زيارة الـ(هوم ويرك)
وصل إلى الخرطوم، أمس، الرئيس “سلفا كير ميارديت” رئيس دولة جنوب السودان في زيارة تأخرت غير مرة لأسباب تتعلق بظروف الضيف المعلومة، وتتعلق بتطورات حرب الفرقاء الجنوبيين الذين عظم مستصغر شرر حربهم الأهلية وبات مرشحاً ليحل مكان حربهم الأولى مع وطنهم الذي انشقوا عنه وانسلخوا، فما ربحوا دولة جديدة وما كسبوا ما كان يمنون به الناس.. زيارة رئيس جنوب السودان للسودان تسبق بثمانٍ وأربعين ساعة قمة طارئة للهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيقاد)، الخميس، بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا. ولعل توقيت الزيارة يشير بجلاء إلى نوع الأجندة التي ستبحث مع الرئيس “البشير”، التي الراجح فيها أن المشكل الجنوبي سيكون هو المحور وإن وردت أوراق أخرى على صعيد الهموم المشتركة بين الزائر والمزور تتعلق بتفعيل اتفاقية التعاون المشترك وقضايا الحدود والحاضر الدائم في نقاشات الخرطوم وجوبا (الخط الصفري).
تقديري وقراءتي تشير إلى أن “سلفا” بات يبحث عن مخرج لأزمته مع خصومه والحاملين السلاح عليه بقيادة نائبه السابق “رياك مشار” الذي هبط الخرطوم قبل نحو ثلاثة أشهر، وجلس إلى رئيس الجمهورية.. وصحيح أن زيارة قائد الحركة الشعبية المعارضة لم يتم الإشهار عن كامل تفاصيلها، لكن الشاهد فيها أن السودان احتفظ فيها بموقفه العقلاني من طرفي الصراع إذ لم ينخرط في دعم صريح وكامل لأي من الطرفين بالجنوب، وهو موقف يقدره الفرقاء الجنوبيون بالجانبين. وواضح أن رؤية للتسوية عُرضت حينها على الدكتور “مشار” بصياغة وتحرير سوداني ربما لم توافق عليها جوبا وقتها وآثرت بدائل أخرى وحلولاً لم تؤت ثماراً، فعادت لتقليب الأمر على جوانب النظر والاستبصار.
زيارة اليوم الواحد التي تمت في (أغسطس) الماضي لزعيم المتمردين الجنوبيين، حرصت السلطات السودانية بشكل لافت أن تكون بلا ضجيج إعلامي كبير أو إشارات سياسية رسمية، كما نوهت قبلها وبشكل صارم على لسان وزير الخارجية “على كرتي” على ألا اعتراض لجنوب السودان على زيارة د. “مشار” للخرطوم وأن الزيارة ستصب في مصلحة السلام والاستقرار بالبلد الجار. ولم ينس “كرتي” يومها الإشارة إلى أن الزيارة تأتي ضمن زيارات تم الاتفاق عليها مع دول الـ(إيقاد) وبموافقة دولة جنوب السودان.. وخلاصة تفسير إفادات وزير الخارجية أن زعيم المتمردين حضر وفق تنسيق مسبق طال أكثر من طرف وجهة، وأن الجميع كما نقول بالعامية في الصورة، لذا أقول– تحليلاً وليس معلومات- إن لقاء الرئيسين، أمس، بالخرطوم سيكون قد بت في كثير من الرؤى وبلور اتجاهات مفيدة سيدخلان بها قمة الـ(إيقاد) على نحو وربما أن تلك الرؤية حصلت على إشارات قبول من جانب المتمردين، وهذا يجعل زيارة رئيس البلد الوليد زيارة (هوم ويرك) قبل اجتماعات أديس أبابا الراجح فيها عندي أنها لبذل تقاربات مستخلصة من زيارات الأطراف الجنوبية للسودان، ولهذا أعتقد أن البيان الأوضح لاتجاهات زيارة “سلفا” ستكون بعد قمة الـ(إيقاد).