مجرد سؤال؟؟
رقية أبو شوك
(الحزن القبيل).. تمطر تزيلو
قبل أن أشرع في كتابة هذه المساحة أولاً أترحم على روح فقيد البلاد فنان الشمال والطنبور “عبود تبوري” الذي أثرى الساحة الغنائية بروائع اللحن والأداء.. بدأ على ما أذكر في فترة الثمانينيات وكان من أجمل الأصوات، إلا أن فترة اغترابه بـ”المملكة العربية السعودية” أخذت منه دون مواصلة المسير، ورغم الاغتراب إلا أننا نجده سباقاً في إقامة الحفلات الخيرية سواء أكانت في الرياض بالسعودية أو حتى حينما يأتي للسودان في فترة إجازته ومن قبل شاهدت مشاركته في اليوبيل الذهبي لـ(مدرسة مروي الثانوية بنين) والذي كان تحت رعاية د. “عوض أحمد الجاز” باعتباره من رابطة خريجي هذه المدرسة العريقة.. والحديث عن (مدرسة مروي الثانوية) يطول لكونها قد خرجت العباقرة من أبناء بلادي في وقت كانت فيه المدارس بالولاية الشمالية تحسب على أصابع اليد (مروي ـ كريمة ـ كورتي ـ الدبة ـ دنقلا)، وكانت هذه المدارس تذاع عبر المذياع لتفوقها ضمن العشرة الأوائل بالسودان، إذ كانت نتيجة امتحانات الشهادة السودانية تذاع عبر المذياع ويترقبها الجميع بل البعض يجهز مذياعه منذ وقت كافٍ استعداداً لهذا اليوم.
ونعود للفنان “تبوري” والذي رحل من دنيانا الأسبوع الماضي أذكر ونحن صغار بالولاية الشمالية كنا نطرب جداً لأغانيه بعد أن أحيا إحدى الحفلات بمنطقتنا كورتي بالولاية الشمالية.. أطرب الجميع وهو يغني أغنية (عسلاية) والتي تقول:
عسلاية نزل في الدارة قادر ربنا السوا
السكر نزل في الدارة قادر ربنا السوا
حير فكري في اوصافو
يا داب داير أبدا غنا
فلنتأمل هذه الكلمات الروائع (فعسلاية) هذه على ما يبدو وصف لإحدى الجميلات التي نزلت دارة أو حلبة الرقيص والتي حيرت الشاعر في أوصافها حتى جعلته يبدأ الغناء والذي لم يبداهو قط.
فعندما سمعت نبأ وفاة “تبوري” كانت أول أغنية بادرت إلى ذهني هذه الأغنية الجميلة، كما سرحت مع اللحن الجميل الذي إضافه “تبوري” على الأغنية الوطنية (بلدا هيلي أنا) والتي هي من كلمات ابن الشمال وتحديداً المقل “طارق الأمين”.. هذه الأغنية كانت من روائع الأغاني التي تغنى بها الفنان “عبود تبوري” في احتفالات اليوبيل الذهبي لـ(مدرسة مروى الثانوية بنين) والتي تفاعل معها الحضور كلمة ولحناً وأداء:
بلدا هيلي أنا.. دموعها دموعي أنا
أساها أساي أنا
السلام يملاها يطلع من هنا
والحمام يتشابى
البلد الحنين الدرتو يمة ويابا
بين العالمين عزة وجمال ومهابة
الحزن القبيل تمطر تزيلو سحابة
لا أطفال حزانة ونازحين وغلابة
أيضاً غنى “تبوري” للمغترب وذلك لكونه من هذه الشريحة (كيف أصبحت وكيف أمسيت)
فسوداننا الحبيب ملئ بالأدباء والشعراء والفنانين الذين مازالوا محل فخرنا وإعزازنا.. فالإبداع مغروس في الدواخل، كما أن البيئة السودانية بصفة عامة والشمال بصفة خاصة مؤهلة جداً لتخريج هؤلاء المبدعين.. التحية للمبدعين في بلادي وتحية خاصة لأهل الشمال الذين تترجم أشيائهم في كلمات تعبر عنهم.. كلمات تحكي الواقع فهنا تنتفي مقولة (أصدق الشعر أكذبه)، فالشعر عندهم صادق ويحكي روعة المكان ..التحية لـ”ود الدابي” شيخ شعراء الشمال و”سيد أحمد عبد الحميد” و”سيد أحمد بلول” (بيوت الطين القديمة) ومحمد سفلي (أكيد برجاك) و”الفاتح عثمان بشير” وغيرهم من شعراء بلادي.
الرحمة والمغفرة لـ”عبود تبوري”.. نسال الله سبحان وتعالى أن يجعل المرض كفارة له.