"الترابي" و"علي عثمان" وقائع صاخبة في قبة البرلمان
جمعهما أكتوبر وفرقهما رمضان
الخرطوم- يوسف عبد المنان
في ليلة الثالث من رمضان تلاشت آخر خيوط الاتصال التي وهنت حد القطيعة غير المعلنة بين الأمين العام للحركة الإسلامية د. “حسن الترابي” ونائبه الأول في الحركة “علي عثمان محمد طه” الذي شاءت الأقدار أن تجعله الرجل الثاني في الحركة والدولة معاً، في ظل هو نائب الشيخ “الترابي” وفي العلن هو النائب الأول للجنرال “البشير”. والمسافة بين الشيوخ والجنرالات بعيدة بمقاييس المكان وقريبة بالفكرة التي أشاعها “الترابي” وسط قطاعات القوى الحديثة التي من بينها القوات النظامية. وفي الثلاثين من أكتوبر عند العاشرة من صباح أمس (الخميس) وتحت قبة البرلمان ذي اللون الرمادي الهادئ، والمبنى العتيق الذي تحت ظلاله الباردة انقسمت الحركة الإسلامية لوطني تحت قيادة عسكرية وشعبي تحت قيادة تاريخية، لم يغشاها قطار التجديد الذي يمضي ببطء وسط الأحزاب السودانية.. تبادل الشيخ “الترابي” والشيخ “علي عثمان محمد طه” بعض من الشأن الخاص وكثيراً من الشأن العام. وبدأت على سيماء الرجلين في جلستهم الدافئة علامات الرضا وصفاء القلب وتجاوز محن الأمس القريب وخلافات الأيام البعيدة. يمد الشيخ “الترابي” يده حتى يلامس جلباب “طه” الذي يبتسم في وجه شيخه.. وبين رمقات العيون التي بدا عليها اليقين بأن غد الإسلاميين في السودان ربما كان أفضل من يومهم هذا .. ارتدى “الترابي” في غير عادته جلباباً رمادياً.. والرجل لا يعرف عنه مواقف رمادية إما معارض شرس للحكام أو داعم صادق بالرأي والرجال والجهد والفكرة.. وقد خفت القيود الأمنية على الزعيمين وأخذوا قسطاً من الحرية بعد مغادرتهما السلطة.. إلا أن بريق “الترابي” وسحر بيانه وضعه في عيون الصحافة.. وثقل ميزان “علي عثمان محمد طه” في الساحة السياسية جعله موضع اهتمام أكثر مما هما في السلطة. أكثر من ساعة تناول فيها “الترابي” و”علي عثمان” الشجون العامة والأفكار المتناثرة عن الدين والكنيسة وحركة النمو والعمران ..وتساقطت أسئلة “الترابي” على الحضور بغتة ولم يترك مساعد الرئيس “موسى محمد أحمد” ولا المساعد الآخر “عبد الرحمن الصادق المهدي”. وتبدت علامات الرضا في وجه “عمر سليمان آدم” الذي يعتبره “الترابي” من الذين مكانهم غير الذي هم فيه الآن .. وتتالت أفواج السياسيين من الإسلاميين نحو مكتب الدكتور “عيسى بشري” الذي وجد نفسه فجأة يجمع بين “الترابي” و”علي عثمان” في مكتبه. ولم تجد سكرتارية د. “عيسى” إلا عدسات الهواتف الذكية لتوثيق الحدث. ووزير الطرق “عبد الواحد يوسف” ونائب رئيس البرلمان السابق “هجو قسم السيد” ورئيس تشريعي ولاية الخرطوم “محمد الشيخ مدني”، يدققون النظر في جلسة هادئة وابتسامات صافية بين “الترابي” و”علي عثمان”. خرج بعض الوزراء مسرعين خارج مكتب د. عيسى ربما اعتقدوا أن الوقت قصير جداً وليدعوا الرجلين ينسحبان خيوط آمال التلاقي، وربما خرج البعض إحساساً بعقدة ذنب قديمة أو خوفاً من التصنيف.. ولكن إذا تقارب “الترابي” و”طه” خفقت قلوب فرحاً في أمل مرتجى وشوق منتظر، وارتجفت قلوب على مصالح قد تضيع ومكاسب قد تذهب سدى بتقارب ووحدة الإسلاميين التي يحفر البعض عميقاً، لنثر الشقاق وإثارة الشكوك واستخدام أسلحة إقليمية ودولية للحيلولة دون عودة أيام الصفاء.