أخبار

التعديلات والعبور (1)

لن يزرف على الحكم الاتحادي اللامركزي أحد دمعة واحدة إن تم إلغاؤه جملة واحدة أو تجريده من أهم مقوماته، ألا وهي حرية المواطنين في اختيار من يقودهم وذلك لعدة أسباب: أولها التطبيق الشائن للحكم اللامركزي والهيمنة المركزية المطلقة على الولايات.. والإفرازات السالبة جداً لاختيارات المؤتمر الوطني الأخيرة لترشيح منسوبيه لمنصب الوالي، والسلوكيات الشائنة لبعض الولاة وبعض المرشحين حتى تبدى مظهر الفساد والإفساد طاغياً على المقاصد النبيلة من وراء عقد مؤتمرات الاختيارات نفسها.. وثمة فرق مقدار وكيف بين الاختيار والانتخاب.
لن تواجه التعديلات الدستورية التي وضعت أمام نواب البرلمان بأية معارضة وذلك لجملة أسباب: أولها أن الشارع والرأي العام غير آبه بما يجري ولا منفعل بتعديل الدستور أو حتى الانتخابات والتسجيل لها، لأن الساحة الآن خالية من منافس حقيقي للمؤتمر الوطني حيث آثرت المعارضة رفع لاءات الرفض لكل ما هو مطروح.. ووقفت المعارضة بعيداً تنتظر أن تمطر السماء انتفاضة تقتلع النظام من جذوره.. والأحزاب المتحالفة مع المؤتمر الوطني طموحاتها لا تتعدى (عطية مزين) من الحزب الحاكم يهبها لها كدوائر جغرافية أو وزارات.. ولا تكدح ولا ترهق نفسها بالمشاركة في الانتخابات (ما دام نصيبها) محفوظ بلا عرق جبين وخدمة (ضراع).
سبب آخر أن الحكم اللامركزي الذي أقرته الإنقاذ عام 1994م، كمحاولة منها للبحث عن طعم يغري القوى الجنوبية التي تحمل السلاح للعودة لمنطق الكلمة والقبول بسلطة كاملة في جنوب السودان ومشاركة هامشية في الخرطوم، لكن الجنوبيين (تمانعوا) واعتبروا خيار حق تقرير المصير هو خيارهم.. وأخذت التجربة الفيدرالية تتخبط طرقات الشارع ما بين انتخابات حرة مباشرة وما بين أن يختار الرئيس بعضاً ممن يثق في كفاءتهم وتقديمهم للمجالس التشريعية لاختيار من بينهم والياً.. ثم جاءت اتفاقية 2005م، والدستور الانتقالي ليجعل من الولاة منتخبين من الشعب مباشرة وكل حزب يختار مرشحه لمنصب الوالي، ولكن الأحزاب رفضت ومانعت وقاطعت وتركت المؤتمر الوطني  وحده في الساحة لينتخب ولاة بعضهم محبوب عند مواطنيهم ومبغض عند المركز.. وآخرون جاءت بهم المعادلات المحلية والصدف المحضة.. ليبتدع المؤتمر الوطني بدعة إرغام الحزب منسوبيه لتقديم استقالتهم في حال رغب قادة الحزب في الخرطوم.. ذلك بحجة أن الولاة ما كان لهم الفوز بكرسي السلطة لولا شجرة “البشير” التي يستظلون بظلها من وهج الشمس!!
وحينما أدرك المؤتمر الوطني أن الانتخابات القادمة سيخوضها وحده ويفوز بها وحده.. أقبل على تعديل نصوص الدستور وحده حتى دون مشورة شركائه الآخرين في الحكومة، مثل الاتحادي الديمقراطي بشقيه وأحزاب الأمة المنشقة عن أصلها.. وحتى الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاقيات مثل “الدوحة” و”أسمرا” و”القاهرة” و”نيفاشا” وكل تلك الاتفاقيات، أكدت على أن نظام الحكم في البلاد لا مركزي وأن الشعب هو من يختار ولاة أمره.. ولكن هذه الأحزاب والكيانات الصغيرة لا تملك معارضة التعديلات الدستورية التي أسند أمرها لكبار الإنقاذ ممن خرجوا من السلطة، واحتفظوا لهم بدورهم السياسي الفاعل في مفاصل التنظيم.. ووضعت “بدرية سليمان” القانونية الشهيرة والتي تملك موهبة استثنائية في صياغة القوانين والدساتير وفق ما يطلبه الحاكمون.
ومن هنا فإن التعديلات الدستورية التي أخذت طريقها(الاثنين) القادم للبرلمان ستعبر جسر النيل الأبيض مسرعة نحو القصر الرئيسي، حتى يصدر الرئيس قرارات التعيين الجديدة لولاة يختارهم وفق التفويض الممنوح له، ولا أحد ينازع الرئيس في حق اتخاذ التدابير التي من شأنها إصلاح نظام الحكم وخدمة العباد. ونواصل

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية