فرحون بالحرب
في سنوات المواجهة بين العرب وإسرائيل.. كان الشاعر “نزار قباني” يرثي العرب قبل موتهم ويقف إلى صف اللاجئين الفلسطينيين ويقول بالحرب قانعون وبالسلم قانعون.. عنواننا المخيم الستون!! وكحال لاجئي فلسطين في سنوات المواجهة فإن النازحين والفارين من لظى المعارك والموت في المنطقتين بعد انهيار المفاوضات ووصولها لطريق مسدود، يردد لسانهم بالحرب قانعون وبالموت قانعون.. وبالجوع قانعون عنواننا أطراف المدن.. بيوت من الخيش ومهن وضيعة في الأسواق.. واختار بعضنا الهجرة خارج الحدود.. هروباً من واقع الأزمة وبحثاً عن أمان افتقدناه في وطننا!
أقلام معارضة استغرقت في الفرح لانهيار المفاوضات حتى لا تفقد المعارضة فصيلاً هاماً تعول عليه المعارضة كثيراً لإسقاط النظام وإزاحته من الوجود، والقوى المعارضة التي ترفض السلام وتناهضه متمركزة في الخرطوم بالقرب من القصر الرئاسي وبعضها في الأطراف، ولكنها معارضة لا تقاتل بنفسها.. بل ينوب عنها آخرون في القتال.. وداخل الحركة الشعبية هناك تيار متنفذ جداً يتماهى مع المعارضة الرافضة للتسوية.. تيار بعضه متطرف جداً في رؤيته ناقماً على كل شيء.
حدثتني الأخت “بثينة دينار” القيادية في الحركة الشعبية عن ضغوط كثيفة يتعرضون لها هم (التيار المفاوض)، حيث يتنامى كل يوم غلاة الرافضين لأي سلام مع الحكومة.
وفي الخرطوم من يقرأ الصحافة ويشاهد قنوات التلفزة ووسائط التواصل الاجتماعي تفيض بالأفراح والزغاريد، لمجرد أن أعلن فشل جولة المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال.. وهناك قطاع عريض جداً داخل المؤتمر الوطني وخارجه ينظرون للتفاوض من خلال بغضهم الشديد لـ”ياسر عرمان”.. ويفرحون لمجرد أن باعد الفشل بينهم و”عرمان”.. ويعتبرون السلام منقصة من كبرياء الحكومة.. وإن نيفاشا كانت خطيئة “علي عثمان” وحده ولا ينبغي لبروفسور “إبراهيم غندور” إعادة تكرارها.. وبأن المفاوض الحكومي نفسه مرعوب من ردة فعل هذا التيار ويخشى الصحافة أكثر من خشية دمار وطن.
إزاء هذا الواقع (علقت) مفاوضات السلام وهي تعبير للتخفيف عن كلمة الفشل.. ليعود الوفدان للتشاور حول الاتفاق المبدئي الذي طرحته الوساطة الأفريقية. وبما أن الاتفاق الذي طرحته الوساطة حتى اليوم في طي الكتمان وتحتفظ به الجهات الثلاث الحكومة والحركة والوساطة في حقائبها الخاصة، فإن الحكم على هذا الاتفاق لا يزال الوقت باكراً عليه!!
وقد فشلت الصحافة السودانية التي تابعت المفاوضات حتى أمس(الثلاثاء) في الحصول على مسودة الوثيقة التي طرحت، وحتى بعض أعضاء الوفدين آثروا الحديث بعيداً عن أصل الورقة التي طرحت.
ومنهج التعتيم والتغطية والسرية هو من أودى في نهاية المطاف بجنوب السودان إلى الانفصال.. ولو وضعت كل بنود اتفاقية السلام 2005م، في الفضاء.. وتعرضت للنقد والتجريح قبل أن تصبح دستوراً على القوى السياسية والاجتماعية الإذعان إليه، لما ترتب على انفصال الجنوب تبعات مثقلة على الإنسان.. هنا وهناك.
والحرب في المنطقتين تجري في العلن ونتائجها معلومة وآثارها شاخصة على الواقع، فلماذا لا تطرح الوسائط مقترحاتها علناً.. وتجعلها مشاعة لأهل السودان للحكم لها أو عليها!! وكذلك مقترحات الحكومة والحركة الشعبية.
إن ما أعلنه “أمبيكي” (الاثنين) الماضي يعد محبطاً لأهل المنطقتين لوأد أحلامهم في السلام والاستقرار مثل بقية أنحاء البلاد.. ويدفع إنسان المنطقتين ثمن البغض المتبادل بين “ياسر عرمان” وآخرين.. وفشل النخب السودانية في إبصار أزمة ذواتهم.. وبعض من هؤلاء يعتبرون الحرب وسيلة لتحقيق السلام وآخرون يحلمون بحرب تسقط عنهم النظام.. وفي كلا الحالتين نحن الضحايا ممن فرقت الحرب بين الأخ وأخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه!!