، إلا أن طاحونة الحرب التي دارت رحالها ودخان المعارك المتصاعد في المنطقتين ودارفور سيقضي على حصاد الزرع ويجفف خزينة الدولة من الدولار والجنيه.
إن إعلان الرئيس التمسك بالحوار يمثل إشارة إيجابية جداً بأن مرحلة ما بعد الانتخابات قد تشهد توافقاً مع الآخرين.. وإن إجراء الانتخابات في موعدها لا يعني سد الأبواب واستئثار المؤتمر الوطني وحده بالسلطة لخمس سنوات قادمات.. وإن أبواب التوافق مفتوحة.. لكن بطبيعة الحال المشكلة في أن المعارضة إذا كانت تتخذ الحوار مطية ووسيلة لتصفية النظام والقضاء عليه بالتفكيك أو أن تجعله في وضعية ضعيفة لا تسمح له حتى بالحركة، فلن يقبل المؤتمر الوطني بطبيعة الحال بمفاوضات وتوافق يضع فيه عنقه على حد السيف والسكين.. ويصبح خياره في تلك الحالة التمسك بمواقفه والعض على حكومته بأسنانه حتى لو أدى ذلك لاحتراق الجميع.. والمعارضة التي رفضت الحوار بعضها لا يؤمن بالتعايش مع المؤتمر الوطني وتمني نفسها بالقضاء النهائي عليه، وتلك أمنية صعبة التحقق من واقع قدرة النظام على الدفاع عن نفسه وهو يمتلك ذخيرة ورصيداً من المقاتلين والمجاهدين داخل المؤسسات الرسمية وخارجها مستعداً للتضحية بأغلى ثمن من أجل مشروعه السياسي والفكري وحكومته.. خاصة بعد التقارب الإسلامي- الإسلامي الأخير، حيث أدرك فصيل إسلامي كبير جداً (المؤتمر الشعبي) أن ثمة مخططاً إقليمياً ودولياً من التيار العلماني لاستئصال شأفة الإسلاميين من الحكم والساحة السياسية، وذلك لن يتم إلا بالقضاء على من في المعارضة قبل من هم في السلطة.. تلك الحقائق تتجاهلها المعارضة عمداً وهي تتوهم قدرة زائفة، وإمكانيات لا تملكها، وقد كان حزب الأمة واقعياً في أطروحته بأن تطرف وغلو المعارضة وتطرف النظام وبعض جيوبه لن يفضي إلى حلول إلا من خلال أطروحة وسطية تحافظ على مكاسب المؤتمر الوطني وتمنح المعارضة وجوداً في الحكم يصل إلى (50%).. لكن التيار اليساري رفض ذلك.. وحاملو السلاح تحدثهم أنفسهم بوهم إسقاط النظام عسكرياً، وأحياناً انتظار المجتمع الدولي لينوب عنهم في إسقاط النظام من خلال القرارات العقابية أو المحكمة الجنائية.
وفي المعسكر الآخر، فإن المؤتمر الوطني يبدو في كثير من الأحيان وخاصة الخطابات غير الرسمية لا يأبه كثيراً للآخرين ويتحدث عن تسوية سياسية واتفاق مع الآخر دون أدنى استعداد لدفع ثمن ما يدعو إليه.. لذلك انصرم عام 2014م بخيبات أمل كبيرة وفشل في وحدة السودانيين على الحد الأدنى.. ومع بزوغ شمس العام الجديد يبعث الرئيس “البشير” برسالة جديدة لإحياء عملية التفاوض المتعثرة.
لقد أصبحت الانتخابات واقعاً ولا مجال لتأجيلها، لا اعتبارات عملية ولا سياسية، فالمعارضة تريد (جر) الحكومة في مماحكات كلامية وإغراءها بالحديث عن السلام وتطاول جلسات العلاقات العامة حتى حلول (أبريل) لتجد الحكومة نفسها أمام خيارات صعبة جداً، إما تفقد شرعيتها بانتهاء أجلها وتصبح البلاد في فراغ دستوري وقانوني وتضطرب الساحة الداخلية لتهيئة المناخ لانقلاب عسكري أو مغامرة من جهة الحركات المسلحة لفرض واقع جديد، وإما أن يجد “البشير” نفسه أمام خيار (عسكرة) السلطة بمشروعية القوة العسكرية، وبذلك (يخنق) النظام نفسه بعمامته ويقضي على نفسه.. لذلك تمسك المؤتمر الوطني بإجراء الانتخابات في موعدها.. والآن بات الرئيس “البشير” على أعتاب حقبة رئاسية جديدة تمتد حتى 2020م.. لكن إلغاء انتخابات الولاة وجعل أمرهم تعييناً من المركز خطوة في صالح التوافق السياسي مستقبلاً، لأن إجراء انتخابات للولاة كان سيضفي مزيداً من التعقيدات على الواقع ويغلق أبواباً يمكن للمعارضة المشاركة فيها.. وبالتعيين الآن قد يصبح لشركاء المؤتمر الوطني مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي نصيب في الولاة، وكذلك الشركاء القادمين من الحركات المسلحة كالتحرير والعدالة وحركة العدل والمساواة.. وانتخاب “البشير” رئيساً هو مسألة حسمت ولا يمكن أن يشكل “كندة غبوش الإمام” و”محمود عبد الجبار” منافسة حقيقية لـ”البشير” في انتخابات (أبريل) القادم.
ولكن هل قبل الانتخابات يمكن إجراء مفاوضات مع حاملي السلاح أو القوى السياسية؟؟ أعتقد من المنطق والعقلانية تعليق الحوار مع حاملي السلاح في الوقت الراهن إلى ما بعد نهاية عمليات الصيف العسكرية الجارية الآن.. لأن تصاعد العمليات العسكرية (يخلق) واقعاً جديداً على الأرض وتحتقن النفوس بالمرارات الشديدة، وبالتالي فإن الفشل سيكون نصيب أي تفاوض في الوقت الراهن.. وعلى الصعيد السياسي فإن الانتخابات مرحلة تنافس مع الآخر.. والحملات الانتخابية (تفرق) حتى بين الشركاء.. وإذا أقبلت أحزاب مثل الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي على الانتخابات فبالضرورة عليها مخاطبة قواعدها والكسب على حساب المؤتمر الوطني.. وفي مناخ الانتخابات والتعبئة تتباعد المسافات بين الشركاء، فهل تلجأ أحزاب الحكومة الحالية لإبرام ميثاق انتخابي ينظف الملعب السياسي من العبارات التي تفرق؟؟ وعلى ذكر المواثيق فإن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال حينما وقعا في الانتخابات التكميلية التي جرت في جنوب كردفان وأدت لاندلاع الحرب الحالية لم يلتزم أي منهما بما وقعا عليه.. وسادت الساحة تراشقات لفظية انتهت بتراشقات بالرصاص.. والعلاقة الحسنة بين أحزاب الحكومة الحالية قد تفسدها الانتخابات ومطلوباتها.. لكن كيف تحصن الحكومة وأحزابها نفسها؟ هل بالمواثيق؟ أم بالتنازلات كالتي قدمها المؤتمر الوطني لحلفائه.. (10) مقاعد في البرلمان.. وهي نسبة ضئيلة جداً لا تتناسب وحجم أصدقاء المؤتمر الوطني وحلفائه من الأحزاب والأفراد والجماعات؟؟ وكان حرياً بالمؤتمر الوطني التنازل عن مائة دائرة ليتنافس عليها جميع حلفائه إذا حصدها جميعاً الاتحادي الديمقراطي أو حزب “فضل السيد شعيب” أو حزب العدالة تصبح حلاً له.. لكن عشرة مقاعد قد لا تشبع رغبة حزب واحد.. وفي هذه الحالة فإن البرلمان القادم قد لا يختلف كثيراً عن البرلمان الحالي، لأن الأحزاب الشريكة في السلطة الآن كثير منها لا يستطيع الحصول على ثلاث دوائر جغرافية من دون تنازل المؤتمر.
{ “ممتاز” وسوء التقدير!!
حار المراقبون في الأسباب والدوافع التي جعلت القيادي الشاب في المؤتمر الوطني “حامد ممتاز” يختار (الكلام الفسل) عن مبادرة (السائحون) لإطلاق سراح الأسرى في محابس الحركة الشعبية.. و(الكلام الفسل) تعبير دارجي، وكما قال “محمد ود دقلش” ابن “شغبة المرغبابية” إحدى شاعرات قبيلة (الكواهلة) عندما قبض عليه “عجيب المانجلك” كبير حكام مملكة سنار:
الذين مو فسل والفسل ما بزين
والجنس الرخيص ما ينفعو التزيين
والدخل البطون ما بتقطعو السكين
(لعل) يا المنجلك ناس بت عجيب طيبين
ولعل أي ليت.. لفظ تمنٍ وكم تمنيت أن لا تخرج تلك الكلمات الجارحة من لسان الأخ الصديق “حامد ممتاز” وهو واحد من شباب المؤتمر الوطني الصاعدين سياسياً لوراثة الجيل القابض على السلطة حالياً، وشباب المؤتمر الوطني الذين تقدموا الصفوف منهم من أثبت قدرات وجدارة بالموقع الذي تسنمه مثل الوزير “ياسر يوسف” و”قبيس أحمد المصطفى” و”مشاعر الدولب” ود. “فيصل عبد الله”، وهناك من فشل منذ أول اختبار كالوزير “الرشيد” (حلايب).. وبعضهم لا يعرف عنه شيء وآخرون غطى على وجودهم الوزراء الكبار.. و”حامد ممتاز” الذي تحدث عن مبادرة إطلاق سراح الأسرى بعد اجتماع القطاع السياسي صدم الآلاف من أسر الأسرى.. وجعلهم يلوكون الحسرة والأسف.. وكيف أن حديث د. “مصطفى عثمان” الذي رحب بالمبادرة وفتح نافذة أمل وضوء خافت لإمكانية عودة مل الأسر المبعثرة، قد مشى عليه “حامد ممتاز” وأنكره.. بل وضع شروطاً ومتاريس باسم حزب المؤتمر الوطني تجعل عودة الأسرى من خلال نافذة (السائحون) غير مرغوب فيها ولا مرحباً بها.. ومصير هؤلاء المجاهدين الصادقين الذين نذروا النفس من أجل الوطن ينبغي أن يكون تحت يد الحكومة وحدها وهي من تسمح بإطلاق سراحهم أو البقاء في محابسهم.. وموقف “حامد ممتاز” غير الممتاز تجسده المقولة (لا ترحم ولا تدع الآخرين يرحمون).. الحركة الشعبية بعد أن نجح قائدها السياسي “ياسر عرمان” في تجريد الحكومة من بعض حلفائها في الداخل واستمال إليه “الصادق المهدي” وحزب الأمة وكسب “إبراهيم الشيخ” وحزب المؤتمر السوداني، واستقطب حتى من المؤتمر الوطني د. “فرح عقار” الذي تم فصله دون تقدير سياسي حكيم، يسعى “عرمان” الآن للعب في الملعب الخاص بالمؤتمر الوطني والإسلاميين، وأطلق سراح الأسرى لـ(السائحون) من أجل إحراج الحكومة والمؤتمر الوطني وكسب شريحة الإسلاميين المقاتلين، أو على الأقل محاولة إخراجهم من الملعب العسكري والسياسي.. وهي لعبة مكشوفة من “ياسر عرمان”.. لكن هزيمة “عرمان” في هذا الملعب تتطلب حنكة ورؤية ثاقبة، فـ(السائحون) ليسوا تنظيماً ولا جماعة موحدة.. إنما تيار عريض من المجاهدين قاموا بواجبهم نحو وطنهم ودينهم، وتفرقت بهم سبل كسب العيش ولا وجود في الواقع لتنظيم اسمه (السائحون)، لكن هناك مشاعر تجمع (السائحون) وغير (السائحون) من التيار الإسلامي.. وتجريم قيادات منهم لمجرد جلوسهم مع الحركة الشعبية يعدّ سلوكاً غير راشد ويخدم “ياسر عرمان” ومشروعه.. وكان الأحرى بالمؤتمر الوطني و”حامد ممتاز” الذي يعدّ الآن عقله السياسي أن ينظر بعين فاحصة للآلاف من أسر الأسرى ولا يصدمهم بحديث جارح ينسخ حديث د. “مصطفى عثمان” الذي قال به قبل يومين فقط من اجتماع القطاع السياسي.. ولكن من يقدر الأشياء بقدرها..؟!
يوم (الأربعاء) الماضي التقيت البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” في المجلس الوطني وتحدثت إليه عن هذا الموقف المريب والعجيب لمؤسسات المؤتمر الوطني من قضية الأسرى، ووجدت الرجل متحسراً على الحديث الذي أطلقه “حامد ممتاز”، لكن كان أكثر ميلاً للتفسير القائل إن الصحافيين قد فهموا حديث “ممتاز” في غير سياقه.. ولكن الحديث كان بعد اجتماع للقطاع السياسي وليس حديثاً عابراً.. وفي الحالة هذه يعدّ (مخرجات) لما دار في الاجتماع.. كل الأحزاب تسعى للكسب الذاتي، لكن قضية إنسانية مثل قضية الأسرى ما كان لها أن تصبح محل مزايدات ومماحكات وبحث عن مكاسب.. وإطلاق سراح الأسرى سواء تم عن طريق مبادرة (السائحون) أو من تلقاء الحركة الشعبية من أجل تجميل مواقفها، يجب أن يواجه بما يستحق من الثناء والتقدير.. والمفاوض الحكومي الذي يتقافز من منبر لآخر ويسهر الليالي في العواصم الأجنبية كان حرياً به وضع القضايا الإنسانية في مقدمة أولوياته، وهي قضايا النازحين والأسرى وإيصال الإغاثة للمحتاجين، وأن لا يجعل من هذه القضايا خاضعة للمزايدات وانتظار التفاهمات.. والمفاوضون من كلا الطرفين تشغلهم دائماً المشاغل الأمنية والعسكرية عن القضايا الإنسانية والاجتماعية!! لماذا تصبح التراتيب والاتفاقيات العسكرية قاطرة (تجر) من ورائها القضايا الإنسانية والسياسية؟؟ ولو كان القضايا الإنسانية في أولويات الطرفين لما قال “حامد ممتاز” ما قال.
{ الحوار (النوبي- النوبي)
منذ سنوات ظلت الأستاذة “عفاف تاور كافي أبو رأس” القيادية في المؤتمر الوطني تسعى بجهد مخلص وضمير حي ورؤية ثاقبة نحو حل مشكلات جبال النوبة.. تصدت بشجاعة لأخطاء صاحبت مسيرة مولانا “أحمد هارون” عندما كان والياً على جنوب كردفان.. واستطاعت كسر جدار العزلة والصمت في علاقة الحكومة بأبناء النوبة الموجودين في المنافي الأوروبية والأمريكية، واستقطبت للحوار مع النظام أهم قيادات أبناء النوبة في المنفى من أمثال “محمد أبو عنجة أبو رأس” و”إسماعيل خريف” و”أمين بشير فلين”، لكن تعثرت مبادرتها بسبب تعنت بعض جيوب السلطة في الخرطوم.. والخلافات الداخلية و(الغيرة) من عطاء محامية ناجحة وسياسية ناضجة مثل “عفاف تاور” التي استبقت الحوار الذي دعا إليه المؤتمر الوطني بعامين، وظلت تدعو للحوار (النوبي- النوبي).. وحتى في سياق الحوار المجتمعي لم تجد دعوتها حتى اليوم استجابة واضحة وحماساً من قبل حكومة الولاية من جهة والحكومة المركزية من جهة أخرى، وإن وجدنا العذر لحكومة كادوقلي، فلماذا تتباطأ خطى الخرطوم نحو قضية مهمة جداً؟؟
الحوار (النوبي- النوبي) ضرورة لتحقيق وحدة مكونات الولاية.. ولم يعترض (الحوازمة) أو بقية القبائل العربية في جنوب كردفان عليه.. وحتى بعد دعم وتأييد د. “الفاتح عز الدين” رئيس البرلمان لعقد المؤتمر لم تتحمس جهات عديدة له.. وبكل أسف بعض أبناء النوبة يزايدون على بعضهم البعض ويتسابقون إلى إضعاف بعضهم البعض، ظناً أن ذلك يقربهم إلى الحكومة ويرفع من قدرهم، وربما حصدوا منه مواقع في السلطة ولا ينظرون لواقع التشظي الذي تواجهه المنطقة، وغياب التنمية بل توقفها تماماً الآن، حيث أصبحت مشروعات البنى التحتية التي شيدتها الحكومة أطلالاً (ينعق) فيها (البُوم).. واتفاق النوبة في الداخل والخارج حول كيفية حل مشكلتهم مع المركز من شأنه تجريد الحركة الشعبية من ادعاء تمثيل المنطقة.. فإذا توحدت إرادة أبناء النوبة في المؤتمر الوطني وفي الحزب القومي السوداني واتحاد عام جبال النوبة، ورابطة أبناء جبال النوبة العالمية والمثقفين في المهاجر والمطرودين من الخدمة المدنية والعسكرية، وأعادت الحكومة ثقتها في أبناء النوبة ومنحتهم حقوقهم كاملة وجعلتهم يديرون ولايتهم دون وصاية من أحد، فإنهم قادرون على تجريد التمرد من كل أسلحته وإرغام “عبد العزيز الحلو” و”جقود” و”أحمد عبد الرحمن سعيد” على التفاوض بواقعية دون مزايدات.. ولكن كيف ذلك إذا لم يتفق قيادات جبال النوبة أولاً على ماهية قضاياهم الأساسية وكيفية حلها؟! لذلك فإن مؤتمر الحوار (النوبي- النوبي) المطروح في الساحة الداخلية منذ سنوات يجب دعمه وتوفير أسباب عقده بعيداً عن حسابات بعض الأشخاص الذين ينظرون لقضايا البلاد من خلال مصالحهم الذاتية الضيقة.. لكن واقع اليوم الذي تعيشه المنطقة لا يشجع على حل قريب لأسباب النزاعات، وإطالة أمد الحرب يخدم قضية التيارات الانفصالية والعنصرية داخل أبناء النوبة.. وإذا لم تأخذ الحكومة برؤية المخلصين من منسوبيها “عفاف تاور” و”محمد مركزو كوكو” و”خاطر أبو رأس عسولة” الذي أصبح في الفترة الأخيرة قائداً حقيقاًي وسط أهله من جنوب كردفان، فلن تفلح في هزيمة الحركة الشعبية سياسياً.. صحيح أن الحركة الشعبية الآن في الميدان ضعيفة جداً، وعمليات الصيف الحالية قد تنهي خطرها العسكري على الميدان وتضعفها وتسيطر القوات المسلحة على (90%) من الولاية.. لكن كل ذلك إذا لم يصحبه نشاط سياسي فاعل ورؤية ثاقبة وتوحيد لصف أبناء النوبة فإن التمرد لن ينتهي.. والضعيف اليوم (سيقوى) غداً.. والقضية لن تموت سواء أكانت قضية حقيقية أو متوهمة.. لكن عقد المؤتمر (النوبي- النوبي) يمثل الفريضة الغائبة في محراب المؤتمر الوطني.