أخبار

محكمة الردة

صعدت وبشكل ضاج بالأصوات والجلبة قضية المرأة المتهمة بالردة والتي مثلت أمام القضاء بمنطقة الحاج يوسف، وقضت المحكمة بإعدامها بعد أن رفضت المدانة الاستتابة. وما لفت نظري في المعالجة الإعلامية والصحفية حصر الأمر في باب السرد القصصي للوقائع، دونما استصحاب آراء مختصة بين الشريعة والقانون، وهذا العرض أحدث ما يمكن تسميته حالة من التعاطف مع المدانة والذي أتوقع أن يتسع مداه بشكل انطباعي، ويتحول من قضية قانونية إلى معركة تتدخل فيها أجندات السياسة وكثير من الجهات قياساً على سوابق عديدة، تنتهي دوماً بأن تتراجع الحكومة لصالح تسوية تحفظ بها نصاعة صورتها أمام المجتمع الدولي. !
حدث هذا في قضية “لبنى أحمد حسين” والمدرسة البريطانية بمدارس الاتحاد، وعشرات الأمثلة التي تنتهي كلها إلى معالجة يخرج بموجبها المتهم أو بطل القصة إلى خارج السودان بطلاً وشهيداً وربما قديساً. وعكس ما كان يتوقع أصحاب الاقتراح فعوضاً من أن ينال الحكومة السودانية الثناء والتقدير كما رغبت، فإن الجناة عادة أو المدانين يتحولون إلى شهود إثبات ضد بشاعة ظلم حكم الإسلاميين السودانيين وظلامية دولتهم، وهو ما يعني أن مثل هذه الأمور بل وكل الأمر، إما أن يدار بعقلية قانونية واضحة لا حيز فيها للتقديرات السياسية والإعلامية، بحيث أن أمر القضاء ومنطوقه بعد استيفاء كامل فرص العدالة أمام أن تقام من الألف إلى الياء، وإما أن تترك هذه الأمور وتطوى ملفاتها قبل أن تتسع وتتحول إلى حكاية ومنشط يجلب فيه القوم خيلهم ورحلهم وأقلامهم.
إن كان الأمر محسوماً بالشريعة وصحيح أحكامها ودقيقة في أمر ردة هذه الفتاة، فليمضِ الأمر إلى نهايته والله أحق أن يخشى أكثر من أمريكا والاتحاد الأوربي والفاتيكان، وأما أن الأمر لا علاقة له بالدين وهذا غير ممكن حتماً، لأن النقاش يدور حول ارتداد مسلمة عن دينها -فحينها لا داع لمس نصاعة الشرع وصورة الإسلام برذاذ الجدل والنقاش حول الأمر بحيث ينهض صاحب كل حلقوم عريض وعقل مريض لمهاجمة الإسلام، وتصوير قضاته وكأنهم ثلة من الأغبياء المتهورين.
لذا أعتقد أن مثل هذه الأمور الدقيقة لا يصح فيها الاحتطاب بليل، وتحتاج في أحوال العرض والتداول لترجيح آراء أهل العلم، فهذه ليست (تقسيمة) للهلال أو المريخ يسهل عبرها شتم اللاعبين والجهاز الفني من المدرجات وعلى صفحات الصحف، إنها قضية دقيقة معقدة لا يمكن استسهال الخوض فيها بأسلوب الجوقة والإفتاء من طرف وناصية. وأعتقد أن التكثيف الإعلامي على قضية فتاة الحاج يوسف سيوسع فقط من نطاق الرجم بالغيب في وقائعها وتفاصيلها، وهو ما يجعل من الأنسب مستقبلاً إغلاق مثل هذه المحاكمات الحساسة حتى تتجنب مهيجات العرض المفتوح.
وعلى كل حالٍ دعونا ننتظر نهاية الموقف الرسمي في هذه القضية، وهل ستضاف إلى أرشيف قضايا التسويات أم ستنتهي إلى نفاذ الحكم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية