أخبار

معليش!!

إن افتضاح الزيف في واقعة (تابت) يجب أن تكون مدخلاً لاستنهاض نور الحقيقة في مشكلة دارفور، لم تعد المواقف السلبية تكفي ولو كانت معلقة على مشجب الحكمة، بلغ السيل الزبى وصعد إلى مرقى بعيد، وأما الأهم من هذا ضرورة العمل بمنهجية أكثر عمقاً لنبش ملف هذه الأزمة وعرضه لمعايرة دقيقة، فليس كل ما جرى كما هو جرى، ويبدو أن مخطط (شيل القفة) الذي برعت فيه الحركات المسلحة وتمادت فيه قد حان وقت كشفه، ومن الواضح أن (تاريخ) الأحداث وإعمال قياسات العقل والمنطق فيها سيؤدى إلى كشوفات مريعة، كشوفات للزيف والخديعة، وقد شهد بعض المتعافين من رجس حمل السلاح بأنفسهم أنهم كانوا واقفين على شهود زور في ملف الجنائية الدولية، وشهد آخرون بما هو وفق ذلك وتحته.
أمر آخر ويتصل بالنقطة السابقة وهو ضرورة تقوية أزرع نقل صوت السودان لعوالم المنظمات الإنسانية، في هذا المضمار ما يزال الصوت واللسان والمقال هو للحكومة، المنظمات غير الحكومية التي تملأ الأضابير بالملفات والأسماء والناشطون يزحمون الأرقام في وزارة الرعاية الاجتماعية وجهات الاختصاص، ولكن لا حضور فاعل ومؤثر إلا في المواسم مثل ما يحدث في “جنيف” ومداولات مجلس حقوق الإنسان، إذ نتعرف فجأة على أن لنا منظمات ومجالس حقوقية ناطقة بما ينطق به القوم، والشاهد لهذا الغياب أن كل جرائم الأطراف المختلفة في أكبر إقليم يشكل مساحة السودان إنما تنسب كلها للحكومة ولا يوثق أحد أو جهة جرائم الحركات المسلحة والمتمردين على المواطنين وهى لا تحصى أو تعد، بدءاً من “دارفور” نفسها ووصولاً حتى إلى “نهر النيل” و”البحر الأحمر”، حيث شهدت رمال الصحراء وجبالها بعض الخروقات التي انتهت كلها بعد فورة الحماسة الوطنية لتكون خبراً أو أخباراً في خانة أرشيف الأحداث بالسودان.
منطقة “طويلة” و”المجرور” و”غبيش” و”أم روابة” و”مليط” وجوارها كانت كلها مساحات لانتهاكات مريعة، ونذكر “أبو كرشولا” و”النيل الأزرق” كلها كانت أنشطة إجرامية تستحق في الحد الأدنى أن تكون موجودة في مضابط المنظمات الوطنية التي تتبنى حقوق الضحايا في الإعلام والمنظمات النظيرة، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث وتركت الساحة نهباً لمنظمات الغرض والمرض والعالم يعيش حالة من الغيبوبة وعدم الوعي لأنه صار في المسألة السودانية يتعامل مع مصدر واحد مشكوك في ذمته، فكان طبيعياً أن تتحول صورة السودان إلى صورة قاطع طريق وقاتل ومتحرش بالنساء بل ومغتصب ليسهل وفقاً لهذا نعته بأي جرم ارتكبه أم لم يرتكبه لأن منظومة الشينطة أفسدت صورة البلاد وسمعتها.
ولئن كان المتمردون يدعون ويزعمون أن العروض انتهكت والدماء سفكت، ثم يكتشف العالم كله أنهم كذابون، فإن المطلوب منا جميعاً عملاً أكبر من مجرد الاحتفاء بتبرئة حتى إعلانها أتى في ثنايا بيان محشو بالحديث الهراء و(الكلام الفارغ)، ومطلوب تحرك أكبر مما رأينا ويجب ألا نكتفي بمجرد كلمة.. معليش!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية