رسالة للمؤتمرين (1)
{ الآن حسم المؤتمر الوطني خياره وأصبح الرئيس “عمر البشير” رئيساً لدورة قادمة بعد قبوله لمبدأ خوض المنافسة مع الآخرين.. ونتائج شورى الوطني ومن قبله المجلس القيادي قد كشفت عن الفوارق الكبيرة بين “البشير” وبقية قيادات الحزب التي دخلت حلبة الانتخابات فقط نزولاً لمقتضيات اللائحة التي تنص على ترشيح خمسة قيادات من المجلس القيادي.
واختيار “البشير” من قبل المؤتمر العام للحزب يوم بعد غدٍ (الجمعة) مسألة حسمت منذ وقت، ولكن لا ينبغي أن ينصرف أعضاء حزب المؤتمر الوطني لزيارة ذويهم في العاصمة الخرطوم، ومتابعة شؤون أبنائهم الدارسين في الجامعات وملاحقة الوزراء من أجل الوفاء بوعود انتخابية سابقة.. والجلوس في المقاهي واجترار الذكريات ونقد أداء الحكومة (سراً) في المجالس الخاصة ومدحها في القاعات.
أمام عضوية المؤتمر الوطني العام التي انتخبت من كل الولايات قضايا ومشاكل البلاد التي تئن من وطأة الفجيعة والمآسي من حروب تحصد الأرواح بلا رحمة، ونزوح وتشرد وجوع وفقر في معسكرات البؤس والشقاء وحالة هروب جماعي لأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين، لا من أجل مغريات الاغتراب في الدول التي من حولنا ولكن لاستحالة العيش في السودان الذي تحاصره المشكلات. وليس أمام قادة المؤتمر الوطني إلا مواجهة النفس ونقد الذات ومراجعة سياسات الحكومة وتجديد برنامجها لفترة السنوات الخمس القادمات، ولا ينبغي لأعضاء المؤتمر العام ممارسة الرقص على أنغام الأناشيد التي يرددها المطربون في مثل هذه المناسبات، وهي أناشيد وأغنيات لا تدعو لفلاحة الأرض وتعميرها والسماحة والتعافي والتصافي ولكنها توغل في ثقافة العنف وإراقة الدماء (منا ومنهم)!!
وتلك من الأدبيات التي ينبغي لحزب منحه السودانيون ثقة لم يمنحها لحزب قبله (الإقلاع) عن تلك الأدبيات البالية والخطاب الغنائي الذي يبث الكراهية ويتوشح بثياب العنف بلا مبرر!! وأن يمعن قادة حزب المؤتمر الوطني النظر ملياً في مشكلات البلاد، وأن لا يرقصوا وشعبهم حزين يمسح براحتيه دموع الأسى والفجيعة، وأن لا يتطاولوا في البنيان وثلث سكان دارفور في معسكرات النازحين يتوسدون المأساة وتحاصرهم منظمات الغوث الأجنبية القادمة من بلاد الإفرنج، ولا رؤية لحل مشكلات (صنعناها) بأيدينا وأخذنا نسأل الجيران والأصدقاء والأعداء مساعدتنا للحيلولة دون تفاقمها .. وتطرد طالبات دارفور من الداخليات الحكومية ببشاعة غير معهودة وعنف لفظي ومعنوي وجسدي من قبل صندوق يسمى بدعم الطلاب، والداعم لا يجرؤ على ما فعل الصندوق بحرائر دارفور.. وتشكل أخطاء الداخل أكبر داعم للتمرد وحافزاً لآخرين لحمل السلاح. وهناك من يعتقد حتى اللحظة أن قضية دارفور يمكن حلها بفوهة البندقية وممثلو دارفور من قيادات المؤتمر الوطني إن لم يقولوا كلمتهم في مؤتمر حزبهم، ويحملون حكومة حزبهم لوقف الحرب، فإنهم الخاسرون في نهاية الأمر ومبتدئه!
ولا تشكل قضية دارفور وحدها الأهمية القصوى فهناك قضايا النيل الأزرق وجنوب كردفان وكلها احتجاجات على السياسات المركزية والتبرير الحكومي الساذج القائل، إن هناك مؤامرة وراء كل بندقية رفعت من أجل قضية أو من أجل أشياء أخرى لهو تبرير ساذج ويمثل هروباً من الواقع.. نعم المؤامرة موجودة ولكن نحن من يهيئ المناخ للتدخل الأجنبي ونحن من نبعثر صفنا ونمزق وحدتنا ونتخذ من المؤامرة حائط مبكى، تعبيراً عن فشلنا والتمادي في ركوب الرأس والعناد وترديد أناشيد من شاكلة (النار ولعت) و(الرهيفة تنقد)، هي من أورث البلاد أحزان الرماد وحتى أصبحت بلادنا في أجندة المجتمع الدولي ومنظماته المهتمة بحقوق الإنسان… ونواصل.