أخبار

استراحة (الجمعة)

{ أقصر الطرق لقلوب الناس الكلمة الطيبة وتواضع الكبار واحترام الصغار.. والتوادد في الأفراح.. والتآزر في الأتراح.. والشراكة في الملح والملاح.. كان الأسبوع الماضي عامراً بالأحداث من طرد الأردني “علي الزعتري” إلى الهولندية “هيل”.. وفشل مجلس الأمن في إصدار عقوبات جديدة بحق السودان وعودة وزير الدولة بالمالية الظافرة من الصين بقرض مطار الخرطوم، والفشل في الحصول على مال لتشييد طريق بارا أم درمان.. واجتماعياً طغت (لمة) د.”عيسى بشري” في ضاحية جنوب الخرطوم على بقية الأحداث الاجتماعية، حيث تداخلت في احتفالية د.”عيسى بشري” بزواج ابنه “عاصم”، ذلك الشاب المثقف خريج جامعة السودان من الأستاذة “نمارق” ابنة القاضي النابه “منيل بشرى”.. ليحصد د.”عيسى بشري” في زواج فلذات كبده ثمار زرعه وغرسه.. إذا كان د.”عيسى” السياسي قد انصرف للشأن العام فإن حرمه الدكتورة “عواطف أحمد الإمام” قد مزجت بين دورها كأستاذة جامعية وناشطة سياسية في التيار الإسلامي، وأم ناجحة أخرجت للدنيا والناس شباباً في قامة “عامر” و”عاصم”.. بيد أن زراعة د.”عيسى بشري” ليست في حاكورة أسرته بل امتدت لأهل السودان شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً.. ليتداعى في زواج ابنه “عاصم” السودانيون من كل فج عميق.. الجنوبيون رغم انقسام البلاد لدولتين ظلت وشائج القربى والدين والمعاملات الإنسانية دافعاً لهم للسير مسافات بعيدة لمشاركة د.”عيسى بشري” فرحته. لم يحضر دينكا نقوك فحسب بل كان النوير والشلك وجوداً جمل المكان الشعبي والساحة العامة التي اختارها “عيسى” للاحتفال بزواج أبنائه “عاصم” و”نمارق”. وفي مجمع سارية الذي لم يسبق للكثيرين زيارته.. ولم يحظِ المجمع منذ إنشائه بهذا الوجود الشعبي والرسمي الكثيف.. حيث يقع سارية جنوب السلمة على تخوم مشروع الجزيرة.. لكنه فاض بالقيادات من كل طيف ولون ومشرب.. التقى جيل البطولات بجيل التضحيات، كما يقول د.”عمر سليمان” بجوار “آدم الطاهر حمدون”.. والرئيس “عمر البشير” الذي بدأ في عافية نفسية وصفاء ذهني متقد وأريحية في استقبال الناس وتواددهم، وما كانت قفشات الرئيس غائبة وهو يعانق “الترابي” بحميمية.. أعادت للأذهان (أيام صفاهم) على قول المغني “كمال ترباس” والشاعر “عوض جبريل”.. وشكلت أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والتشريعية والقضائية والتنفيذية وجوداً طاغياً وتواصلاً حميماً مع الناس.. ما بين الجنرال “بكري حسن صالح” و”حسبو محمد عبد الرحمن” و”عبد الرحمن الصادق المهدي”.. والبروفيسور “إبراهيم غندور” الذي اختار الجلوس في طاولة بعيدة نسبياً عن الطاولة التي تواجد فيها الرئيس ود.”حسن الترابي” ورئيس القضاء مولانا “حيدر أحمد دفع الله” الذي تجمعه بوالد العروس “نمارق منيل بشرى” مهنة القضاء وصداقة السنين وزمالة الجامعة.. وكانت الوجوه الكادحة لربها كدحاً من عامة الناس وغمار المجتمع قد كانوا يمثلون رمزية الصدق والوفاء.. رجال في الستين من العمر تكبدوا مشاق الترحال من الحاج يوسف وأم بدة.. هؤلاء لا يمتطون فارهات اليابان ولا جمال السيارات الكورية، جاءوا من أطراف الأرض بالمواصلات العامة.. ومن آخر محطة السلمة بحثوا عن الركشات لتحملهم لمجمع ساريا وفاءً لرجل عرف عنه التواضع.. والتواصل مع الناس كبيرهم وصغيرهم ووضيعهم.. فقيرهم وغنيهم.. كان المسيرية الذين يصفون أنفسهم بأبكار المهدية وجوداً لا تخطئه العين.. كيف لا والمناسبة لأحد قادة السودان الذين خرجوا من ديار المسيرية ليجمع د.”عيسى” أهل السودان مثل النيل الذي قال عنه الشاعر “النور إبراهيم”:
ما السودان إن سألت عنه سوى قطر يروعه انعزال
بلاد نيلها الميمون فرد فليس له جنوب أو شمال
وليس اللون يقاس لعزل وإن جهلوا ففي العين المثال
سواد العين نور المآقي على أن البياض لها جمال.
إن تجمع دوحة “عيسى” و”بشرى” رموز البرلمان وقادته من د.”الفتاح عز الدين” إلى “عبد الله علي مسار” و”حسب الله صالح” القادم من أقاصي شرق السودان، والفريق “عبد الرحيم محمد حسين” الذي تبدت على ملامح وتقاطيع وجهه انتصارات قادمة للقوات المسلحة ينتظرها الشارع العام.. وكان للمؤتمر الشعبي وجود وفاءً لتاريخ د.”عيسى” في الحركة الإسلامية.. بدا د.”الترابي” حاضر الذهن.. متألقاً في (الملمات) حاذقاً للغة التي يتحدث بها.. و”كمال عمر عبد السلام” يهمس في أذن “خليل عبد الله” والي سنار الذي حالت بينه والولاية تدابير “غندور” وإلغاء نتائج الانتخابات، والدكتور “محمد المصطفى”.. ود.”عبد الرسول النور” يتوكأ على عصاه.. و”الصادق بابو نمر” يهمس في أذن “صلاح ونسي” ويضحك كاتم أسرار القصر.. وابن لقاوة الذي لم يفض اعتصام شبابها بعد هروب الجنرال من أرض المعركة إلى أرض الحرمين الشريفين.. كان النوبة في عرس د.”عيسى بشري”  وجوداً جميلاً.. “خاطر أبو رأس عسولة” وبروفيسور “خميس كجو كنده”.. والعميد “جماع”.. فالأيادي البيضاء لعيسى في سنوات حكمه لجبال النوبة جعلته على كل لسان.. وفي كل مجلس أنس يذكرونه كلما تتالت عليهم الخيبات والفشل.
غنى في عرس “عاصم” “عبد الرحمن عبد الله” (جدي الريل أبو كزيمة) وغنى “عبد القادر سالم” أنا كردفان، ورقص الشباب والشيوخ على أنغام الرشاش والدعاش وكانت حسان المسيرية شيئاً يجعل للدنيا مذاقاً وطعماً، انصرفنا في هجعة الليل والدواخل مغسولة بالفرح.
أقابلك في زمن ماشي وزمن جاي وزمن لسه
أشوف الماضي فيك باكر أريت باكر يكون هسه
وقصر طول مشاويرنا وجمل بالفرح جلسة
على النيل والقمر مرات يبين الموج ويندسه..
شكراً لفرحة زرعها ذلك اليوم الحنين في قلوب جفت بالحزن وشيدت الهم في ضفافها عرائش وبيوتاً، لكن لحظات الفرح قصيرة وتتسرب سراعاً.. وحتى نلتقي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية