العودة للأقاليم (1)
في حديثه لصحيفة (المجهر السياسي) حول تجربة الحكم الفيدرالي وهل تعيين الولاة يعني التراجع عن الحكم الفيدرالي الذي أساسه حق المواطنين في اختيار من يحكمهم، قال نائب الرئيس إن مؤتمراً قومياً لتقويم تجربة الحكم اللامركزي سيعقد في قادم الأيام، وذلك لدراسة جدوى الحكم اللامركزي وكيفية تطويره لتلبية أشواق المواطنين وتطوير الحكم المحلي. وقال إن لجاناً متخصصة ستنعقد على طريقة ومنهج مؤتمر الإعلام الذي عقد هذا العام واتخذ حزمة من التوصيات تنتظر التنفيذ الآن.
إذا كانت تجربة الحكم اللامركزي سيتم إخضاعها للتقويم والمراجعة الهيكلية فلماذا استبقت الحكومة المؤتمر ونفذت ما تريده مسبقاً ألا وهو تعديل الدستور؟؟ وإذا كان الحكم الفيدرالي قد وجد مقاومة ورفضاً من المركز منذ 1956م، وحتى 1994م، فإن الإنقاذ وحدها من كل الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد من أمسكت بمشرطها وقسمت السودان لولايات.. ولكن داخل الإنقاذ هناك تيارات متباينة من الجماعات بعضها لا يؤمن أصلاً بالحكم اللامركزي ولا يعتبره حلاً لمشاكل الأطراف، ويعتبر تقوية المركز ووضع كل السلطات في يد الخرطوم هو من يوحد الناس ويقضي على الجهوية العنصرية، وأن من يرفع رأسه ويطالب بحق مستحق يجب عدم الإصغاء إليه واستخدام القوة والسلاح لفرض هيبة الدولة ووقارها. وهناك تيار آخر ينظر إلى مشكلات البلاد بأنها نتاج لغياب الرؤية الشاملة للحل.. والقضية المركزية التي تسلب الأقاليم حق إدارة نفسها والفشل في إدارة التنوع الثقافي واعتبار فصل الجنوب وذهابه لسبيله، لا يعني حسم الهوية الوطنية ولا التنوع الديني والعرقي.
بين هذه وتلك ظل الحكم اللامركزي تحت رحمة رؤى سياسية متنافرة داخل الحزب الواحد.. وأخيراً نجح التيار القابض والداعي لمركزة السلطة في الخرطوم وسلب الولايات.. أي سلطة من تعديل الدستور.. ولكن بدأت بوادر الرفض من مؤتمر البجة الذي يعتبر واحداً من حركات الرفض والاحتجاج على ظلم المركز للأطراف، حيث اعتبر “موسى محمد أحمد” رئيس مؤتمر البجة أن تعيين الولاة يعتبر انتكاسة وردة عن الحكم الفيدرالي، وعدد أسباب الأمراض التي حاقت بالحكم الفيدرالي لغياب المنافسة. وكتب الفريق شرطة “محمد عثمان فقراي” من شرق البلاد مقالاً يرفض فيه مبدأ مركزة السلطة والتراجع عن الحكم الفيدرالي. وإذا كان “موسى محمد أحمد” قد عبر عن موقفه الحقيقي في مؤتمر حزبه، فإن الرجل آثر الصمت حينما عرض مشروع تعديل الدستور في مجلس الوزراء أو حجب الإعلام الرسمي موقفه ومواقف غيره من القوى السياسية داخل مجلس الوزراء، مثل حزب الأمة الفيدرالي برئاسة د.”أحمد بابكر نهار” ومن اسمه يبدو الحزب مع خيار الفيدرالية ولكن آثر الصمت لشيء في نفس رئيس الحزب.. أما من داخل البيت الإنقاذي فقد قال القيادي الإسلامي البارز الشيخ “أحمد قرشي” في حديث لصحيفة (المجهر)، إن دارفور لن يحكمها بعد اليوم غير أبنائها.. وذهب إلى أن التعديل في الدستور قد يجعل للرئيس سلطة التعيين، ولكن إذا أقبلت الحكومة على تعيين ولاة من غير أبناء الولايات ستحصد مشاكل لا قبل لها بها. إزاء هذه المواقف والتباين في الآراء، فإن مراجعة الحكم اللامركزي يجب أن تشمل حتى حدود الولايات الحالية، وهذا ما ذهب إليه مولانا “أحمد محمد هارون” والي شمال كردفان من واقع تجربة لا عاطفة فقط.
و”هارون” من الذين لهم خبرة طويلة في الحكم اللامركزي وحينما يطالب بمراجعة حدود الولايات يضع يده على الجرح النازف.. هل تملك الحكومة شجاعة الاعتراف بخطأ التقسيمات التي أقرتها كحدود للولايات واستبطنت أزمات قبلية مثل ولاية شرق دارفور التي تستقر منذ ميلادها ودارت الحرب بين مكوناتها بصورة عنيفة جداً.. والآن استحال على الحكومة إدارتها حتى بعد مجيء والٍ من خارج الولاية يرتدي بزة عسكرية ومسنود من المركز، ولكنه لم يستطع فعل شيء بسبب الانقسام المجتمعي، ليطلق البعض على شرق دارفور تهكماً وسخرية برجل الولايات المريض.. نواصل.