مصر – السعودية والسودان .. تجربة مكافحة الإرهاب الخيارات والحلول …
بدأ التطرف الديني بالظهور في شكل سافر من شمال الوادي في عهد حكم الرئيس المصري الأسبق “جمال عبد الناصر” واندفعت موجة العنف والتكفير في أعقاب حادثة اغتيال رئيس الوزراء وقتها “النقراشي باشا” في العام 1948م ثم أعقب ذلك عملية استشهاد الإمام “حسن البنا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بعد عام واحد من حادثة مقتل “النقراشي باشا” ليتم بعد إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين وحظر نشاطها في أرجاء مصر كافة، وتردد أن الخازن دار الذي تم اغتياله بواسطة التنظيم السري الخاص الذي كان يقوده “عبد الرحمن السنيدي” – كان يقف وراء قرار حل جماعة الإخوان المسلمين وإيداع قياداتها السجون بدءاً من “الهضيبي” ومروراً ب”عمر التلمساني” و”أبو النصر” و”مشهور” وغيرهم من رواد الجماعة ورموزها الفكرية والسياسية والتنظيمية التي كانت تعمل تحت الأرض بعد منعها من ممارسة نشاطها بالعلن، ثم جاءت عمليات الإعدام مثل إعدام “سيد قطب” وغيره، هذه الإجراءات التعسفية ضد تنظيمات العمل الإسلامي خلقت واقعاً فيه الكثير من عمليات التجاذب والاستقطاب والمواجهة بين المنظمات الإسلامية فبجانب الإخوان المسلمين ظهرت جماعة الجهاد بقيادة “عبود الزمر” و”خالد الإسلامبولي” الذي قتل الرئيس “محمد أنور السادات” ثم الجماعة الإسلامية التي كان يقف عليها الشيخ “عمر عبد الرحمن” و”أيمن الظواهري” قبل التحاقه بالقاعدة وإعلان تحالفه مع “أسامة بن لادن” في كهوف التورابورا، ثم جماعة التكفير والهجرة بقيادة “شكري مصطفى” وتعاملت أجهزة الأمن المصرية بالعنف الزائد والبطش والقسوة مع ألوان الطيف الإسلامي بجانب عمليات التعذيب التي مورست ضدهم في المعتقلات، فكان الخط الأمني هو خيار السلطات في التعاطي مع هذه المجموعات من غير فتح أي خيارات وبدائل أخرى وصنفت مصر الرسمية منذ وقت مبكر هذه المجموعات بأنها إرهابية وتشكل خطراً على الأمن القومي المصري والبلدان المجاورة واعتبرت أن الجماعات الإسلامية هي المهدد الأول للأمن المصري بدرجة عالية للغاية وغصت السجون المصرية وقتها وامتلأت بالمعتقلين من شيوخ وشباب الحركات الإسلامية وظهرت لونية جديدة في احتمال الأوضاع داخل السجون بالتسلي والترويح عن التعذيب بأدب السجون وهو شعر يمتلئ حزناً ويكتسي بالأسى والألم (أبتاه ماذا قد يخط بناني – السيف والجلاد ينتظراني) ثم أناشيد (أخي أنت حر بتلك القيود – أنت حر وراء السدود – إذا كنت بالله مستعصماً فماذا يضيرك كيد العبيد) وأنشودة من شاكلة (ضع في يدي القيد ألهب أضلعي – بالسوط ضع عنقي على السكين)، بينما كانت السعودية التي ظهرت فيها مدارس التطرف الديني بعد مصرمباشرة تتعامل – غير الخط الأمني – بأدوات وآليات جديدة مثل المراجعات الفكرية وأسست معاهد لحوار المتطرفين مثل معهد “محمد بن نايف” وطورت من وسائل مكافحة الإرهاب بالخطاب الإلكتروني عبر الحوار مع الجهاديين بالإنترنيت والوسائط الأخرى عبر خبراء مختصين في هذا المجال بالاضافة إلى عملية اختراق صفوف الجهاديين من أجل تفتتيهم وكشف مخططاتهم، ثم أخيراً استخدام سياسة الفضح وتعرية المتطرفين عبر إبراز مشروع التفجيرات وضحاياها سواء خسائر بشرية أو في الممتلكات وبيان تأثير هذه المخططات على الدعوة الإسلامية نفسها، غير أن التجربة السودانية ورغم حداثتها كانت ناجحة إلى حد ما نظراً لتأخر الحل الأمني الذي يأتي في مرحلة ثانوية على الرغم من إقدام السلطات توقيف الجهاديين ووضع يدها على مخططاتهم وتفكيك خلاياهم فقد ظهرت عدة مسارات من بينها الحوار المباشر ثم عقد التسويات التي تنتهي غالباً بالإفراج عن عناصر تلك الخلايا بعد ظهور الوساطات التي تأتي من قيادات محسوبة على التيار الإسلامي باعتبار أن هؤلاء الشباب هم ضحايا خلافات الحركة الإسلامية والبعض منهم كان مصدوماً ومحبطاً من تجربة الإسلاميين في الحكم التي جاءت على غير ما يتمني هؤلاء الشباب بجانب تقديم المسار القانوني كواحد من الحلول على كما حدث في توقيع العقوبة على المدانين بمقتل “غرانفيل” ثم استخدام الجودية كعرف سوداني في تسوية مثل هذه القضايا مثلما كانت عليه الحالة في قضية خلية الدندر التي شهدت مقتل جندي من شرطة الدندر وتم تسوية ملف القتل عبر التعويض والدية وانتزاع العفو من أولياء الدم (الحق الخاص) بينما جاء الحق العام في العفو الذي أصدره وزير العدل مولانا “محمد بشارة دوسة” في حق شباب خلية الدندر وفقاً لسطاته وصلاحياته التي استخدمها لإنهاء هذه القضية على نحو أدى لخروج كامل المجموعة من المعتقل بجانب أن التطرف الديني في السودان يأتي في مرتبة متأخرة للغاية بالنسبة للمهددات الأمنية التي تبدأ أولاً بالتدخلات الأجنبية ثم الحرب الأهلية فالنعرات العنصرية والقبلية. وتجئ ظاهرة التطرف الديني في المركز الرابع من المهددات والمخاطر التي تواجه البلاد ومع ذلك يعتبر السودان من الدول الأولى التي لها شراكات وإتفاقيات أمنية في مجال مكافحة الإرهاب خاصة مع الإدارة الأمريكية …