الديوان

التجاهل في المركبات العامة.. (تتجاهلني كيف وتتغابى فيني العِرفة)؟!

حسب حالة الجيب
الخرطوم ـ سعدية إلياس
في كثير من الأحيان يلجأ معظمنا إلى تجاهل من يعرفونهم عندما يفاجأون بهم في المركبات العامة أو في المطاعم أو عند أبواب المستشفيات والحدائق العامة وغيرها من الأماكن.. والسبب محدودية المال الذي قد نكون مسبقاً قد فصلناه على قياس تحركاتنا سواء أكنا موظفين أو عمالاً, طلاباً.. كلٌ حسب ظروفه الاقتصادية التي يعيشها..  ولـ(المخارجة) من الحرج نطبق نظرية (شاهد ما شاف حاجة).. أو نتبع سياسة التقشف التي باتت ملحوظة في  تصرفات السواد الأعظم من المجتمع السوداني، خاصة أن الرواتب أو الأجور التي نتقاضاها لا تكفي احتياجات شهر بأكمله لا سيما أننا شعب اجتماعي متعدد المعارف والعلاقات الممتدة.. والمال هو أساس الحياة، لذلك يلجأ معظمنا إلى تقسيم المرتب على الضروريات مثل التعليم والمعيشة، مع غياب تام للصحة من تلك القسمة، أما بقية الأشياء فنتركها تسير كما يخطط لها القدر دون أن نضع في الحسبان أن الأيام ستخضعنا لمواقف محرجة حينما نلتقي بأشخاص نعرفهم في (المواصلات) وغيرها من الأماكن.. وهنا يكون التجاهل أنجح وسيلة للاحتفاظ بما تبقي لك من مصاريف، خاصة أنها قد تربك حساباتك.. ومن هنا تبدأ رحلة مشاورة النفس (يا ربي أدفع ولا أعمل نايم)، وربما يكون الاعتذار هو الأفضل في مثل هذه الحالات، لأنه يحفظ لك القليل من ماء وجهك عندما يحين وقت اللقاء مرة أخرى.
{ الحالة صعبة
وحتى نكون أقرب إلى الواقع آثرت (المجهر) أن تطرق أبواب العاملين والطلاب لترى كيفية تفادي هذه المواقف، فتحدث إلينا طالب الثانوي “خالد عبد الباقي” قائلاً إننا كطلاب يدفع كل شخص لنفسه لأن المصروف محدود.. أما الطالبة الجامعية “سحر عمر” فقالت إنها لابد أن تحافظ على وضعها من ناحية (برستيج) لذلك تدفع لكل شخص تعرفه، واتفق معها الموظف “حسين السماني” قائلاً: برغم محدودية مصروفي إلا أنني أدفع لكل الذين أعرفهم، وهي عادة عند الشعب السوداني يفعل أي شيء لإرضاء غيره)، بينما اعترفت “ناهد أحمد آدم” بأنها لا تستطيع أن تدفع إذا كان المبلغ لا يكفيها للعودة، وأشارت إلى أن بعض الناس لا ينظرون إليك بأنك لا تملك المال وإنما هي نظرة البخيل (الجبان).. ومن جهة أخرى قال “عابدين عبد الغني” إن الأمر على حسب الشخص الذي تعرفه لأن هناك بعض الأشخاص تكون واضحاً معهم والبعض الآخر لا تستطيع غير أن تختفي في المركبة أو تدعي عدم التركيز أو اللامبالاة. أما “ح. م” فقال: (هناك موقف تكرر لي كثيراً عند دخول المستشفيات لزيارة قريب أجد عدداً من نساء الأهل ولا أستطيع شراء كمية من التذاكر، الشيء الذي اضطرني أن أعمل رايح مرات وما شايف)، بينما حكى لنا “ك. س” قائلاً إن الوضع الاقتصادي أصبح سيئاً جداً.. ويجب أن نستخدم نفس سياسة الخواجات (كل واحد يدفع لنفسه) خصوصاً في المطاعم.. ففي ببعض الأوقات أجد أنني لا أملك إلا ما يكفيني من المال فأذهب مضطراً إلى مطعم بعيد عن مكان عملي حتى لا أتعرض بالإحراج عند  قدوم أحد زملائي. 
{ الخبير الاجتماعي “علي محمد توم” أوضح في حديثه لنا حول الموضوع أن الحالة الاقتصادية التي ضربت السودان خلال الأعوام الماضية ولا تزال، كان لها الأثر الكبير في الانعكاس على حياة الناس كافة خاصة في معاملتهم وفي تواصلهم الاجتماعي، بل وصل تأثيرها المباشر للأعراف والتقاليد التي عرف بها أهل السودان من كرم وإيثار.. ومن تلك التقاليد المعروفة أن تدفع لكل من تعرفه في أي مكان،   وهي عادة غير معروفة إلا في هذا البلد الطيب أهلها، إلا أننا الآن أمام الضيق وضنك العيش صرنا نتناسى من نصادفه، وهذا ما يخلق نوعاً من الصراع النفسي بسبب عادة كانت متأصلة في دواخل الناس.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية