التهافت على "المكي"!!
تهافت الحكوميون من ولاة ووزراء ووسائط إعلامية تقرباً من الشاعر والأديب “محمد المكي إبراهيم” صاحب الأكتوبريات و(بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت).. وطائرة خاصة من الخرطوم للأبيض تناهز كلفتها المائتين مليون جنيه بالقديم، تحمل وفوداً من الأصدقاء والمريدين لأمسية قيل إنها تاريخية في عروس الرمال احتفاءً بشاعر توقف عطاؤه عند أكتوبر 1964م، وولج ساحة السياسة معارضاً للإنقاذ وهو يكتب على لسان السيد “الميرغني” (سلم مفاتيح البلد وما بتسلم). من الذي يسلم مفاتيح البلد إنه المشير “البشير” والذي لن يسلم طبعاً هو “البشير” الذي من خزائن حكومته (الماهلة) تدفع الملايين من أجل تكريم شاعر وأديب لم يشحذ يوماً همة مواطن من أجل مشروع تنموي، وآثر العيش الرغد في صقيع براري أمريكا حينما كان شاعراً في مقام “محمد حامد آدم” صاحب ديوان ضابط السجن يواجه مصيره لوحده بعد إصابته بطلق ناري وهو ينافح عن مشروع الإنقاذ، في أرض أصبحت بالتفريط وسوء التقدير دولة لنا معها حدود واحتفظ قائدها “سلفاكير” بالعلم السوداني القديم في المتحف للذكرى والتاريخ.
والشاعر “محمد حامد آدم” يطبع ديوانه على نفقته الخاصة وهو من تغنى “عبد الرحمن عبد الله” بأعزب ما كتب.. لكن “عبد الرحمن” ود بارا تطرب له السلطة حينما يشدو (يا الوالي راجينك تعالى أدينا من حنك)، ولكن “عبد الرحمن” كان يغني في قديم الزمان (البلوم أرجوك يوم تحلق.. شيل رسائل الشوق المحرق.. تلقى زولاً ضامر رشيق.. في بسيمتو يلوح الهلال)، و”محمد حامد آدم” يسقط منزله جراء السيول والأمطار ولن تلتفت له حكومة ولا والي.. تركوه في لجة عذاباته اليومية مثلما تركوا الراحل الأديب “محمد مفتاح الفيتوري” في المغرب يائساً معذباً.. لا يملك زاد الدنيا إلا عفته وشموخه وكبرياءه وعزة نفسه واكتمال مروءته.. ومشروع نهضة شمال كردفان الذي تعلقت به الآمال لتشييد طريق (بارا أم درمان) يصبح مشروعاً غنائياً واحتفالياً، وموارد مالية لشركات الإعلان التي يسيطر عليها (المستهبلين) والسابلة.. وبعض ممن تراهم اليوم (يزينون) الباطل.. ويستثمرون في عرق البسطاء من أهل بلادنا الذين دفعوا الجبنة وملوة الذرة وتبرعت بائعات الكسرة في سوق ود عكيفة من أجل طريق بارا أم درمان لا من أجل أن يأتي “ود المكي” من الولايات المتحدة ويغذي شرايين القنوات الفضائية في الخرطوم بشيء من ذكريات الأمس، وينصب نفسه قاضياً لمحاكمة تاريخنا ونجمع له (الهتيفة) في الأبيض لنصغي لشعر قديم وزامر الحي يقلب كفيه حسرة على مال شركات الاتصالات الذي يهدر في غير موضعه، ولو كان الاحتفاء حقاً بالشعر والشعراء لاحتفت الأبيض بـ”قاسم عثمان” ولكرمت رفيق درب الأستاذ “خالد الشيخ” الشاعر الموهوب والإنسان الشفيف “محمد عثمان الحلاج”.. ولكن “ود المكي” له بريق.. ولسان وتاريخ في العداوة والبغضاء لمن يتقربون إليه اليوم من حواشي السلطان والمستفيدين منه بدرهم ودينار ودولار.
نعم “أحمد هارون” شخصية نادرة وقيادة كاريزمية ولن تجد مشاكل شمال كردفان حلاً إلا في حقبته الحالية، لثقته في نفسه وثقة المركز فيه.. ولكن مشروع النهضة إذا أصبح بوقاً إعلامياً ينفخ فيه بعض الذين هم يتحدثون بلسانه اليوم وينفق على أمثال “ود المكي” ما يبني مدرسة ويحفر بئراً فإن (الرماد كال حماد).. و”حماد” نفسه ينتظر التكريم المعنوي وما “حماد” إلا نائب الحاكم الأسبق اللواء “فضل الله حماد”.. ونعود لطق العود!!