بكل الوضوح
عامر باشاب
وداعاً.. (أنا سوداني أنا)
{ مساء (السبت) أمس الأول هاتفني الأستاذ “الطيب” ابن شاعرنا الوطني العظيم “محمد عثمان عبد الرحيم” مبدع النشيد الوطني وأغنية الاستقلال الأولى (أنا سوداني أنا).. ناقلاً لي النبأ الحزين الذي أعلن عن رحيل والده ووالد كل أبناء الشعب السوداني عن دنيانا تاركاً فراغاً كبيراً لن يستطيع أن يملأه أحد.. لكنها مشيئة الله وإرادته وقدرته.
{ فالفقيد مبدع من الزمن الجميل ومناضل من طراز فريد عاشق لتراب هذا الوطن.
{ نعم لقد مات شاعرنا العظيم والموت حق، ولكنه لم يرحل وسيظل باقٍ في قلوب ووجدان كل فرد سوداني يعتز بسودانيته، وسنظل نذكره جميعاً كل ما ذكر اسم السودان.
{ شاعرنا العظيم العبقري “محمد عثمان” عاش مائة عام وعشرة شهور وعشرة أيام وعشرة ساعات، ومات داخل أرض السودان لم يكتب كلمة واحدة من إبداعاته الشعرية والأدبية خارج البلاد ليضرب أروع الأمثال في الانتماء وعشق التراب والحب الصادق للسودان المكان والإنسان.
{ الراحل كان يحب الناس ويعشق مؤانستهم ويهوى التعارف والتآلف، وكان دائماً يسعى لتكوين علاقات وصداقات جديدة، ولذلك نجده قد ترك أثراً وحباً كبيراً في قلوب ودواخل كل من تعامل معهم بحسن خلقه وطيب معشره.
{ الراحل عاش في حي شعبي يتوسط منزله بيوت البسطاء من أهله وعشيرته بمدينة “رفاعة”، وعندما تقترب من منزله المتواضع لا تجد ما يشير إلى أن ساكن هذا المنزل شخصية استثنائية.
{ عاش حتى مات متسماً بالنزاهة والاستقامة، كان اتجاهه السياسي هو فقط عشق السودان وتقديس ترابه.
{ في شهر يناير العام 2014م ناشدت عبر هذه الزاوية أسرة (بنك الخرطوم) وهم يحتفلون بمرور مائة عام على تأسيس أول مصرف سوداني، ناشدتهم بتكريم شاعر (أنا سوداني أنا) والاحتفاء بعيد ميلاده رقم مائة، وبالفعل استجابت أسرة (بنك الخرطوم) فزاروه في منزله بمدينة رفاعة وقاموا بتكريمه بشكل يليق ومكانته وتاريخه وعظمته وسط أبنائه وأحفاده، ووثقت قناة (النيل الأزرق) هذه الاحتفالية النادرة.
{ وأذكر أن إدارة التسويق بـ(بنك الخرطوم) أحضرت لهذه المناسبة (تورتة) أخذت شكل علم السودان بألوانه الأحمر والأبيض والأسود والأخضر.
{ شاعرنا العملاق الراحل عاش حتى آخر لحظات في حياته بذاكرة متقدة رغم أنه تقدم في السن وأعياه (مرض الكبر)، لكنه كان إذا تحدث إليك يدهشك بحفظه للأحداث والتواريخ ما قبل وبعد الاستفلال.
{ “محمد عثمان عبد الرحيم” ارتبط في أذهان كل السودانيين باختلاف فئاتهم وانتماءاتهم بـ(أنا سوداني أنا)، هذا النشيد الخالد الذي جسد فيه شخصية إنسان السودان، لقد كان عبقرياً فذاً في اختيار المفردة المعبرة عن حالة الأمة السودانية.
{ برحيله فقد السودان شاعراً عظيماً وأديباً استثنائياً لا يعوض.
{ أما الذين عاشروه وخالطوه من عشيرته وأبنائه وأحفاده وجيرانه وأصدقائه ففقدهم له هو الأعظم.
{ رحم الله شاعرنا العظيم وأسكنه فسيح جناته وألهم جميع السودانيين وأهله وذويه الصبر والسلوان.
{ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).