شهادتي لله

العلاج بأوربا.. بيروقراطية الموت !!

‎تجارب الكتاب (الخاصة) في كل المجالات ملك (عام) لقرائهم.. يعبرون ‎عنها بطريقة مناسبة ولائقة وغير مزعجة.. لتعم الفائدة.. هكذا تعودت ‎أن أفعل وتعود بعض المحبين أن يتفاعلوا مع تلك القصص والحكايات.
‎لا أنسى.. قبل سنوات اتصل بي على الهاتف قارئ عزيز من الإخوة ضباط ‎الشرطة. عرفني بنفسه.. العقيد فلان أخذت رقم تلفونك من فلان.. ‎زوجتي الآن بالقاهرة ستقابل الطبيب بعد قليل لإجراء عملية (الجيوب ‎الأنفية)، وهي مترددة ومنتظرة  رأيي حالاً، وقد قرأت لك مقالا قبل فترة ‎عن خضوعك لذات العملية.. وفشلها.. أنا عاوز منك إجابة سريعة: هل ‎المدام تعمل العملية ولا لا؟؟
‎طبعاً الإجابة التقليدية التي يرددها الأطباء أو أي عارف بالطب هي أن كل ‎حالة تختلف من شخص لآخر، وما يناسب هذا قد لا يناسب ذاك.
‎ ولكن طبعاً هناك تجارب عامة متعلقة بأمراض أعراضها وعلاماتها وتأثيراتها ‎واحدة.. الملاريا مثلاً واحدة عندي.. وعند فلان وفلتكان.. قد تصيب ‎أحداً بآلام في المفاصل فضلاً عن الحمى.. وقد تسبب غثيانا للبعض ولا ‎يعاني من ذلك آخرون.. لكنها الملاريا في النهاية.. التي يتعالج منها ‎جميع السودانيين بالحقن (الزيتية) وأقراص (الراجمات).. ويتم دعم ‎العلاج عادة بالقريب الفروت وعصير العرديب .. أليس كذلك؟  هل هناك علاج ‎بالليزر للملاريا؟!
‎المهم.. وكعادتي واضح وصريح ولا أعرف التردد في ما أعلمه وما خبرته عبر ‎مراجعة عشرات أطباء الأنف والأذن والحنجرة وغيرهم داخل وخارج السودان، ‎لم أتلجلج في أن أقول لسائلي: ( لا.. ما تعملها..) وقد كان. ربما ‎يقول لي أحدهم لقد أفتيت بما ليس لك به علم.. ربما.. ولكنه طلب رأيي ‎ولم يطلب رأي طبيب اختصاصي، ومؤكد أنهم راجعوا أطباء كثر في السودان.. ‎ولا شك أن البعض نصحهم بالعملية والبعض الآخر من الأطباء لم ينصح بها… ولهذا فإن المريض وأهله مترددون.
‎الآن .. وبعد (3) أشهر  من العلاج في ألمانيا، فإنني أنصح كل من يرتب ‎للعلاج في هذا البلد.. أن ( يلم قروشو عليهو) ويشوف خياراً آخر.
‎ليس الأمر متعلقاً بحالة علاج واحدة نجحت أو فشلت، وقد تختلف من طبيعة ‎شخص لآخر إضافة لعوامل أخرى متعلقة بالمريض والطبيب والمستشفى.. ولكنني ‎أتحدث عن نظام بيروقراطي عقيم يهدر زمن المريض شهوراً متطاولة بين مواعيد‎.. ومواعيد وإجراءات وإجراءات دون طائل.
‎قد يقول قائل هناك المئات من السودانيين تعالجوا وبلغوا الشفاء في ‎المشافي (الألمانية) و(البريطانية)، وردي أن هنالك بالمقابل ملايين ‎السودانيين تعالجوا وتماثلوا للشفاء في مستشفيات الخرطوم (السجمانة ‎الوسخانة دي) بما في ذلك مرضى السرطان الذين يراجعون مستشفى (الذرة) أو ‎مراكز خاصة أخرى.. فالشافي في النهاية هو الله ، وما الأطباء والدواء ‎إلا أسباب.
‎من تجربتي أن الدول الناهضة من دول العالم الثالث أفضل في العلاج مثل ‎الهند وتايلاند وماليزبا وتركيا والصين ومصر في مشافي محددة وأطباء ‎محددين.. لماذا؟ لأنهم يسعون حثيثاً وبكل طاقاتهم ليبلغوا الكمال.. ‎بينما الأوربيون لا يشعرون بأن هناك داعياً للعجلة في أي أمر حتى ولو كان ‎مريضاً يتلوى من الألم على نقالة في قسم طوارئ بمستشفى ألماني، فإنهم ‎لابد أن يكملوا إجراءاتهم (المكتبية) ويبرمجوا كل المعلومات من (الفورمات) في الكمييوتر، ويحصلوا على توقيعاتك على عدة أوراق، وقد يستغرق ذلك ‎ساعتين أو أكثر، من بعد ذلك تدخل على الطبيب، وربما تفارق الحياة قبل ‎ذلك.. الكثيرون ماتوا قبل أن يسعدوا بمواعيد من الطبيب.!!!
‎الحل لشعبنا أن يتم تطوير القطاع الصحي في بلادنا بثورة عاجلة وملحة..أن تحدث ثورة إدارية في المرافق الطبية في السودان.. أن تكون هناك ‎متابعة إدارية لصيقة على مدار الساعة للطاقم الطبي بأي مستشفى.. ‎الأجهزة.. المعدات.. الأسرَّة.. النظافة.. التمريض.. التكييف.. ‎الصرف الصحي.. مواد التعقيم في أي عنبر وأي غرفة.. وجود الاختصاصيين ‎باستمرار وليس أطباء العموم والامتياز.. وذلك لا يتوفر إن لم تنفق ‎الدولة على الصحة المزيد.. أن تضاعف ميزانيتها خصماً على القطاع ‎السيادي والعسكري والأمني.
ليس حلاً أن يتم تفكيك المستشفيات الكبرى ‎لتخفيض الميزانيات كما تفعل ولاية الخرطوم مع مستشفى الخرطوم.. بل لابد ‎من توفير المزيد من المال والإدارات المؤهلة والناجحة.
‎كم مليون دولار (سوداني) تذهب خارج البلد (شهرياً) للعلاج يا وزير ‎المالية.. بس ناس الحكومة خليك من باقي الشعب؟؟
‎أليس مستشفياتنا وأطباؤنا.. وطواقم التمريض عندنا أولى بها. وبعملية حسابية بسيطة فإن زيادة ميزانية الصحة ووضع ضوابط إدارية صارمة ‎لمتابعة ومراقبة ومحاسبة الأطباء كما يحدث معهم في السعودية مثلاً.. مع ‎زيادة مرتباتهم ومخصصاتهم.. سنجد أن الدولة ستوفر مئات الملايين من ‎الدولارات والعملات الأجنبية الأخرى.. بل يمكن أن تكون الخرطوم عاصمة ‎مهمة للسياحة العلاجية في منطقة شرق ووسط أفريقيا ما يدر على خزينتا ‎العامة مليارات الدولارات، لا تقلّ عن تلك التي تحققها الأردن ومصر وجنوب ‎أفريقيا وتايلاند وغيرها من محطات العلاج.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية