"موسى محمد أحمد" و"عادل الباز ".. و صقيرها حام !!
لم يرتكب السيد “موسى محمد أحمد” زعيم (مؤتمر البجا) جريمة كونه طالب بتأجيل الانتخابات العامة التي بدأت المفوضية في إجراءاتها بالفعل، مع تعديلات طفيفة في التواريخ. كما لا أظن أنه كان مجافياً للحق بحديثه عن وجود (تشوهات) في تجربة انتخابات العام 2010.
كاتب هذه السطور كان مرشحاً بدائرة جغرافية حضرية بمدينة الثورة – شمال أم درمان ويعلم عن تلك التشوهات ما يعلمه الذين كانوا يديرون الحملات الانتخابية من داخل وخارج مكاتب (المؤتمر الوطني) ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، ومنهم من غادر المناصب الرسمية والحزبية وقد يتم اللجوء إليهم قريباً، مثلهم مثل أي (بيت خبرة) دولي !!
وفي رأيي كمراقب أن الدور الذي قدمه (مؤتمر البجا) وقائده الشاب الحكيم “موسى محمد أحمد” لاستقرار الحكم بالبلاد، خاصة بالولايات الشرقية، لم تقدمه كل حكومات (المؤتمر الوطني) المتعاقبة بولايات شرق السودان، ولكن صدق القائل إن الحكومة لا تأبه إلا لحملة السلاح !! فتظل تفاوضهم كما تفعل مع (قطاع الشمال) حالياً شهوراً طويلة، ثم تقدم التنازلات بما فيها الخطيرة والمزلزلة لوحدة البلد، كما حدث في مفاوضات (نيفاشا)، ثم أنها من بعد ذلك تهمل الموقعين على اتفاقيات السلام بعد أن يستقروا بالمواقع والوظائف والبيوت، كما فعلت مع “مني أركو مناوي” فعادت لتفاوضه مرة أخرى في “أديس أبابا”!! وكان أيسر أن تفاوضه في مكتبه بالقصر الجمهوري أو بمقر إقامته بشارع البلدية بالخرطوم جوار السفارة البريطانية، عندما كان بينهم كبيراً لمساعدي الرئيس!!
ويبدو أن البعض في الحزب الحاكم يريد أن يكرر المشهد مع “موسى محمد أحمد” و(مؤتمر البجا)، لا يريدون أن يفاوضوه بمكتبه الحالي بالقصر، ولا في بيته الحكومي بشارع الجامعة، لا.. فهم تستهويهم مسلسلات المفاوضات الخارجية.. يحبون السفر.. وربما يفضلون أن يذهبوا إليه في “شيراتون أسمرا” بعد عدة شهور، عبر وساطة إريترية كريمة !!
هذا هو حال السياسة المائل في بلادنا.
لقد كتبت كثيراً وأنا لست من شرق السودان، أنَّ أهلنا في الشرق هم الأكثر (تهميشاً) ومعاناة من أهلنا في دارفور، وذلك بفعل الطبيعة القاسية.. البحر المالح.. الجبال الجافة.. والهجير اللافح..وتفشي الأمية والمرض وسوء الخدمات !!
لكن (البجا) على لين عريكتهم و(ظرافتهم) المحببة، يتمتعون عموماً بحكمة نابضة قل أن تجدها في قبائل السودان الأخرى، ولهذا فإنَّ الشرق لم يحترق ولم يتشرد مواطنو المدن، إبان تمرد (مؤتمر البجا) و(الأسود الحرة) تسعينيات القرن المنصرم، وإن أنسى فإنني لا أنسى عبارة محفورة في ذاكرتي قالها أحد زعماء الإدارة الأهلية بشرق السودان وكان قريباً من المعارضة، وذلك في العام 2003 بمكتب الشهيد أستاذنا “محمد طه محمد أحمد” في معرض نقاش عن تمرد الشرق مقارنة بتمرد دارفور، حيث قال الرجل: (نحن ما بندمر بلدنا.. مهما كان)!! يا لها من حكمة.. ويا لها من بصيرة. وقد صدق فرغم أن “كسلا” على مرمى حجر من حدود “إريتريا” التي كانت تحتضن التمرد آنذاك، إلا أن سكان “كسلا” وضواحيها لم ينزحوا، كما نزح أهلنا في مدن وفرقان دارفور، وفي “كادوقلي” و”الدمازين” بعد تمرد “عقار” الثاني مباشرة !!
إذا طالب “موسى محمد أحمد” بتأجيل الانتخابات فهذا من حقه، وعليكم أن تفاوضوه هنا في الخرطوم، وتقدموا له التنازلات، ليس لشخصه بل لكيانه السياسي ولإنسان الشرق الذي يستحق، هو أولى بالشكر والتقدير، وأولى بالتفاوض من (قطاع الشمال).. ولكن أكثر الناس لا يعقلون .
2
حمَّل الأخ الأستاذ “عادل الباز ” قصيدة جدتي الفارسة “زينب بت بابكر ود ضحوي” من قرية “أم مغد” التي تبعد نحو سبعين كيلو متر جنوب الخرطوم، حمَّل القصيدة الشهيرة والأغنية الحماسية الجهيرة (دخلوها وصقيرها حام..أنا ليهم بقول كلام..) حمَّلها أكثر مما ينبغي، واعتبرها المسؤولة عن كل حروب السودان ابتداءً من معركة كرري عندما غزت جحافل الإنجليز أراضي دولة المهدية، وانتهاءً بتمرد (قطاع الشمال) في تخوم و(كراكير) جبال جنوب كردفان !!
يا سبحان الله.
يعني يا “عادل”.. أغنية حبوبتنا دي هي الخلت بريطانيا العظمى ترسل جيشها العرمرم.. براً ونهراً.. حتى وصولوا (الطابية) المقابلة النيل في أم درمان.. جوار التلفزيون والمسرح؟!!!
والأغنية برضو السبب في تمرد “عرمان” و”عقار” و”الحلو” و”عبد الواحد” و”خليل” و”جبريل”؟!!
بعدين حبوبتنا دي ما عاشت زمن المهدية.. ولا هي الحمَّست الأنصار عشان يموتوا، وكان لازم يموتوا في كرري.
قد يبدو أنها قصيدة مكتوبة في حرب، ولكن الصحيح أنه لم يكن هناك حرب في منطقة شمال الجزيرة إبان حياة الفارسة “زينب بت بابكر” وإلى يوم أحفادها هذا. والشعراء والنقاد يقولون دائماً: (أعذب الشعر أكذبه)، فالسيدة “زينب” كانت تمدح وتحمس إخوانها “موسى المر الحجازي” وأولاد عمها، في معركة محدودة بالمنطقة حول أراضٍ أو غيرها، ولم يسقط جراء ذلك (التحميس) قتلى بالعشرات مثل ما يسقط الآن بالمئات ضحايا حروب القبائل في دارفور وغرب كردفان.. ولا أظن أن مقاتلي اليوم- متمردين وغيرهم- يستمعون لتسجيلات الراحل الفنان الرقم “خلف الله حمد” أو الرائع “حسين شندي” أو حتى “إنصاف مدني” وهي تردد أغنية حبوبتنا “زينب” مباشرة قبل خروجهم للقتال !!
وعندما أرى الرجال والنساء والشباب يرقصون على أنغام مقطع (سم الدرق الجرادي.. تكل الجدري البعادي..) في حفلات صالات أفراح الخرطوم الضاجة.. أو احتفالات المغتربين السودانيين في “دبي” و”الرياض” و “الدوحة”.. وهم يرفلون في الجلاليب البيضاء ومكوية.. متعطرين و لامعين ولامعات. لا يمكنك أن تتخيل أن القصيدة مصممة لحرب ودماء وأشلاء.. بل لبعث قيم ومعاني الشجاعة والثبات.. لا غير .
أنا شخصياً تطربني هذه الأغنية الرائعة كما تطرب الرئيس “البشير” وقد شهدناه كيف يتفاعل معها في كل المناسبات العامة والخاصة.. ولحظتها لا يطوف (صقير) الحرب فوق رؤوسنا ولا نتذكره .
أعتذر لجدتي “زينب” إنابة عن صديقنا “عادل الباز”.. لها الرحمة والمغفرة والقبول الحسن.